كتبت قبل أسابيع أن العالم لن يستطيع إحتمال هذا الشلل الذي أصاب الاقتصاد في معظم أعضائه، و سيبحث جديا عن الانتقال من حالة الجمود و الانعزال و التوقف بسبب ال كورونا إلى مرحلة التعايش معه. إنهيار أسعار النفط لما تحت الصفر بكثير طبيعي و متوقع. مثل هذا الانهيار يحدث عندما يتضخم المعروض مقابل تراجع الطلب بشكل حاد. الطلب على النفط تراجع بشكل كبير جدا في الشهور الثلاث الماضية بسبب توقف عجلة الانتاج و وسائل المواصلات و السياحة و التنقل و المصانع و السيارات و غيرها من الانشطة.
في حين أن آبار النفط لايمكن لها أن تتوقف بطبيعتها و إرتفاع تكلفة التوقف، لذا فقد واصلت الانتاج على أمل ان تعود الحياة لطبيعتها سريعا. إمتلئت المخازن و البواخر بالنفط الذي لم يجد من يشتريه ( حالة كساد شديد ). المنتج يسعى أن يتصرف به كي يخفف عن نفسه تكلفة التخزين سواء في المخازن أو في البواخر. يحدث كثيرا أن تعرض سلعة للبيع بسعر بخس جدا او بخسارة كي تتخلص من تكلفة الاحتفاظ بها.
من مصلحة الدول المستهلكة للنفط أن تشتري كميات كبيرة للتوريد عاجلا او آجلا بماتسمح به قدراتها التخزينية. هذا الانخفاض الهائل في اسعار النفط سيقلل من تكلفة إنتاج آلاف السلع لاحقا. حدث كثيرا في السابق أن قام مزارعي سلعة ما برمي كميات كبيرة منها في البحر للحفاظ على المعروض منها كي لا تنهار أسعارها. المسألة ليست جديدة.
إنهيار أسعار النفط يؤكد خطورة الاعتماد على إنتاج النفط و تصديره فقط. تنويع مصادر الايرادات ضرورة لتجنب مثل هذه الصدمات. الدول المنتجة للنفط و التي تعتمد موازناتها العامة بنسبة كبيرة على إيرادات بيع النفط و التي إنتهجت انماط إستهلاكية ترفيه و غير إنتاجية ستتعرض إلى أزمات مالية كبيرة وسيتضخم العجز في موازناتها. سيصيب ميزانها التجاري خلل كبير بسبب إتساع الهوة بين بنود الاستيراد و التصدير.
لن يكون بمقدور الدول النفطية الصرف بسخاء كما كان الحال دائما، ستخفض بشكل كبير من مساهماتها في موازنات المؤسسات الدولية و الاممية أو الصرف على تدخلاتها الخارجية الحربية منها و الانسانية أيضا. بعض الحروب ستتوقف او تنخفض وتيرتها بسبب توقف الصرف عليها. الانفاق على شراء السلاح سينخفض كثيرا. مواطني هذه الدول عليهم ان يشدوا الحزام من الان بسبب التقشف الذي ستطبقه عليهم حكوماتهم.
ماحدث مع النفط سيكون له إرتدادات إستراتيجية على العلاقات الدولية و السياسية المحلية. أباطرة إنتاج النفط في الغرب "أمريكا و النرويج و غيرها سيضغطون على حكوماتهم للتسريع بالعودة بالاقتصاد و الحياة إلى طبيعتها بقدر المستطاع.
صدمة إنهيار أسعار النفط ستدفع بالدول المتضررة للخروج السريع من أزمة الكورونا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية