جمعني لقاء مع مجموعة من الشباب والشابات ممن لهم حضور وتأثير في الوسط الشبابي بقطاع غزة منذ فترة بسيطة، كان اللقاء أشبه بعصف ذهني ما المشكلة، ما الحل المفترض، كيف نتحرك.
يومها قلت: “أعتقد جازماً بأن المشكلة مشخصة والحل معروف، ولكن لا قيادة شبابية قادرة على الجمع، بل أن لا أحد فينا يثق بالآخر، نجتمع، نتبادل الابتسامات، وقد نأخذ بعضنا البعض بالأحضان، ثم ما يلبث أن يرفع المصافح فيمن صافحه تقرير كيدي يطلب تحجيم ومنع شخص ما بحجة ما، وقد شهدت العديد من تلك الأحداث بنفسي”.
أذكر يوم أن أطلقت مبادرة حكومة الظل الشبابية جلست لمحاورة بعض الشباب في نص المبادرة وما الهدف منها، وضرورة ايجاد جسم ضاغط لايصال صوت المواطن والمساعدة في حل قضاياه، لاحقاً استمعت لثلاث تسجيلات صوتية للقاء الذي دار بيني وبين الشباب، وحصل جهاز أمني على تفاصيله.
يومها اقترحت بضرورة تشكيل خلية أزمة وقيادة من الشباب تأخذ على عاتقها تحريك المسيرة وتجميع الجهود، ولا بأس من المصارحة والمكاشفة فيما بين الأفراد إن اتفقوا، لتكن الجلسة الأولى تقييم وملاحظات كل شخص على الشخص الآخر لنصل للوضوح والشفافية، بدل الشقاق والنزاع والتنافس المزموم، فالمعرفة أساس التخطيط، والتخطيط أساس البناء، ثم وضع خطط عملية منهجية قابلة للتحقيق والقياس، نستطيع خلالها تلمس انجازاتنا ونراكم عليها فعلنا، نبدأ ككرة الثلج الصغيرة المتدحرجة، يُعرف فعلنا قبل قولنا.
منذ العام 2010 تُطلق المبادرات دون تأسيس حقيقي، فتذهب المجهودات أدراج الرياح، وبدأ الوسط الشبابي فقد الثقة بأي مبادرة أو أي شخصية شبابية تحاول وضع الشباب على مسار صناعة القرار ومسائلة الساسة وايصال صوت الشعب.
نجح الكبار في تفريقنا ودب بيننا نار المنافسة المذمومة، والحقد على كل نجاح مالم يكن من طرف نرتضيه ومالم نكن جزء فيه، فأصبح لدينا كل فعل احتواء، وكل ظهور تسلق، وكل مبادرة تُقتل في المهد بسهام الشباب قبل التنظيمات والأجهزة الأمنية.
الشباب ركيزة البناء وعماد الحاضر وقادة المستقبل شعارات نرددها، والشراكة والتعاون والتكامل أهداف نتحدث بها، وندور حولها دون أن نؤمن حقيقة فيها، وإلا لكان الشباب الآن قوة مؤثرة لا يتم تجاوزها ولا يُستاهن بها.
قضايا مصيرية، وخلافات، تراجع على إثرها الوطن وقضيتنا إلى الوراء ونحن الغالبية العظمى المُشكلة للشعب، لا نملك التأثير الكافي لإعادة الاعتبار للقضية الوطنية، رغم أننا نمتلك القدرة والقابلية والفاعلية لذلك، إلا أن الإرادة مغيبة، ومن يمتلك الإرادة يُحارب وتُقتل أفكاره ويُصلب نتيجة الأفكار المسبقة، وتغذية الحقد والكراهية.
الشباب على مفترق طرق خطير وكبير منذ زمن طويل دون أن يحرك أحد منهم الجمود الحاصل في الحالة الشبابية التي رغم غليانها وحراكها لم تنجح في تشكيل حالة مؤثرة على فترات طويلة.
الظرف والواجب يستدعي من الشباب المدرك لتحديات المرحلة خط معالم واضحة للحراك الشبابي، والبدء بتشكيل نواة قيادية من الشباب تأخذ على عاتقها تصحيح المسار والنهوض من كبواتها ورقودها، يكفي أن الشباب على مدار القضية مجرد أدوات في أيدي الكبار، دون أن تنجح الحالة الشبابية في اختراق دائرة الكبار في احتكار صناعة القرار وإدارة الصراع.
لنتفق نحن الشباب على التوحد فيما بيننا ونقتنع أننا نستطيع التأثير والفعل، حتى نُقنع الكبار بأنه لا مجال لاستثناء الشباب من صناعة القرار، وأنه لا مجال لتخطي الشباب في كافة القضايا عموما والقضايا التي تخصهم على وجه الخصوص.
لنتفق أنه من غير المقبول أن تبقى الكتلة الأكثر تأثيراً مغيبة بقرار الكبار وغائبة بإرادة الشباب وتناحرهم، لنتفق أنه من غير المقبول أن يتصدر باسم الشباب كتبة التقارير، والمنتفعين، أصحاب المصالح الشخصية دون أن يكون ذلك مبرر للقضاء على أي مبادرة جميلة وشخص رائد يحاول تحقيق المصلحة، ووسم الجميع بنفس الصفة.
الرائد لا يكذب أهله، والحراك يتطلب رواد صادقو النية والفعل، ولا يمكن أن يكون هنالك حراك دون قيادة وعنوان وإلا فالأمر مجرد أضغاث أحلام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية