تدفعنا أزمة ال كورونا إلى التساؤل عن الإعلام الخدماتي المختصّ، سواء من حيث التكوين الأكاديمي أو طبيعة الدورات التكوينية أو أقسام المؤسسات الإعلامية أو الملمح الاحترافي للصحفيّ، وهذه مقاربة تقودنا لاستنتاج افتقار وجود الإعلام المتخصص كالصحافة الطبيّة والصحيّة والعلمية، أسوة بالصحافة العالميّة، وهذا ما لحظناه خلال أزمة كورونا التي كشفت أهمية العولمة ودور الصين كمصنّع للعالم. فنحن في حاجة ملحّة اليوم إلى إعلام فلسطيني قوي ومسؤول يقدّم مضامين ذات جودة ومصداقيّة من ناحية، ويقوم بدور الرقابة "رقابة السلطة السياسيّة" من ناحية أخرى. فهل من المعقول أن تغيب عن منابر الإعلام الفلسطيني تلك المحادثات التّي تتناول كيفيّة استيراد المعدّات الطبيّة، واستقصاء المحتكرين والمضاربين في السلع الأساسيّة والمنتجات الطبيّة، والبحث عن عقود الصفقات العمومية المنشورة للاطلاع على الأشخاص والشركات الذين أوكلت إليهم مهمة التزوّد بالمعدات الطبيّة ومحاولة التأكد إذ كانوا مختصين في المجال الصحي أم لا، وما هي علاقتهم بالمسؤولين في الدولة؟ أو تلك الحوارات التّي تتناول المساعدات الأجنبيّة، من أين تأتي؟ وكيف؟ والتأكد من مدى تطبيق الإجراءات التي تعلن عنها الحكومات فيما يخص جلب الكمامات أو أدوات الوقاية للإطار الصحي، وهنا يمكن سؤال الإطار الطبي والعاملين في المجال الصحي إذا ما وصلتهم هذه المستلزمات أم لا؟ ... أو تلك الحوارات الإعلاميّة التي تناقش إهمال الصحة العموميّة لفائدة القطاع الخاص وإهمال البنية التحتيّة الاستشفائية وغض الطرف عن الظروف الصعبة للعمل بالنسبة للإطار الطبي أو هجرة الأدمغة، والبحث عن عدد أسرّة الإنعاش، وعدد الأطباء والممرضين وعدد المستشفيات ومقارنة ذلك بعدد السكان وبالمعايير العالميّة؟... فهذه فرصة لتحديد النقص في الموارد البشريّة وفي البنيّة التحتيّة. كما لم يتناول أي برنامج الاستقصاء عن أوضاع الجاليات الفلسطينية ذوي الحاجات الخصوصيّة التي تزداد وضعياتهم سواء في حالات الأزمات وخاصة خلال انتشار الأزمة.لكن إذا ما تمّ ذلك ، سرعان ما يتم اتهام الصحفي أو المواطن الصحفي بأنّه أضر بالأمن الوطني العام، كونه يكشف الإخلالات في سياسات ومنظومات الدولة.

فيروس الأخبار الكاذبة لا يقل خطرًا عن فيروس كورونا

لقد تحوّل الجمهور في فلسطين إلى مستهلك لأخبار زائفة غير دقيقة، مثل تقديم معلومات خاطئة عن كيفية انتقال عدوى الفيروس بلسعة البعوض، وسرعة انتقاله مع الهواء أو الغاز، أو ما نُشر من معلومات حول ضرورة استعمال الثوم والبصل والخل والغرغرة لقتل الفيروس وتقديم معلومات خاطئة عن تشبيهه بمرض الأنفلونزا، وضرورة غسل البدن يوميًا بالماء الساخن لقتل الفيروس، إلخ.الأمر الذي أدى إلى استهتار الناس وعدم التزامهم بالحجر الصحي، وهذا ما سبّب ارتفاعًا بأعداد الإصابات اليوميّة في بعض المدن الفلسطينيّة.

وفي هذا السياق تعدّ الأخبار الكاذبة ظاهرة عالميّة وتشتد حدّة الشائعات خلال الأزمات والفترات العصيبة. إذ انتشرت العديد من الأخبار الزّائفة عبر منصات الميديا الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني وصدّقها الكثير من الفلسطينيين، لأنّ وسائل الإعلام لم تقم بدورها في عمليّة صحافة التحرّي من ناحية، ولغياب ثقافة التأكد من الأخبار الزائفة من ناحية أخرى، مثل تداول وسائل الإعلام المحليّة خبر إصابة وكيل وزارة الداخلية والأمن الوطني توفيق أبو نعيم وعدد من مرافقيه، وأتضّح فيما بعد بأنه موجود في الحجر الصحي الذاتي، وتم نفي خبر إصابته بفيروس كورونا من قبل مكتب الإعلام الحكومي الرسمي. كما وتداول رواد الميديا الاجتماعيّة في فلسطين نبأ وفاة الطبيبة فلسطينية أمل محارب في ألمانيا وأولادها الثلاثة بفيروس كورونا، وأتضح فيما بعد بأنّه خبر مزيّف.

ومن هذا المنطلق يظهر التأثير النفسي لتلك الأخبار الزائفة السلبية في المتلقي، إذ أنّ استخدام العناوين المثيرة والمصحوبة بصور الخوف والدهشة والغضب وتهويل المشاكل تجعل من المتقبّل للخبر بأنّ يتلقاه بإحساسه لا أنّ يفكر فيه بالعقل، فيصدّقها لأنّها تؤكد قناعاته النفسيّة المسبقة لها، ولا تجعله يتساءل عن موثوقيّة الموقع المنشور فيه؟ أو من صاحب الموقع؟ أو هل عنده علاقة مباشرة بالحدث؟ أو هل وقت خروج الخبر بريء؟ مثل خبر انتشار صور أرفف الأسواق الفارغة التي ولّدت لديه شعور بأنه إذ لم يمت من الفيروس سيموت جوعًا.

ختامًا. تعدّ هذه الأزمة فرصة لاستكشاف الحلول الجديدة لتجديد الذات، وأخذ القرارات لتقييم المنظومة الإعلاميّة في فلسطين، وإعادة ترتيبها.وإن كان دور وسائل الإعلام الفلسطيني لا ينحصر في نقل المعلومة والخبر، على حساب دورها في التحرّي والتفسير والاستقصاء والتعليق، فإذا تخلىّ الصحفي عن أحد أدوراه، لا تستقيم العمليّة الإعلاميّة. فالصّحافة المتخصّصة ذات المصداقيّة هي الحل الأحسن لإدارة الأزمات، بالرغم من وجود وجهات نظر أخرى مخالفة تشرّع لعودة الدولة القومية وفرض سيادتها السلطوية الشمولية على كل مؤسّساتها ومرافقها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد