حان وقت التغيير طوعاً أو كرهاً، واستخدام ذات الأساليب والمنهجيات في التعاطي مع تحديات الواقع او مع معالجاته سيكون امراً مملاً لا طائل منه. ومن الأمور التي يجب ان يطالها التغيير، باعتقادي، هو طريقة التدخلات مع السلطات لصالح قضايا حقوق الانسان، اذ يتوجب الانتقال من النهج الذي يقوم على تذكير السلطات( فقط) بالتزاماتها بموجب قواعد القانون الدولي والوطني، ومن سرد نصوصها التي باتوا يعرفونها، او ربما يحفظونها، عبر تراكم التجربة، الى نهج اكثر فاعلية يقوم على التذكير بالالتزامات القانونية ولكنه مقترن بالنصيحة والمساندة والمعاضدة وتقديم يد العون في مجال المقترحات والتوجيهات والمشورة، وتظهير وتقييم المعالجات الفضلى للسلطات في وقت الازمة، وتقدير قصص نجاحاتها، نهج يمكننا من خلاله جذبها بقوة ورشاقة لمشاهدات تجعلها تقدم حلولاً للأضرار الجانبية على الطريق التي تقوم بتمهيدها.

لقد جمدت ازمة كورونا من فورة الحسابات السياسية التي اوهنت مفاصل مجتمعنا، لصالح الانتباه للخطر الداهم من كورونا، وجعلت الاهتمام بالحق في الصحة اولويةً أوقفت السلطات على اطراف اصابعها...حسناً... ولكن ما هو المطلوب من المؤثرين الفاعلين من حقوقيين واعلاميين ومراقبين وغيرهم إزاء أداء السلطات في مواجهة كورونا، هل سيستخدمون ذات ادواتهم التقليدية، على أهميتها، في رصد انتهاكاتها أو سياساتها أو برامجها وتدابيرها، ام سيطورون ادواتهم ومهاراتهم لتعديل حالنا المائل؟

نعم وبحق، يجب تطوير مهارات التعامل والرقابة على أداء السلطات في زمن الكورونا.. وسوف اقدم سته مهارات، اخاطب بها الجهات الفاعلية كما لو كانت رجلاً محباً لوطنه ومسكوناً بالفتوة والشجاعة والشرف:

المهارة الأولى: ارصد وسجل ملاحظاتك، وراقب لغتك لتضمن انها مستقلة ونزيهة وشفافة، وترنو إلى المصلحة العامة، وإلى سمو مبدأ سيادة القانون ومنع التمييز واحترام كرامة وحقوق الانسان

المهارة الثانية: اقترب من السلطات للمساهمة في تصويب الحال مستخدما شبكة العلاقات، ووسائل التكنولوجيا وسبل الاتصال والتواصل، ومنصات الاعلام المجتمعي، وزد من مساحة الثقة، ولا تجعل تراكم الاعتبارات السياسية، أو التجارب السابقة تشوش الغاية الواضحة، او الهدف النبيل الرامي الى تحصين المجتمع من شرور الجائحة، وقدم نصيحتك وخبرتك ورؤيتك دون حساسية او حسابات او خشية من انتقاد.

المهارة الثالثة: سلط الضوء على النجاحات، واستثمر هذه الطاقة للفت نظر السلطات المرهقة، التي يسرها تقدير نجاحها، لتحقق قصة نجاح أخرى لصالح الفئات والمناطق الأكثر حاجة وفقراً، واجعل من مكافئة النجاح، جر الناجح الى نجاح اخر، وعزز مساحة الإيجابية.

المهارة الثالثة: واجه الشائعات بتغافل واع وبنفس بارد، واطلب من السلطات ان تقدم المعلومات الصحيحة بسرعة، وأن تنشرها على الملأ دون بخل أو تباطؤ أو انتقاص، وأخبرها ان اية فجوة في المعلومات الصحيحة سوف تعبئها الشائعات، وان عليها تقديم المعلومات الكاملة في وقت الازمة بذات القوة والحيوية والسرعة التي تقوم بها في ملاحقة مروجي الشائعات، وأنصحها بأن إخفاء المعلومات او الحقيقة سوف تقوض ثقة الناس فيها، وستتقوض معها نجاحاتها السابقة، وتجعلها عرضة للنقد والتهكم من المتربصين بها، وبأن الشفافية وتمكين وصول الناس للمعلومات هو بمثابة التزام سوف يكون تطبيقه وإعماله في صالح السلطات ايضاً، وسيضفي المشروعية على إجراءاتها.

المهارة الرابعة: قدم القانون للسلطات ليس بصيغته الآمرة فحسب، بل بما يتضمنه من مكنات الهداية والقوة والتوجيه والاسناد التي تخاطب بها نصوصه السلطات، لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها، وذكرها بأن القانون الدولي لحقوق الانسان قد دعاها عند الحاجة وفي وقت الطوارئ والجائحات، لطلب المساعدة والعون الدوليين ( كما اشارت المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) ودعاها كي لا تقف عاجزة بسبب شح الامكانيات، بل تعمل على الاستخدام الأقصى لمواردها البشرية واللوجستية بأحسن ما يكون، وبأن القانون قد يتفهم عدم قدرتها الكاملة لإعالة جميع مواطنيها، لكنه غير مسموح للسلطات ان تتراجع خطوة للوراء، وتقوم بالمس بحقوق وحريات مواطنيها. نعم من حق السلطات، مثلاً، تقييد حرية وحركة المحجورين مؤقتاً وفق تدابير وإجراءات لصالح المجتمع، ولكن ليس من حقها مصادرة حرية التعبير او الكلام في المجتمع الا بموجب تلك القيود التي نص عليها القانون.

المهارة الرابعة، اطلب مقابلة السلطات، واعرض عليها متابعاتك، واستخدم ثلاثية التقييم الشهيرة: ( قدر ثم انتقد ثم شجع) قدر جهود السلطات وتدابيرها في مواجهة كورونا، ثم انتقد بطئها في مساعدة القطاعات والفئات المهشمة المتضررة من النساء والأطفال والعمال والفقراء والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم من سكان المناطق البعيدة، والنائية والحدودية، وتلك القابعة خلف الجدار، ثم شجعها على الاستمرار رغم العوائق والتحديات وتحقيق مزيد من القوة والنجاح في مواجهة كورونا.

المهارة الخامسة، شجع السطات على فتح خط مباشر مع المواطنين لتستمع إليهم، وتشاورهم في الأمر، وتشاركهم، ليس من اجل ان تنصاع وتنفذ لكل ما يقال لها، لأنها في النهاية هي المسؤولة عن النتيجة، ولكن من أجل التأكيد على مكانة وكرامة المواطن، وتطبيق مبدأ الشعب مصدر المشروعية والسلطة، ولجسر ندوب المسافة التي حفرتها السياسة، وسنوات الفقر، وفشل الوساطات، وشهوات الحكم، والتي عمقها خطاب الكراهية... وغياب دروس الموسيقى.

المهارة السادسة، لا تراقب السلطات وحدك، وشجع رقابة الاجسام الأخرى البرلمانية والقضائية، دون استحضار لموضوع الشرعيات المسحوبة على السياسة، لأن حماية العنب في زمن الكورونا مقدم على جلد الناطور، وعزز من رقابة الإعلام والرقابة المجتمعية باستخدام عين ويد، الأولى تراقب احترام قواعد القانون والثانية تقدم النصيحة والتوجيه والاسناد.

نعم حان وقت التغيير في اساليب وانماط حياتنا، وردود افعالنا، وفي الوقت الذي أضحى فيه كل شيء في زمن كورونا ليس كسابقة، تبقى التزامات السلطات لحماية حقوق الانسان ثابته راسخة لا يمكن مصادرتها أو انتقاصها او تجزئتها، بل تكبر يوما بعد يوم، ويصبح موضوع حماية تلك الحقوق أكثر جدوى وحساسية في أوقات الطوارئ، وخصوصا ما نحن في مواجهة هم كورونا، هذا الوباء الكوني الطائش المتنمر، بيد ان المهم هو تغيير وتطوير الأدوات والوسائل المهارات في التعامل واليات التدخل مع السلطات، اثناء قيامها بتطبيق التزاماتها وفاءً وتقصيراً، ذلك التغيير اليقظ والذكي- وليس الضعيف او المداهن- ذلك التغيير الذي يلجأ الى تعظيم النجاحات، وجسر الفجوات، والى النهوض الجماعي في مواجهة هذا التحدي الذي لا يطال فقط الحق في الحياة او يمس بالحق في الصحة، فحسب، بل جميع حقوق الانسان، وكل عام وانتم بخير.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد