لم تكن تملك ثمن ألوان

بإسفنجة من 'فَرشة' وطبشورة بدأَت 'عطاف' مشوار الفن التشكيلي

الفنانة عطاف النجيلي

لم تكن الشابة عطاف النجيلي، تعلم أن علبة الألوان التي حصلت عليها كمكافأة مقابل رسمةٍ بسيطة في بداية مشوارها الفني، ستكون حافزها الأول نحو عالم الفن التشكيلي في قطاع غزة ، لتصبح خلال وقتٍ قصير من بين الفنانين البارزين المشاركين في المعارض والفعاليات المختلفة..

في ذلك الوقت، قدّمت الشابّة البالغة من العمر (28 عامًا) لأستاذها أحمد السحار، رسمةً عبرت فيها عن مشاعر وطنية، ونقلت بعض الملامح من حياة سكان غزة، لكنها لم تتوقع أن تنال إعجابه لدرجة أنه قدم لها هدية: مجموعة من ألوان الأكريليك" التي كانت لا تمتلك ثمنها في ذلك الوقت.

"رغم بساطة الموقف، إلا أنني أعده بدايتي الحقيقية، هناك فقط شعرت بالتقدير والاحترام لجهدي وفني"، تقول عطاف وقد ارتسمت على جبينها علامات الفخر.

تلك الألوان التي لطالما حلمت بامتلاك مثلها، استخدمتها لرسم عدد من اللوحات، التي عبرت عن العديد من القضايا الاجتماعية والحياتية المختلفة، وقدمتها هدايا للعديد من الأشخاص حولها، دون أن تفكر في أي عائدٍ مادي! كانت تكتفي بكلمات الشكر والإعجاب، وتؤمن بفكرة أن نشر اسمها بين الناس في مرحلة البداية أهم من أي مبلغٍ مهما كانت تحتاجه.

بدأت عطاف التي تسكن محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، مسيرتها الفنية قبل عدّة سنوات، وكانت آنذاك لا تمتلك سوى الأوراق البسيطة وقلم الرصاص، لكنّها عملت على مدار الوقت في تطوير نفسها، وصقل شخصيتها الفنية، حيث شكلت خلال فترة معينة، اسمًا معروفًا لدى عددٍ من المؤسسات المحلية التي تهتم بالثقافة والفنون، وصارت تدق بابها للبحث عن فرصةٍ بـ "قلبٍ قوي".

النجيلي طوّرت موهبتها، من خلال الاعتماد على الفيديوهات المنشورة على مواقع الإنترنت، من بينها المشاهد الطبيعية، التي حاولت تقليدها على ورقةٍ صغيرة، استخدمت معها اسفنجة اقتطعتها من "فرشة" في المنزل، كانت تغمسها بالألوان وتحاول الوصول بها إلى نفس النتيجة التي رأتها في الفيديو! هي لم تكن تملك أيًا من أدوات الفنانين باهظة الثمن، استعانت بسكين المطبخ، وبعض الطباشير البيضاء في تدريباتها عوضًا عن الأدوات الشبيهة الخاصة بالرسم وأصحابه.

تقول: "أخرجت بتلك الأدوات البسيطة لوحةً جميلة حازت على إعجاب الجميع، وهذا حفزني أكثر، على استعمال الأدوات غير التقليدية في الرسم، على رأسها الفحم والقهوة والملح، مضيتُ قدمًا في التدريب عليها، ورسمت الكثير من الشخصيات الوطنية ورموز فلسطين بأقل الإمكانات".

خلال رحلتها الفنية، شاركت عطاف في عدد كبير من الفعاليات والأنشطة الفنية المحلية، التي كان أبرزها المخيم الشبابي، الذي نظمته جمعية الثقافة والفكر الحر، وشاركت ضمنه بلوحةٍ "تل أم عامر"، التي عرضت فيها معلمًا من المعالم الأثرية في فلسطين، وبعدها شاركت في العديد من الورش التي حولت مسار حياتها كليًا.

تعقب: "تلك الورش والفعاليات ساهمت في رفع الوعي لدي نحو المفاهيم والأساليب الفنية، كما أنّها حفزتني على تنمية اهتمامٍ آخر، هو الكتابة، فدفعتني إلى خوض التجربة".

قبل عدة أعوام، خرجت عطاف بنص "محطة مخطوفة" الذي حظي بالثناء من قبل المختصين، وتم اختياره من ضمن مجموعة نصوص، كتبها شباب من غزة، من أجل تحويله إلى نص مسرحي، وهذا ما كان.. اسم عطاف الآن يرن في أروقة الفن، بعد أن اجتازت كافة الصعوبات التي واجهتها، ليس فقط على صعيد الوضع المالي، بل حتى على صعيد الوضع الاجتماعي الذي كان يمنع مشاركة المرأة في الأعمال المجتمعية والثقافية التي قد تستغرق منها ساعات.

تعمل عطاف اليوم، على تجسيد مختلف القضايا الحياتية التي تؤثر على السكان في غزة عبر لوحاتها الفنية، التي تطور شغفها فيها إلى مجالٍ جديد وهو صناعة الأفلام، تحديدًا تلك التي تحكي عن أزمة الكهرباء وقضايا المواطنين في غزة، بل وشاركت في معارضٍ ومهرجانات متخصصة بهذا الاتجاه، وتم عرض عدد من أفلامها خلالها.

النجيلي، كمعظم هواة الفن ورواده في غزة، تأثروا بالحصار الإسرائيلي الجاثم فوق صدر القطاع منذ قرابة 14 عامًا، فعلى الرغم من أن أعمالهم تلاقي الإعجاب، إلا أن الفرص أمامهم قليلة، ورسائلهم تبقى حبيسة جدران المعارض المحلية، تلك التي يزورها العامة للمشاهدة لا للاقتناء –على الأغلب.

ملاحظة: هذه المادة هي مخرج تدريبي لدورة "فن كتابة القصة الصحفية" التي نفذتها مؤسسة بيت الصحافة/ يونيو- حزيران- 2020م.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد