قبل يومين، طلب مني ابني الصغير الخروج إلى الساحة للعب بالكرة. رفضت ذلك وذكّرته بخطر الإصابة بعدوى ال كورونا . "أعرف ذلك،" قال لي "ولكن اليوم هناك هدنة مع الكورونا". إنّها محاولة طفل للتغلّب على الحجر المنزلي الذي فرضناه أنا وزوجتي عليه للوقاية من خطر الإصابة بالفيروس. لا يمكن لصغيري أن يفهم أنّ الكورونا تهدّد وجودنا، بالرغم من الحروب التي مررنا بها معًا، وذلك بسبب الاكتظاظ السكاني في قطاع غزة أيضًا.

يعتبر بنو البشر حقّهم في الحرية والحركة أمرًا بديهيًا، فهم معتادون على تحديد كيفية قضاء يومهم، في المكان والزمان اللذين يريدون. بنظري إن رفض تقبل حقيقة تجريدهم من السيطرة على حياتهم الشخصية، كانت السبب وراء رفع وتيرة تفشي المرض بسرعة . أصدقائي الأعزاء في العالم أجمع، تحديدًا في إسرائيل، تحية وبعد. كيف تبدو الحياة في الحجر وتحت الحصار، حيث يحظر عليكم الالتقاء بأزواجكم، أهلكم، أطفالكم وأحفادكم؟ كيف تتعاملون مع حظر التنقل من مكان لآخر؟، الالتقاء بأصدقائكم ومزاولة أعمالكم؟ كيف تتعاملون مع ضبابية المستقبل؟ إنّ الخوف والقلق من الآتي هما جزءٌ لا يتجزأ من واقع جميع سكان غزة، المحاصرين منذ سنوات عديدة.

لا، لا أشمت بكم الآن لأنكم تعيشون واقعًا غير عادي. يتابع أهالي غزة ما يحدث على هذه الكرة الأرضية، تؤلمهم رؤية الحيز العام والأمكنة خالية من مظاهر الحياة ومليئة بالجثث. يتألم سكان غزة حين يرون أناسا يرحلون وحدهم، دون أن يشيّعهم أحباؤهم إلى مثواهم الأخير. عندما اكتشفت حالات الإصابة الأولى في غزة، سادت هنا حالة من الخوف الجديد، خوف شديد يصعب وصفه بالكلمات. إنّها المرة الأولى منذ 13 عامًا التي يطالب فيها السكان بإغلاق معبريّ رفح وإيرز بدلًا من فتحهما.

ولكن هناك بصيص أمل وسط الخوف: ربما الآن، وبينما يُدرك العالم عواقب حصار كحصار غزة، ستُزال القيود على الحركة. ربّما سيدركون أخيرًا أنّ الحصار يخلق البطالة ويهدم الاقتصاد، يقوض البنى التحتية، يعيق الأداء السليم للنظم الصحية ويُحبط أبناء الشبيبة الذين يكبرون في مثل هذا الواقع شبه الأبدي، إلى أن ينتهي بهم الأمر إلى التفكير في الهروب وحتى في الانتحار.

تدرك إسرائيل أنّ هذه الظروف مثالية لتفشي الوباء. وتدرك أيضًا أنّ السياج الشائك السلكية أو الخرسانات الإسمنتية لا تقي من الفيروس الذي لا يميّز بين سكان بين حانون وسكان نتيب- هعسراه. في الشهر الماضي، التقى عند معبر إيرز أطباء من إسرائيل وأطباء من غزة. هناك تنسيق بين إسرائيل والقطاع، وهناك مصلحة مشتركة لمحاربة الفيروس. ولكن ماذا سيحدث في صبيحة اليوم التالي، عند وقف تفشي الوباء؟ هل ستستجيب إسرائيل لندائنا وتزيل القيود التي تفرضها على مليوني شخص في قطاع غزة، أم أنها ستتمسك بادعائها بأنّها خرجت من غزة في عام 2005 وستتنصل من مسؤوليتها حيال الوضع السائد هنا؟

أجلس في منزلي وأتساءل ما إذا سندرك أخيرًا أنّ حاجتنا وقدرتنا على العمل سوية أهم بكثير من حاجتنا على التحكم بمصائر بعضنا البعض، مما سيؤدي بنا جميعًا إلى الهلاك. مثلكم أنا، أنتظر عودة الحياة إلى مجاريها، ولكن بدون قذائف فوق رؤوس سكان جنوب إسرائيل، وبدون العقاب الجماعي والحصار والقيود التعسفيّة التي تمس بكل مجالات حياتنا.

اسمحوا لي ، بحكم تجربتي الخاصة، بأن أسدي لكم بعض النصائح للتعامل مع الحجر: أولًا، تحلوا بالصبر، لا أحد منا يعرف متى سينتهي الحجر. ثانيًا، ضعوا خطة يومية وحاولوا تنفيذها- استيقظوا باكرًا ولا تستسلموا للنوم. مارسوا الرياضة لـ 20 دقيقة في اليوم. جدوا وقتًا للراحة في ساعات بعد الظهر. اغسلوا الأواني، يساعدكم ذلك على التحرر من الضغط والحفاظ على نظافة الأيدي. جدوا طرقًا مختلفة للعمل من المنزل، لا تستمعوا للنشرات الإخبارية طوال الوقت- خصصوا وقتًا للقراءة والموسيقى. امنحوا أطفالكم بعض الصلاحيات، يحب الأطفال تأدية أدوار قيادية. دعوا الشمس تدخل عبر نوافذكم لتجددوا طاقتكم. حاولوا التخلي عن التدخين، أعدّوا طعامًا شهيًا، ابقوا في المنازل وحافظوا على أنفسكم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد