تراجع الجهات الرسمية ( أصحاب الواجب) عن بعض قراراتها ذات الجذور والتداعيات الاقتصادية (التراجع في المحافظات الجنوبية عن إعادة فتح بعض المرافق، والتراجع في المحافظات الشمالية عن منح امتيازات مالية لكبار موظفي الدولة) وذلك بفضل التصدي والتساؤل من قبل المواطنين يعكس حيوية لا يستهان بها لصوت المواطنين ( أصحاب الحقوق) وبأنهم يشكلون، مع الإعلام، أجساماً رقابية هامة في هذا الوقت، وان دورهم يعوض التراجع في الدور الرقابي للسلطة القضائية والسلطة التشريعية الذي طوحت به سنوات الانقسام العصيبة.
صوت الناس، يصنع التغيير، او يصنع جزء منه، أو يمهد له، وهو صوت يعكس إرادة أصحاب الحق وفتوة الكرامة الإنسانية المتأصلة فيهم، وإذا ما تم إضافة قوة الاعلام وسحرة وديناميته وأثرة عندما يعمل وفق أصول العمل المهني للوصول الى الحقيقة ونشرها بموضوعية وشفافية دون تضخيم او دون تعتيم، فإن هذا الثنائي يشكلان اليات وطنية تسهم في معافاة المجتمع من التمييز والوهن والغفلة.
وفي السياق، كم يثير التساؤل ضعف صوت القوى السياسية التي تبين انها لا تعاني فقط من أزمة موارد، بل تعاني من ازمة مواهب، ومن ترهل لغوي وخطابي مقنع، وبرنامج واضح وأدوات ذات كفاءة وفاعلية في مواجهة المتغيرات، حيث بات دور هذه القوى يشبه دور البعض الذين نضيفهم على صفحات مواقعنا الالكترونية ويقومون فقط بمراقبة ما ننشره بعيون تدور ببلاهة وعجز، دون الضغط على إشارة اعجاب او حزن او غضب، دون أي ردة فعل، فقط مراقبة متحسرة سلبية، والذين بالمناسبة قد نمل منهم، ونقرر ان نغربلهم ونعطيهم ( بلوك) من صفحاتنا!! وعليه فلتنهض القوى السياسية، ولتنشد التغيير على أسس علمية ومهنية مستندة الى التجارب السابقة، وضرورات الحاضر، لتسهم في تمتين الجبهة الداخلية للمجتمع.
كم كشفت كورونا من عوار وضعف، ليس ضعف المناعة أو الجهوزية، بل كشفت عن ضعف الاستجابة بمستوياتها المتعددة الوقائية او العلاجية او حتى الهيكلية، والأخيرة للأسف استخدمت لتعزيز الإثراء بلا سبب، كما أظهرت كورونا حالة التشوش والارتجالية رغم غزارة وتدفق الإجراءات في مواجهتها.
ومع التقدير لتلك الإجراءات في مواجهة ومحاصرة الوباء، الا ان اتخاذ قرارات لا يتم فيها مشاركة المواطنين في ادنى مستويات المشاركة، وضعف مستوى الرؤية وتدفق المعلومات الواضحة تجاه حقوق المواطنين الاقتصادية وتدابير حمايتهم من غوائل الفقر في ظل الجائحة ، يستدعي حتمية تبني النهج القائم على حقوق الانسان في وقت السلم وفي وقت الحرب وفي وقت الطوارئ، وما يعنيه ذلك في ان تبقى خيمة القانون تظلل الإجراءات والسياسات والقرارات وتمنحها المشروعية، وبأن حالة الطوارئ لا يمكن ان تتحول، في أي وقت، الى ستارة سوداء تحول دون سطوع شمس القانون الكاشفة عما يجري داخل غرف صنع القرار، وأنه لا بد من اسناد رقابة أصحاب الحقوق ورقابة الاعلام على أداء السلطات، بعودة قوية لقضاء متعافي حر ونزيه ومستقل قضاء هو سيد نفسة ولا سلطان عليه، وبرلمان شاب جديد، يلتئم ويسن تشريعاته تحت قبة برلمان واحدة وموحدة، يحفظ الحقوق، ويصون الحريات، ويراقب ويحاسب كل من ينتهك الانسان، وان لم يتحقق ذلك بسبب ارتباط هذه الأمنيات بملف المصالحة الذي لفه الحظ العاثر، فعندها لا بد من احترام وتعزيز رقابة أصحاب الحقوق ورقابة الاعلام بصفتهما آليات وطنية فاعلة ومنتجة.
ان وجود اشتباك بين الحقوق والانتهاكات في مجتمعنا ناجم عن حالة الرقابة والمتابعة التي يقوم بها الناس والإعلام، ولا يعني بحال أن هناك تربص أو خطاب كراهية، بل يعني حيوية أصحاب الحقوق، ويقظة الاعلام في تصويب انزلاقات أصحاب الواجب وهم يمهدون الطريق، وهو اشتباك منتج لصالح حقوق الانسان، وبفضل هذا الاشتباك يتم تحصين القرارات الإدارية، أو يتم حماية الخزينة العامة من خسارة كان حدوثها سيقوض الثقة.
إن أصحاب الحقوق بصفتهم أصحاب المصلحة، وبصوتهم المشروع في التصدي لأي مس بحقوقهم، ومعهم الإعلام بوسائله وسحره وأدواته، يجسدون خيارات وآليات ذات أولوية للرقابة والمساءلة لصالح قضايا حقوق الانسان وخصوصاً في وقت الطوارئ، وفي هذا الوقت الذي نتعاضد فيه لمواجهة كورونا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية