برزت في وسائل الإعلام الاجتماعية ظاهرة خطيرة، بخاصة في فلسطين، وهي بذر الكراهية في نفوس الشباب لآبائهم وأجدادهم، وتحطيم ماضيهم، بالسخرية من طول أعمارهم، ومن قسمات وجوههم.
للأسف نشر أحدهم، يبدو أنه منسوبٌ لأحد الأحزاب الفلسطينية المعتمدة على الولاء والطاعة، الخالية من أية ثقافةٍ وطنية، نشر هذا الشابُ جدولا بأسماء مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، نشر في مُقابلِ أسمائهم عددَ سنواتِ أعمارهم، ثم تركَ هذا الناشرُ مساحاتٍ للتعليقات الساخرة.
ظهرت التعليقات الساخرة التالية، وهي ليست كل التعليقات:
«عليهم أن يتركوا الأمور لغيرهم، بعد أن أصبحت وجوههم مملوءة بالشوارع والمنعرجات» قال آخرُ ساخراً: «متى سننعاهم جميعا»، للأسف، نالت التعليقات السابقة إعجاب كثيرين!!
ما أكثر ما قرأتُ عن الحركة الصهيونية! لم أجد سخريةً أو استهزاءً مشحوناً بالكُره، والحقد، على مؤسسي الحركة، وعلى طول أعمارهم، وجدتُ فقط نقداً أكاديمياً لتعديل مسار هذه الحركة، وتغيير أهدافها،
يا ويلنا! هكذا يُكافئ الأبناءُ الفلسطينيون آباءهم! هل نعتبرُ ما سبق خللاً يمكن إصلاحُه، أو أنه مرضٌ خطير، يؤشِّر على عيبٍ في تاريخنا الفلسطيني النضالي، وبخاصة في تثقيف الشباب الفلسطينيين؟!
إن المستهزئين بالآباء هم مُنوَّمونَ موجَّهُونَ، يُنفذون خطةً خطيرة، ومؤامرةً على قضيتنا الفلسطينية العادلة، هذه المؤامرة هي جزءٌ من سلسلة مؤامرات، بدأت بمحاولة محو تاريخنا الفلسطيني الحضاري كلِّه، ثم سرقة هذا التاريخ، ونسبته إلى المحتلين الغاصبين.
سَرق منا محتلو أرضنا رموزَ نهضتنا، تراثَنا، ومكتباتِنا، ووثائقَنا، ثم شرعوا يُشككون في عُلمائنا، ومفكرينا، وأدبائنا بتلطيخ سمعتهم، وتأليف النقائص في سيرتهم، وتزييف إبداعاتهم، كجزءٍ رئيس من مُخطط يهدف كلُّه إلى إزالة هذا التاريخ الفلسطيني الناصع!
هذه المؤامرة لا تقتصر على فلسطين، بل طالت كل بلاد العرب، فقد حاولوا تشويه سمعة كثيرين من زعماء العرب المخلصين!
في المقابل فإنني أرى أن أعداءنا يُجلون، يحترمون، ويقدسون آباءهم الأولين، يرسخون سيرهم في الكتب التعليمية، يوثقون نضالهم في أفلامٍ وصور، لأن هذا الإجلال والاحترام والتقدير للآباء هو الطريقُ للاستفادة من تجاربهم، والبناء عليها للنهوض والتطور والرقي.
ما أكثر الأمثلة على ذلك، أبرز مثال على ذلك هو رئيس دولة إسرائيل السابق، شمعون بيريس، الذي نسي أن يموت، كما قال، مات في الثالثة والتسعين من عمره، 2016م، لم يسخر منه أبناؤه الشباب، ولم يجعلوه هزءاً في صفحات التواصل الاجتماعية، بل اعتزوا به، أسموه حكيم إسرائيل، طلب مشورَته رؤساء الدول الكبرى، واعتزوا بصداقته!
أما موشيه أرنس عضو حزب الليكود، المتوفى عن أربعة وتسعين عاماً فقد تولى رئاسة وزارة الجيش ثلاث مرات، صار وزيرَ خارجيةٍ، وسفيراً، ثم أصبح محاضراً في كلية التخنيون، ثم مسؤولاً عن الأبحاث في مجال الطيران وهو في التسعين، ترك وراءه سيرة حياةٍ حافلةً بالعمل.
ما أكثر الزعماء ممن اقتربت أعمارهم من قرنٍ لايزالون يوزعون خبراتهم على شباب وطنهم، إن معظم رؤساء العالم حين يتركون مناصبهم يُشكلون خلايا عسلٍ فكريةً، مثل الرئيس الأندونيسي، مهاتير محمد، هو اليوم في الخامسة والتسعين لايزال في قمة عطائه.
سأظلُّ أرددُ قولاً مشهوراً يُنسب لنابليون بونابرت، زعيم المكارثية السياسية، حين قال: «جردوا الأمم مِن تاريخِها، يسهُل ابتلاعُها»! يمكنني أن أنحتَ قولاً جديداً:
«اسخروا من تاريخ آبائكم، يسهُل احتلالُكم، وقهرُكم»!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية