في ظل جائحة كوفيد-19

مؤسسات حقوقية: نظام الفصل العنصري دفع بالقطاع الصحي لغزة إلى حافة الانهيار

جدار الفصل العنصري

أصدرت مجموعة من المؤسسات الحقوقية بيانًا مشتركًا، اليوم الثلاثاء، أكدت فيه تأثير نظام الفصل العنصري الإسرائيلي على حرمان الفلسطينيين من حقهم بالتمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والنفسية، ووجوده الذي قوض كافة أشكال الحياة في قطاع غزة ودفع بنظام الرعاية الصحية إلى حافة الانهيار.

وفيما يلي نص البيان المشترك كما وصل وكالة سوا: 

تأتي مناسبة يوم الصحة العالمي هذا العام في ظل انتشار مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) المستجد، الذي يجتاح العالم ويؤثر بشكل غير متكافئ على الرازحين تحت نير التمييز والظلم المؤسسي. فبالنسبة للفلسطينيين، دفع انتشار هذا المرض بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي (الأبرتهايد) إلى الواجهة، مسلطًا الضوء عليه كنظام قائم على الهيمنة والسيطرة الممنهجين على أساس عرقي ضد الفلسطينيين كافة،[i] والذي أدى على مر عقود من الزمن إلى احتجاز تطور نظام الرعاية الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتحديدًا في قطاع غزة المحتل،[ii] وحرم الفلسطينيين من حقهم في التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة الجسدية والنفسية.[iii]

ومع استمرار انتشار مرض كوفيد-19، تتجلى طبيعة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بشكل أوضح من أي وقت مضى. ففي قطاع غزة، يعاني مليونا فلسطيني من الإغلاق الإسرائيلي غير القانوني، المستمر منذ اثني عشر عامًا، ما قوض كافة أشكال الحياة في القطاع ودفع بنظام الرعاية الصحية في غزة إلى حافة الانهيار.[iv] فقد أدى الإغلاق إلى اعتماد الفلسطينيين بشكل كبير على المساعدات، واتنهك حقهم في الغذاء، ورفع من مستويات والفقر والبطالة بشكل يقوض حق الفلسطينيين في الصحة والرفاه.[v] وحتى ما قبل جائحة فيروس كوفيد-19، كان نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة يعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات واللوازم الطبية،[vi] ما دفع العديد من سكان القطاع ممن يعانون من أمراض خطيرة إلى محاولة الحصول على العلاج خارج قطاع غزة، والمرور في عملية عقيمة ومعقدة لاستصدار تصاريح خروج من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يعتبر انتهاكًا للحق في الصحة، وحرم الكثير منهم حقهم في الحياة. وقد فاقم من الأمر أزمة انقطاع التيار الكهربائي المزمنة وتلوث معظم مخزون قطاع غزة من المياه،[vii] ما حد من قدرة الفلسطينيين على تخفيف انتشار الوباء والحد من آثاره. يوجد في قطاع غزة حاليا 12 حالة مؤكدة من الإصابة بفيروس كوفيد-19، بينما يتوفر 87 جهاز تنفس اصطناعي فقط لمليوني فلسطيني يعيشون هناك، يتم الآن استخدام 80 إلى 90% منها.[viii] والشيء ذاته ينطبق على الضفة الغربية حيث يوجد 256 جهاز تنفس اصطناعي للبالغين فقط، يفترض أن تخدم ما يقارب ثلاثة ملايين فلسطيني.[ix] ويزداد هذا الوضع تعقيدًا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي المنطقة ككل، حيث الاكتظاظ والضغط الجسدي والنفسي وسنوات من الصراع الطويل المستمر، الذي جعل ما يزيد عن 5.6 مليون لاجئ فلسطيني، يعانون أصلا من انتهاك حقهم في الغذاء والعمل، أكثر عرضة لمخاطر تفشي هذه الجائحة.[x]

في الوقت الذي تدعو فيه الدول والحكومات شعوبها للبقاء في المنزل من أجل الحد من انتشار فيروس كورونا، يتم تقويض الجهود الفلسطينية لمنع ودرء مخاطر المرض، حيث تواصلت انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها هدم إسرائيل لمنازل تعود لفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.[xi] ففي 26/3/2020، على سبيل المثال، صادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي أعمدة وأغطية ومواد أخرى كان يتم استخدامها لصالح عيادتين ميدانيتين، وأربع وحدات سكنية للطوارئ ومسجدين في خربة ابزيق في منطقة الأغوار الشمالية في الضفة الغربية المحتلة.[xii] وفي القدس ، فقد اعتقلت قوات الاحتلال فلسطينيين شاركوا في مبادرات محلية لتعقيم مدارس ومؤسسات، أو قاموا بتوزيع مؤن غذائية في أجزاء المدينة التي تعاني من إهمال في الخدمات المقدمة وتحديدًا في البلدة القديمة للقدس، وتمت مصادرة المؤن والمساعدات. كما عانت خدمات الرعاية الصحية الفلسطينية في القدس حتى ما قبل هذه الجائحة من سنوات من الإهمال المتعمد ونقص في التمويل المطلوب بشكل مزمن، الأمر الذي أضعف البنى التحتية وقدرة المستشفيات الفلسطينية على الاستجابة لمرض فيروس كوفيد-19. وبالإضافة إلى النقص في مراكز الفحص المخصصة للفلسطينيين في القدس، تمتلك المشافي الفلسطينية 22 جهاز تنفس اصطناعي فقط لما يقارب ال 350 ألف مقدسي، ويقطن ثلثهم في مناطق وضواحي تقع خلف جدار الضم والتوسع.[xiii]

أما في باقي المناطق، فتواصلت حملات الاعتقال والحجز التعسفي في وقت يتم فيه مطالبة الحكومات حول العالم بإطلاق سراح المعتقلين والأشخاص المحتجزين دون مسوغ قانوني كاف، وذلك بهدف تخفيف حدة الاكتظاظ في السجون.[xiv] بيد أن إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، لم تتخذ أية تدابير ملائمة من أجل تحسين خدمات الرعاية الصحية ومتطلبات النظافة الصحية للمعتقلين الفلسطينيين تتوافق مع توجيهات منظمة الصحة العالمية لمنع انتشار فيروس كوفيد-19 داخل السجون.[xv] كما وردت تقارير تفيد أن الشرطة الإسرائيلية ألقت بعاملين فلسطينيين على الأقل، يشتبه بإصابتهما بفيروس كوفيد-19، على أحد الحواجز في الضفة الغربية دون تقديم الرعاية الصحية أو التنسيق مع السلطة الفلسطينية لضمان تقديم الرعاية اللازمة لهما. [xvi]وفي الوقت الذي تتعمق فيه أزمة الصحة العامة الطارئة، اتخذت إسرائيل من فيروس كوفيد-19 ذريعة لتصعيد انتهاكاتها ضد الفلسطينيين،[xvii] بما في ذلك لجوء الشرطة، في ظل حالة الطوارئ السائدة، إلى استهداف الأشخاص، بناء على انتمائهم العرقي عند فرض القيود والغرامات،[xviii] والمراقبة غير القانونية من قبل المخابرات الإسرائيلية،[xix] كأدوات للإخضاع والسيطرة لطالما استخدمتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني على مدى عقود من الزمن.

ويبرز نظام الفصل العنصري الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين بشكل واضح في كافة المناطق. ففي النقب، داخل الخط الأخضر، يعاني 80 ألف فلسطيني من عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الطوارئ الطبية بينما يعاني 56 ألف نسمة من سكان القرى غير المعترف بها من قبل إسرائيل من عدم توفير المياه النظيفة والآمنة بشكل ملائم. وفي الوقت ذاته، لم تقم إسرائيل بتخصيص موارد من أجل إجراء الفحوصات الخاصة بفيروس كورونا والخدمات الطبية الطارئة في القرى غير المعترف بها بعد عقود من الإهمال والتمييز الممنهج .[xx] كما أبدت إسرائيل ترددًا ومعارضة حيال إجراء الفحوص الخاصة بفيروس كوفيد-19 للفلسطينيين أو لإنشاء محطات للفحص في مناطق القرى والمدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر، التي تعاني أصلًا من فقر البنية التحتية، إضافة إلى أنه لم يتم تدريب سائقي سيارات الإسعاف على إخلاء المرضى المصابين بفيروس كورونا ونقلهم إلى مشاف، غالبًا ما تكون بعيدة عن مكان سكناهم.[xxi] لا بد من الإشارة هنا إلى أن إسرائيل انتظرت حتى الأسبوع الماضي فقط لإنشاء مراكز للفحص في المدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر وفي القدس الشرقية المحتلة.[xxii] إن هذه الفروقات الجلية في الخدمات الصحية وحجم الفحوصات التي يتم توفيرها للفلسطينيين، تفاقم من آثار هذه الجائحة. كذلك لم تقم إسرائيل، حتى تاريخ هذا البيان، بإجراء فحص فيروس كوفيد-19 للعمال الفلسطينيين،[xxiii] الذين يتوقع أن يعود بضع عشرات الآلاف منهم إلى الضفة الغربية خلال عطلة الأعياد المرتقبة، وسط مخاوف أن يؤدي ذلك إلى تسريع انتشار وتفشي المرض في حال عدم التزام العمال بالحجر المنزلي.[xxiv] وفي بداية انتشار فيروس كوفيد-19، لم تقم إسرائيل حتى بتوفير معلومات محدثة بالوقت المناسب حول كوفيد-19 باللغة العربية للفلسطينيين، الأمر الذي جعلهم أكثر عرضة للإصابة والتأثر بهذه الجائحة.[xxv]

لقد سلط فيروس كوفيد-19 الضوء بشكل بارز على الآثار المدمرة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي على الحق في الصحة للشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يلزم فيه القانون الإنساني الدولي دولة إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بضمان توفير أكبر قدر ممكن من خدمات الغذاء والرعاية الطبية للفلسطينيين،[xxvi] وضمان الخدمات الطبية والصحة العامة والنظافة الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة مع إشارة خاصة لضرورة تبني التدابير الوقائية اللازمة لمحاربة انتشار الأمراض المعدية.[xxvii] كما أن إسرائيل ملزمة بموجب قانون حقوق الإنسان الدولي بضمان حق الفلسطينيين بالتمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة الجسدية والنفسية،[xxviii] بما يتضمنه ذلك من المعايير الرئيسية للصحة والرفاه،[xxix] والتي تشمل الحق في مستوى ملائم من الغذاء والماء وخدمات الصرف الصحي والسكن والعمل وصولًا إلى إعمال حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.[xxx]

بمناسبة اليوم الصحة العالمي، وفي الوقت الذي تواصل فيه الدول الاستجابة لجائحة كوفيد-19، يظل نظام الفصل العنصري الإسرائيلي عقبة رئيسية أمام تمتع كل الفلسطينيين بحقهم في الحصول على أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة. وبينما يتخذ الفلسطينيون خطوات للوقاية من الجائحة وتخفيف حدة آثارها، فإن مؤسساتنا تؤكد على استمرار الأسباب الجذرية التي تحول دون تمكن الفلسطينيين من التعامل بشكل أفضل مع الجائحة، والمتمثلة في الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة والممأسسة ضد الشعب الفلسطيني، حيث لا بد من معالجة هذه الأسباب الجذرية كي يتمكن الفلسطينيون من ممارسة حقوقهم غير القابلة للتصرف. كما أن على إسرائيل أن ترفع الإغلاق الذي تفرضه على قطاع غزة وأن تنهي احتلالها العسكري طويل الأمد وأن تطلق سراح المعتقلين السياسيين الفلسطينيين، والذين تواصل احتجازهم بشكل مخالف للقانون الدولي وصولًا إلى تفكيك نظام الفصل العنصري الذي تفرضه على الشعب الفلسطيني ككل. وفي الوقت الذي تواصل إسرائيل التمتع بسياسة الإفلات من العقاب، فإن المسؤولية تقع على عاتق جميع الدول في تبني تدابير فعالة من أجل ضمان تحقيق العدالة الدولية والمساءلة لصالح الضحايا الفلسطينيين وإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

خلفية:

أنشأت إسرائيل وواصلت، على مدى عقود من الزمن، فرض نظام فصل عنصري على الشعب الفلسطيني من خلال منظومة هائلة من القوانين والسياسات والممارسات التي صممت من أجل شرذمة وعزل الفلسطينيين وطمس هويتهم بشكل ممنهج. وأدت مجموعة لا تعد ولا تحصى من القيود على الحركة، بما في ذلك الحواجز وجدار الضم والتوسع والإغلاقات، إلى حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى خدمات أساسية بما فيها خدمات الرعاية الصحية. كما واختلقت سلطات الاحتلال بيئة قسرية، حرمت بمجملها الشعب الفلسطيني من سبل المعيشة ومنعتهم من ممارسة أي حقوق جماعية. ويتمحور جوهر نظام الفصل العنصري الإسرائيلي حول شرذمة الشعب الفلسطيني وتفتيته بشكل استراتيجي إلى أربع مجموعات مختلفة قانونيًا وسياسيًا وجغرافيًا وتشمل الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، والفلسطينيين في القدس، واللاجئين الفلسطينيين والموجودين في الشتات، والذين تحرمهم إسرائيل من حقهم في العودة لبيوتهم واراضيهم وممتلكاتهم منذ العام 1948.[xxxi]

المؤسسات الموقعة:

- شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية، بما في ذلك:

· مؤسسة الحق، القانون من أجل الإنسان

· مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان

· مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان

· مركز الميزان لحقوق الإنسان

· الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين

· مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان

· جمعية الرواد للثقافة والفنون – مخيم عايدة – بيت لحم

· جمعية المصادر للطفولة المبكرة

· مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"

· مركز العمل التنموي – معاً

· مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين

· المركز الفلسطيني للإرشاد

· مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب

· مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي

- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

- الائتلاف الاهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس

- مركز العمل المجتمعي (جامعة القدس)

- الهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامة

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد