خطوط معقدة وكثيرة تتقاطع وتتوازى وتختلط مع فتح شهية المتطفلين والعابثين، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لا تترك لدى الناس سوى الرعب أو الاستسلام والارتباك بشأن أسباب أو دوافع ظاهرة " كورونا ".
كثير من هؤلاء علماء أو أطباء وباحثون وكتاب وصحافيون وسياسيون، كل يدلي بدلوه، بعضهم يؤكد نظرية المؤامرة وآخرون يرفضونها، أما اليقين فهو الضحية المؤكدة.
منذ البداية كنت ممن تبنوا نظرية المؤامرة وأن ظهور وانتشار "كورونا" في زمن التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، إنما يشير إلى حرب بيولوجية تشنها قوى الرأسمالية الشريرة على الإنسانية كلها، بهدف إعادة تأكيد وترتيب سيطرتها على العالم.
هذا يعني أن هذه الحرب مجرد بدايات لمرحلة تستمر لسنوات، ذلك أن عمليات التغيير التاريخية ذات الأبعاد الاستراتيجية لا تتم خلال أسابيع أو أشهر معدودة.
فوز شخصية مثل ترامب بالرئاسة الأميركية ليس صدفة، ولا وجود للحظ فيها بقدر ما أنها نتاج تفاعلات عميقة في النظام السياسي الأميركي تستدعي إدارة وقحة ومغامرة وذات عقل ينتمي لعالم الصفقات العقارية لإعادة ترتيب النظام الدولي، وتعميق أدوات السيطرة ليس فقط على الأنظمة والمجتمعات وإنما أيضا على الأفراد دفاعاً عن مكانة الولايات المتحدة، التي تتعرض لمنافسة قوية جادة وحقيقية.
هذه هي طبيعة الرأسمالية التي تتعرض كل فترة طويلة من الزمن لحالة من الركود والأزمات الاقتصادية الكبرى وتستدعي تغييراً في آليات السيطرة عبر وسائل عنيفة.
الحرب العالمية الأولى استمرت خمس سنوات وأنتجت تغييراً جيواستراتيجياً في أوروبا والشرق الأوسط وأزاحت القوى الاستعمارية التقليدية عن مشهد الريادة.
الحرب العالمية الثانية استمرت ست سنوات وأدت إلى ترسيم النظام العالمي ثنائي القطبية وتأكيد زعامة الولايات المتحدة على العالم الرأسمالي. الحرب جرفت الكثير من القيم والكثير من البشر وأدت إلى ولادة الأمم المتحدة، ومن بين ما أدت إليه فرض المشروع الصهيوني وإقامة دولة إسرائيل، وهي منتج رأسمالي استعماري استراتيجي بالنسبة للدول الرأسمالية.
سقطت الاشتراكية وانهار الاتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ما أسس لنظام عالمي جديد أحادي القطبية أعلن قيامه جورج بوش الأب من الكويت بعد تحريرها. ثلاثة عقود مرت على إعلان قيام نظام القطبية الواحدة وهي تقريباً ذات الزمن الذي يفصل بين الحربين الأولى والثانية.
خلال هذه العقود شهد دور الأمم المتحدة تراجعاً مستمراً إلى أن صعد ترامب إلى كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة الذي أعلن منذ أيامه الأولى الحرب عليها حتى بدأت تترنح تحت ضربات السياسة الأميركية.
إذا كانت الحروب السابقة استدعت استخدام الأسلحة التقليدية وخلال الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحدة القنبلة النووية حين ألقتها على هيروشيما وناجازاكي، فإن تغيير النظام الدولي غير ممكن بالطريقة ذاتها في ضوء امتلاك كثير من الدول ترسانات نووية وأسلحة دمار شامل لا ينجو أحد إذا بادر أي طرف باستخدامها.
إذا استبعدنا ذلك فإن الحروب الاقتصادية التي شنتها الولايات المتحدة وكانت أكثر وضوحاً واتساعاً في عهد ترامب لم تنجح في أن تبعد خطر التهديد الصيني لمكانة أميركا، ولذلك كان لا بد من استخدام وسائل أخرى حتى لو كانت غير مضمونة النتائج.
بعض المدعين في زمن "كورونا" يتحدثون عن حكومة مصغرة من حفنة من الرأسماليين هي التي تدير هذه الحرب، وآخرون يتحدثون عن فعل ماسوني.
بصراحة من الغريب أن تتحرك الدول وكأنها تتلقى أوامر بشأن كيفية التصرف لمواجهة "كورونا"، من الحجر والتباعد الاجتماعي وتوقف الحركة وعجلت الاقتصاد والإغلاق الشامل، إلى الانفتاح الكامل أو المتدرج نحو نظرية مناعة القطيع.
مناعة القطيع تعني التعايش مع الفيروس وتعني التضحية بكبار السن والمرضى وتخليص الأنظمة من تبعاتهم وتكاليف حياتهم ورعايتهم. وباختصار تعني حسم القرار لصالح الاقتصاد على حساب البشر.
هوامير رأس المال هم من يديرون هذه الحرب ولا يهمهم من سيدفع الثمن، ومن يدفع الثمن هم الفقراء والضعفاء والقيم الاجتماعية والإنسانية التي ينبغي أن تتغير طالما تشكل عقبة أمام الربح والسيطرة.
مع الأسف فإن العلماء ومختصون هم شركاء في الجريمة وهم أدوات بيد من يدفع أكثر، فبدلاً من أن يجندوا علومهم لصالح خير البشرية، فإنهم ينضمون إلى طابور الشر.
إنها حرب الأقوياء على الضعفاء وحرب العصابة على الكل. هل أجازف بتوقع أن تندلع حروب مدمرة إذا شعرت الولايات المتحدة أنها الخاسر الأكبر من هذه الحرب؟ أسجل ذلك كبراءة اختراع لا أنتظر من ورائها مكافأة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية