من الواضح جدا أنه لا يوجد اعتراض من قبل أي سياسي أو مسؤول إسرائيلي حول خطة الضم الإسرائيلية التي طرحها نتانياهو ، ولكن ربما الاختلاف قد يكون فقط حول شكل هذا الضم و الخارطة النهائية للضم وتوقيت تنفيذ عملية الضم.

الأمر الذي يشير إلي أنه هناك جدية إسرائيلية لتطبيق خطة الضم سواء كان ذلك آجلا أم عاجلا وسواء كان ذلك ضمن موافقة أمريكية أم لا، لكن الأمر الذي ليس متضحا حتى الآن هو متى سيتم الضم ؟ و ما هي المستوطنات التي سيتم ضمها أولا؟

وقبل الخوض في توقع طبيعة المستوطنات الإسرائيلية التي يمكن أن تضمها إسرائيل كمرحلة أولى من عملية الضم ، لابد من تحليل أسباب طرح نتانياهو لخطة الضم الإسرائيلي ، و التي تعود في أغلبها ، إلي الرغبة الشديدة لنتانياهو و حزب الليكود الإسرائيلي لاتخاذ خطوات استباقية لفرض حدود دولتهم على الفلسطينيين ، وذلك بشكل أحادي وضمن وجهة النظر الإسرائيلية في ظل عدم وجود أية مفاوضات جدية ونهائية بين الإسرائيليين و الفلسطينيين حول حل الدولتين و حول ترسيم حدود كل دولة.

و تجدر الإشارة ، بأن نتانياهو يريد أن يستبق الأحداث، و يفرض تحديد حدود الدولة الإسرائيلية من منطلق أفكار استعمارية صهيونية تتجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير و استعادة أراضيه المحتلة ، و ليس من منطلق التفاوض بين دولتين متساويتين في الحقوق و الواجبات الدولية حسب معايير القانون الدولي لحل الصراع .

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل يجرؤ نتانياهو على تنفيذ خطته الاستيطانية لضم جميع مستوطنات الضفة الغربية و القدس مرة واحدة أم أنه سيطبق خطة الضم بالتدريج و عبر عدة مراحل ؟

حسب تحليلي لسياسة نتانياهو الاستيطانية ، أن ما يهم نتانياهو حاليا هو ضم أكبر قدر ممكن من المستوطنات الإسرائيلية الي السيادة الإسرائيلية، لكي يُضيع الفرصة على السلطة الفلسطينية للمطالبة بتلك الأراضي في المستقبل عند التفاوض حول الحدود النهائية للدولة الفلسطينية ، و كأنه يريد أن يفرض على السلطة خارطة الأمر الواقع ، فلا يكون هناك أي مجال أمام الفلسطينيين في المستقبل بالمطالبة بأية أراضي فلسطينية تم ترسميها مسبقا من ضمن أراضي الدولة الإسرائيلية ، ومن هنا يمكننا توقع طبيعة المستوطنات الإسرائيلية التي سيضمها أولا خلال المرحلة الأولى ، كضرورة عاجلة في سياسة نتانياهو الاستيطانية نظرا لأهميتها الأمنية و الاستراتيجية ، لذا فيما يلي أهم سناريوهات عملية ضم المستوطنات الإسرائيلية:

البدء أولا بضم مستوطنات القدس الكبرى

نظرا لخطورة عملية ضم المستوطنات الإسرائيلية بشكل كامل ، وعدم وجود اتفاق شامل بين نتانياهو و غانتس و الأحزاب الإسرائيلية المعارضة حول الرؤية النهائية لخطة الضم ، أعتقد أن نتانياهو لن يتسرع بعملية ضم جميع المستوطنات بالضفة الغربية التي تحتاج الي خرائط مفصلة تتعلق بخط المواصلات و الطرق البرية التي تخترق أراضي الضفة الغربية وفي نفس الوقت تصل المستوطنات بإسرائيل مباشرة ، فالموضوع معقد جدا و لا يمكن تنفيذ شبكة المواصلات بسهولة الي جانب المخاطر الأمنية التي ستهدد تلك المستوطنات في حال ضمها الي إسرائيل ، حيث ستكون تلك المستوطنات في حال ضمها ، بمثابة أهداف سهلة لعناصر المقاومة المسلحة في الضفة الغربية خاصة عناصر حركة حماس و الجهاد الإسلامي، لذا ففي أغلب الظن سيتم ضم تلك المستوطنات في مرحلة أخرى متقدمة و ليس بالضرورة خلال هذا العام ، أي عام 2020.

لذا من المرجح جدا، أن يضم نتانياهو أولاً مستوطنة معاليه ادوميم ، وهي تُعد من أكبر مستوطنات القدس التي تشمل أكبر عدد من المستوطنين الإسرائيليين الذين يتجاوز أعدداهم ال 30 ألف مستوطن .

و تجدر الإشارة ، أن مستوطنة معاليه أدوميم هي جزء من خطة أكثر توسعا، يطلق عليها اسم خطة باب الشرق، وتهدف إلى خلق تواصل للمستوطنات الإسرائيلية في قطاع عرضي واسع يمر من القدس عن طريق معاليه أدوميم، أريحا، والبحر الميت، لذا تشكل معاليه أدوميم، المدينة اللوائية لهذا القطاع، وذلك من ضمن مخطط القدس الكبرى.

و يُعد ضم مستوطنة معاليه أدوميم من أولويات إسرائيل ، و بضمها سيتم تضييع فرصة كبيرة على الفلسطينيين للتفاوض حول استعادة أراضي تلك المستوطنة في المستقبل حيث سيعتبرها الإسرائيليون من المسلمات التي يجب عدم التنازل عنها وخاصة أنها تابعه للقدس بشكل مباشر.

ضم محدود لمستوطنات الأغوار القريبة والممتدة على حدود الأردن

نظرا للاعتراض الشديد من المملكة الأردنية حول إمكانية ضم مستوطنات غور الأردن و تهديد الأردن بالانسحاب من اتفاقية وادي عربة للسلام ، من المحتمل جدا أن لا يتخذ نتانياهو قرار بضم جميع مستوطنات الاغوار في دفعة واحدة ، لكن من المرجح أن يقوم على الأقل بضم المستوطنات التي تقع بشكل مباشر على الحدود الأردنية – الفلسطينية لكي تكون بمثابة حزام أمني وقائي إسرائيلي يمنع أي اختراق عربي للحدود الفلسطينية و الأردنية في المستقبل ، حيث من الواضح أن نتانياهو يتخوف جدا من أن يتم استغلال تلك الحدود بالمستقبل لاختراق إسرائيل من منطقة الشرق .

و تعتبر إسرائيل تلك الحدود الأردنية- الفلسطينية بمثابة ثغرة أمنية وحدودية قد تهدد الأمن القومي الإسرائيلي في المستقبل، فحسب مقابلة تمت مع البروفيسور الإسرائيلي إفرايم عنبار ، و التي تم نشرها في صحيفة إسرائيل اليوم ، يرى هذا البرفسور الإسرائيلي أن مستوطنات غور الأردن تُعد ذات أهمية استراتيجية كبيرة لأنها تقع ضمن الحدود الأمنية الإسرائيلية الوحيدة في الشرق، و حسب إفرايم عنبار أن السيطرة على معابر غور الأردن تمنع غزو إسرائيل، وهذا الغور قريب من قلب "الدولة" حيث "مثلث القدس والخضيرة وحيفا"، ويعيش فيه 70% من الإسرائيليين، و 80% من بنيتهم التحتية، والمسافة الجوية بين النهر والقدس 30 كم فقط، وبذلك فإن الميزة الديموغرافية تكمل الميزة الاستراتيجية.

قد يتم ضم مستوطنات أخرى لكن في مراحل متقدمة

في غالب الأمر، أن ضم إسرائيل لباقي المستوطنات في الضفة الغربية سيكون عندما تضمن إسرائيل نجاحها في ضم المستوطنات الحدودية الكبيرة بالقدس و الأغوار، وبعد أن تُقيم إسرائيل ردود الفعل الفلسطينية و العربية و الدولية على خطواتها الأولى للضم ، ففي حال نجحت إسرائيل بضم مستوطنات القدس و الأغوار بدون التعرض لمخاطر أمنية تهدد المستوطنين ، أو دون حدوث مقاطعة دولية كبيرة لها من قبل الدول العربية و دول الاتحاد الأوربي ، ستستمر ربما إسرائيل بمشروعها التوسعي الاستيطاني وسيكون لديها جرأة أكبر في ضم أكبر عدد ممكن من المستوطنات ، لكن في أغلب الظن أن إسرائيل لن تتهور في هذا الأمر ، و ربما ستكتفي بضم محدود يشمل فقط البؤر الاستيطانية الكبرى في القدس ذات الكتل السكانية الكبيرة ، لأنها تعلم أن باقي مستوطنات الضفة الغربية لن تحصل على أي اعتراف دولي بها ، و لا حتى اعتراف أمريكي مثل المستوطنات ذات الكتل السكنية الكبيرة و التي تبرر إسرائيل وجودها تحت ذريعة حماية الأمن القومي الإسرائيلي.

أخيرا، يمكننا التوقع بأن إسرائيل ماضية في خطة ضمها لبعض المستوطنات التي تم ذكرها في هذا المقال ، وذلك على الرغم من مخالفة عملية الضم للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ، وعلى الرغم من الاستنكار الدولي و العربي لهذا الضم ، لكن للأسف هناك احتمال كبير لتطبيق خطة الضم الإسرائيلية بشكل جزئي خلال عام 2020 ، و بالتالي سيأجج هذا الضم الصراع المشتعل بين الإسرائيليين و الفلسطينيين ، مما قد ينتج عنه احداث عنف كبيرة في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة ، و لكنني أستبعد في نفس الوقت أن تُعيد إسرائيل احتلالها لباقي أراضي الضفة الغربية ، حتى لا تتحمل مسؤولية حكم الضفة الغربية مرة أخرى ، فإسرائيل تعلم جيدا الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه في حال تم تفكيك السلطة الفلسطينية ، و بالتالي لا تريد أن تتحمل مسؤولية ملايين من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية ، بل ربما تريد المحافظة ولو على شعرة معاوية بينها و بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، و في نفس الوقت الاستمرار بشن حملاتها الأمنية و العسكرية ضد عناصر المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد