أسئلة «الضم» متشعّبة ومتداخلة. هل سيكون «الضمّ» سريعاً أم سيتم تأجيله إلى حين؟ وهل سيكون هذا التأجيل إجبارياً لأسباب «قانونية» إسرائيلية، أم سيكون هذا «الضمّ» متاحاً من الناحية القانونية وصعباً من الناحية السياسية.


ما الذي تقصده الولايات المتحدة من «شروطها» للموافقة على «الضمّ»؟ كيف ستكون عليه أمور الإقليم إذا ما تمّ «الضمّ» فعلاً؟ وهل سيتحرك هذا الإقليم بصورة [مختلفة] عمّا كان عليه التحرك سابقاً؟ وفي النهاية، إلى أيّ درجة يمكن للمجتمع الدولي أن يذهب ويصل في معارضته لهذا الضمّ؟


في الواقع لا يوجد في إسرائيل من هو معارض للضمّ لأسباب مبدئية سوى أحزاب «القائمة المشتركة»، وإلى حدٍّ كبير حزب «ميرتس». أما باقي الأحزاب السياسية فهي مع «الضمّ» سواء كان الآن أو بعد عدة شهور، وسواء كان هذا الضمّ من جانب واحد أو مشروطاً بموافقة الولايات المتحدة.


والمعارضة لهذا الضمّ من قبل بعض الأوساط الأمنية هي معارضة أمنية سياسية، وتخوف من ردات الفعل وانفجار الأوضاع سواء في الأرض أو في المحيط الإقليمي.


وحسب أسس قيام حكومة الرأسين فإن إقرار «الضمّ» سيكون خلال شهرين أو ثلاثة شهور، في حين أن هذه الحكومة هي حكومة طوارئ، وليس من المفترض أن تقوم خلال الستة أشهر الأولى بأي إجراءات على هذا المستوى من «الأهمية»، وليس من دون الرجوع إلى الكنيست طبعاً لاتخاذ القرار فيه.


وهذا هو المقصود بالعائق «القانوني» إن أخذت به أو أكدته أو اشترطته المحكمة العليا.


أما العائق «السياسي» فهو عائق داخلي، وفي اطار حكومة الرأسين. إذ ليس من المستبعد أن يطالب غانتس من جديد بأن لا يتم الإقدام على هذه الخطوة دون دراسة الظروف الإقليمية والدولية بالرغم من موافقته على «برنامج الحدّ الأدنى» لحكومة الرأسين، وبالرغم من أن هذه الموافقة أصبحت قيداً عليه (على غانتس)، وتحولت إلى ورقة ابتزاز يُمسك بها اليمين عموماً، ونتنياهو على وجه التحديد.


وفي مطلق الأحوال فإن غانتس سيقف في معارضة الضم سياسياً إذا اشترطت محكمة العدل العليا ذلك لتشريع وضع حكومة الرأسين.


أما موقف ترامب والإدارة الأميركية باشتراط موافقة إسرائيل على «كامل» الصفقة، والقبول «بدولة فلسطينية» للموافقة على الضمّ فهي «أحجية» سياسية، وبدعة خبيثة، وهي للتذرع ليس إلاّ.


إذ ليس صعباً على حكومة الرأسين «الموافقة» الشكلية على «مبدأ» قيام دولة فلسطينية بعد أن يتم هذا الضمّ، خصوصاً أن إسرائيل متيقنة من رفض الموقف الفلسطيني لهذه «المسرحية»، وهي بالتالي (أي إسرائيل) ستعتمد على هذا الرفض بالذات لتبرير قبولها بـ»الاشتراطات» الأميركية، وكذلك لإقناع اليمين المتطرف في حكومة الرأسين، بقبول هذه الاشتراطات لتمرير خطة الضمّ، وإلقاء أو محاولة إلقاء اللوم والمسؤولية على الجانب الفلسطيني.


يزيد من تعقيد الموقف العدائي للولايات المتحدة من حقوق الشعب الفلسطيني الموقف الذي عبّر عنه جو بايدن من أن الإدارة الديمقراطية «القادمة» ستكون ضد الضمّ حتى وإن كانت لا تنوي إعادة السفارة الأميركية إلى تل أبيب.


صحيح أن هذا الموقف الأخير هو انحياز كبير لإسرائيل، ولكن والصحيح، أيضاً، أنه أشار إلى أن القدس جزء من قضايا التفاوض، وقد حاول مغازلة الموقف الفلسطيني حين أكدّ ضرورة عودة القنصلية الأميركية إلى القدس الشرقية، بدلاً من إلغائها وإلحاقها بالسفارة الأميركية كما فعل ترامب.


موقف بايدن والإدارة الديمقراطية المحتملة في الولايات المتحدة هو موقف منحاز لإسرائيل، ولكن هذا الانحياز هو انحياز تاريخي وتقليدي لـ»الدولة» في إسرائيل، وليس لحكومة التطرف اليميني فيها، وخصوصاً أن بعض الأوساط الإسرائيلية والأميركية الليبرالية بدأت تكشف عن دور مباشر لنتنياهو في إنجاح ترامب في الانتخابات التي جرت العام 2016، والتي وضعته في سدة البيت الأبيض.


التعقيد الذي ينطوي عليه التعارض النسبي الكبير بين مواقف إدارة ترامب وبين المواقف التي عبّر عنها جو بايدن سيؤدي إلى تسريع الاعتراف الأميركي بالضمّ، واستعجاله قبل الانتخابات الأميركية بعدة شهور، وذلك من أجل تمكين ترامب من استثماره وتوظيفه في هذه المعركة بالاعتماد على القاعدة الكبيرة المؤيدة لليمين الإسرائيلي المتطرف في إسرائيل.


في المحيط الإقليمي، والأمر يتعلق بالموقف العربي أساساً، فإن ما صدر من ردود أفعال على نوايا الضمّ الإسرائيلية مازال دون مستوى خطورة التوجه الإسرائيلي، ولم نلحظ أي انتقالات أو تغيرات «نوعية» في الخطاب العربي لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون.


أي أن خطاب العرب لم ينتقل فعلياً من مستوى التنديد والإدانة والشجب إلى مستوى التهديد والوعيد أو الإنذار. وأغلب الظنّ هنا أن خطاباً من هذا النوع لن يكون بمقدوره أبداً ثني إسرائيل عن توجهاتها وسياساتها وإجراءاتها، ولا «توقف» الولايات المتحدة عن المضيّ قدماً في لعبة الخداع التي تمارسها من خلال «الاشتراطات» المزعومة التي تتشدّق بها أمام مجموع البلاد العربية.


ناهيكم طبعاً (وربما هذا هو المهم) أن إسرائيل والولايات المتحدة تسمعان كلاماً مغايراً لكل المواقف العربية التي تعبّر عنها اجتماعات الجامعة العربية.


أما على المستوى الدولي فإن مستوى ردة الفعل الأولية فيه ـ ونقول هذا بكل أسف ـ أفضل من الوضع على المستوى العربي. فبالإضافة إلى خطاب الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة حول الشرعية الدولية والقانون الدولي، وإعادة الاعتبار لـ»حل الدولتين»، فإن مواقف الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي والصين واليابان والغالبية الساحقة من دول عدم الانحياز وفي كل التجمعات الإقليمية والدولية تقف بشدة وحزم ضد التوجهات الأميركية الإسرائيلية، وهي تحذر بصورة غير مسبوقة من الأخطار التي ستترتب عليها.


هنا يبرز موقف البرلمانيين البريطانيين الذي نقل المسألة إلى دائرة العقوبات، ومن المؤكد أن هذا الانتقال في المطالبات سيسري مثل النار في الهشيم في حال إن أقدمت إسرائيل على الضمّ الذي تخطط له منذ سنين طويلة.


ناهيكم طبعاً عن المعركة السياسية التي تقودها القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس أبو مازن والتي شملت اتصالات واسعة مع معظم قيادات العالم، والدعوة لاجتماعات مكثفة للجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية للمنظمة لتدارس خطة التحرك التفصيلية، بما في ذلك احتمالات نشوب مواجهات شاملة.


أما الكيفيات التي على الجانب الفلسطيني أن يدير بها هذه المواجهة فإن الأمر بات يتطلب وقفة شاملة مطوّلة في الأسابيع القادمة وبمقالات خاصة بها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد