رمضان هذا العام ليس كغيره من الأعوام السابقة، فهو يأتي في ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، يأتي في زمن " كورونا "، الذي لم تعرف له البشرية حلًّا حتى الآن.
لا يمكن أن نتصور رمضان دون صلاة الجماعة في المسجد، أو دون التراويح والاعتكاف. لا نعرف رمضان دون زيارة الأرحام والتكافل، ولا نعرفه دون السهرات ولقاء الأحباب، والجلسات العائلية. رمضان له طقوسه الخاصة وعاداته الاستثنائية.
أشعر بحجم الضغوط التي يتعرض لها صاحب القرار من جهات مجتمعية تطالبه بعودة الحياة إلى طبيعتها في غزة مع الشهر الفضيل، وافتتاح المساجد وصلاة الجماعة وغيرها، لكن المسؤول هو الأكثر إدراكا لحجم المخاطر للذهاب إلى هذا الخيار، ومن يطالبه اليوم سيكون أكثر الناس انتقادا وهجوما عليه غدًا إذا انتشر الوباء داخل غزة.
لا شك أن صاحب القرار أمام معادلة صعبة، وهو سيوازن بين فتوى العلماء الشرعيين والموقف الصحي، ويتخذ القرار المناسب لمصلحة البلاد والعباد.
القصة لا تتعلق بما نحب ونرغب، القصة تتعلق بحياة شعب ووطن، فالوضع لا يزال خطرا، لا سيما في ظل عودة آلاف العالقين من الخارج إلى قطاع غزة. صحيح أنهم نقلوا فورا إلى الحجر الصحي، لكن لا أحد يعرف حقيقة إصابتهم بالمرض من عدمها، والعودة إلى المساجد ترتبط بطريقة أو أخرى بالسماح بباقي أشكال التجمعات في الأفراح وبيوت العزاء والأسواق الشعبية وغيرها، وخطأ واحد من مصاب، أو قل عطسة، في مسجد من شخص غير مبالٍ مستهتر يعني وقوع مليوني فلسطيني في بحر من الرمال المتحركة لا يعرف نهايتها إلا الله.
على المسؤول دراسة الموقف بعمق، وإدراك مآلات قراره، وتحمل تبعاته، ولا بد أن نذكره أن الكعبة المشرفة أُغلقت والعمرة متوقفة، والحج شبه ملغى، والأردن ومصر قررتا الاستمرار في إغلاق المساجد حتى في رمضان.
لا بد أن ننعش ذاكرتنا أن الصلاة واجبة، أما الذهاب إلى المسجد والتراويح نافلة، وأمر المسلم كله له خير، سواء كان القرار صلاتنا في المساجد أو المنازل في رمضان، ولتكن فرصة لنا في تطبيق العبادات الجماعية مع العائلة بدلًا من الجماعية المسجدية (واجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً).
إن سلامة الأبدان مقدمة على سلامة الأديان، وربما من أقدار الله أن نقيم رمضان في بيوتنا، ونهتم أكثر بالخلوة مع الله، وزيادة التسبيح والاستغفار والدعاء، والتدبر في القرآن، والتفكر بآيات الرحمن، وتربية أبنائنا، وتطوير ذواتنا ومهاراتنا، وإعادة الاعتبار للأسرة في ظل طغيان مواقع التواصل الاجتماعي.
اللّهُم بلّغنا رمضان وقد رفعت عنّا البلاء والوباء وعن بلاد المسلمين والبشرية، يا رب بلّغنا رمضان بلا فقدٍ ولا وجع، آمنين مطمئنين آيبون تائبون لبيوتك عائدون، وإذا ما استمرت هذه الجائحة فعلينا الصلاة في بيوتنا في رمضان، يرحمكم الله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية