بالصور: حيوانات غزة "الضالة" في كنف "سعيد" ما دام حيًا!
طلع الصباح على بلدة النصيرات وسط قطاع غزة ، حركةٌ مُريبة كانت تُسمَعُ في مطبخ بيت سعيد العر (47 عامًا)، قَطعَتْها ضحكاتٌ عالية! خمسون قطة يرعاها سعيد، اقتحمت سكون الفجر لت فتح بطريقةٍ ما ثلاجته وتأكل عدة دجاجاتٍ كانت زوجته جهّزتها لغداء الجمعة.
زوجته التي استشاطت غضبًا، زاد من حنقها ضحكات زوجها العالية، ولا مبالاته بما فعلته القطط، وقوله عندما واجهته بسؤالها: "ماذا سيأكل أولادنا اليوم؟"، "ربنا بيدبرها، الحمد لله إنهم شبعو" بالإشارة إلى قططه.
سعيد الذي يعشق الحيوانات منذ صغره، كان يحمل في داخله حلمًا عظيمًا كبُر معه، حتى أصبح حقيقة، كان يحلم أن يحمي كل الحيوانات الضالة في غزة، فتحقق حلمُه بـ "سلالة" (الجهة الوحيدة في قطاع غزة، التي تعمل على تحسين حياة حيوانات الشوارع).
بداية الطريق
بدأت حكاية سعيد مع الحيوانات، عندما كان طفلًا، حيث كان بيته هناك إلى جانب بيارة تزدحم بالكلاب.
تلك المخلوقات التي كانت تثير فضوله بشكلٍ غريب دفعته للتعرف على كل تفاصيل حياتها، فجعلها هدفه الأساسي، كان يطعمها دائمًا، ويقضي أغلب وقته باللعب معها، فلحسن حظه، كان ابن صاحب هذه البيارة صديقه المقرب، الذي لم يتردد في قضاء الوقت معه لمساعدته في إطعامهم ورعايتهم، حتى كبُر فوجد الظروف كلها تدفعه نحو الطريق ذاته.
التحق سعيد شابًا بدورةٍ لترويض وتدريب الكلاب في روسيا عام 2006م، وهناك لمعت في رأسه الفكرة: لماذا لا أؤسس إطارًا لحماية الحيوانات الضالة في المكان الذي أعيش فيه "غزة"؟ وهذا ما حدث. بمجرد عودته، تقدم بطلبٍ رسمي لإنشاء جمعية تحت هدف "حماية الحيوانات الضالة"، وحصل على الموافقة، "وهنا شعرتُ بسعادةٍ غامرة، ومن بين كل الأسماء اخترت "سلالة" يقول لـ "سوا" بنبرةٍ يقفز منها الفرح.
عمل الجمعية الفعلي بدأ عام 2015م، بعد استئجار أرض بمساحة دونمين اثنين، لاستقبال الحيوانات المشردة، حتى عام 2018م. تراكم عليهم إيجار الأرض، وما عاد يقدر على الاستمرار في الدفع بجهده الفردي وتمويله الذاتي، فتركه، وعاد إلى العمل من منزله برفقة متطوعين يحملون نفس فكره وإنسانيته، تجاه "تلك المخلوقات الضعيفة"، لكن هذه الخطوة على ما تحمله من ضيقٍ كانت بالنسبة لسعيد بداية الفرج "عندما اضطر نتيجة عدم وجود مكان لإيواء الحيوانات، إلى النزول نحو الميدان بقوة، والترويج لفكرة سلالة، وتوعية المواطنين بضرورة الرأفة بحيوانات الشوارع".
يتلقى سعيد البلاغات اليومية حو وجود حيوانات مصابة أو جريحة أو مريضة، يهرع نحو العنوان الذي يقدمه المتصل، ثم يعلن اقتناءه الحيوان، يخضعه لفحص طبي، ثم يعالجه من وجعه، ليبدأ بعدها بالبحث له عن كافل.. وفق شروطٍ معينة!
كخطيبٍ جاء يطلب ود المحبوبة، يتقدم الكافل إلى سعيدٍ يعرض مقوماته التي تسمح له باقتناء الحيوان، التي حصرها سعيد: بأن يكون قادرًا على إطعامه والاعتناء به، وأن يكون أكبر من 18 عامًا (السن القانوني للطفولة)، ثم والأهم من هذا كله، إرسال صور أسبوعية توثق طريقة معاملة الحيوان، وصور المكان الذي اختاره الكافل لإقامته.
بين أفراد الأسرة
يضيف: "عايشت قصصًا كثيرة، كنتُ أتصادف مع قطط تعاني الشلل الكامل، وأخرى تعاني العمى بسبب رداءة تصرف بعض الأطفال، وغيرها تعرضت للسقوط من علو شاهق، ورابعة للدهس وغيرها الكثير".
يشعر سعيد بالأسى، كلما واجه أناسًا يتلذذون بتعذيب قطط وكلاب الشوارع، يحاول بمنتهى الجدية والحزم ثنيهم عن تصرفاتهم، وإقناعهم –لا سيما الأطفال- بأن الحيوان "روح"، يتألم كما يتألم الإنسان، ويسعد بالرأفة والعطف كما يسعد الإنسان بالضبط.
لقد وجد سعيد في الحيوانات، عالم آخر لا يدرك قيمته الكثير من البشر، عشرات القطط تحوم في بيته، بين أقدام أفراد أسرته الذين أصبحوا يعدونهم جزءًا من العائلة، لذلك يرفض فكرة بيعها تمامًا، بل يؤثر على ذلك تقديمها هدية لمن يعرف قيمتها، ويستطيع الاعتناء بها، بضمان الحياة الكريمة، "كل هدفي تخليصهم من مخاطر الشارع، لا المتاجرة بهم" يقول.
وبينما يرى البعض في تخصيص سعيد معظم وقته للعناية بالحيوانات الضالة "رفاهية" في ظل أوضاع القطاع المحاصر منذ أكثر من 14 عامًا، بناءً على القاعدة التي تقول: "بس نلاقي نطعمي البني آدمين" يجلس سعيد في بيته بين قططه، يفكر في كلابه، متمنيًا تحقيق حلمه الأكبر "بناء ملجأ كبير ومشفى يتسع لجميع الحيوانات التي لا مأوى لها في غزة".