اتفاقية سيداو وتوطينها فلسطينياً

د.جميل سلامة

تُعرف اتفاقية سيداو (CEDAW) بأنّها اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979، بأنّها مشروع قانون دوليّ لحقوق المرأة، تتألّف من مقدمة و30 مادة، تحدّد ما يشكّل تمييزاً ضدّ المرأة، وبعد اعتماد الجمعية العامة للاتفاقية، تمّ التوقيع على الاتفاقية في احتفال عقد في تموز/ يوليو 1980 في كوبنهاغن من جانب 64 بلداً، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بعد مرور عام واحد فقط في 3 سبتمبر 1981، بعد أن صدّقت عليها 20 دولة عضواً.

وكالة سوا الاخبارية حاورت الخبير القانوني ورئيس مركز القسطاس الدكتور جميل جمعة سلامة حول اتفاقية سيداو وتوطينها فلسطينياً.

نص الحوار 

س1: هل لك بدايةً أن تعرفنا بالاتفاقية ونشأتها، ولماذا سميت بهذا الاسم؟

ج1: اتفاقية سيداو هي " اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وسيداو هي مختصر اسم الاتفاقية باللغة: Convention on Elimination of All forms of Discrimination Aginst women الإنجليزية

(CEADAW) وهي اتفاقية دولية أقرتها الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في ديسمبر 1979م ودخلت حيز النفاذ رسمياً في سبتمبر 1981م والغاية من هذه المعاهدة اتفاق دول العالم على حماية حقوق المرأة وعدم التمييز ضدها ومساواتها التامة بالرجل، وقد وقعت عليها أغلب دول العالم نحو (190) دولة،

وحول المنشأة فقد صدرت الوثيقة بهذا الشكل بعد جهد أممي تراكمي على مدار سنوات طويلة، بدأت بمعاهدة حقوق المرأة السياسية التي وضعتها مفوضية مركز المرأة في الأمم المتحدة، وبعدها أصدرت الجمعية العامة للمنظمة الدولية إعلان إزالة التمييز ضد المرأة عام 1967م والذي دعا إلى إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة ومنحها حقوقها كاملة وبعد هذا الإعلان باشرت مفوضية مركز المرأة بالأمم المتحدة في التحضير لإصدار معاهدة، سيداو وأستغرق ذلك الفترة من 1973م حتى عام 1979م تاريخ اعتمادها من الجمعية العامة وتعززت هذه الجهود بعدة مؤتمرات دولية رعتها الأمم المتحدة قبل إصدار الاتفاقية وبعدها كالمؤتمر العالمي في مكسيكو بالمكسيك عام 1975 ومؤتمر كوبنهاجن في الدنمارك عام 1980م ومؤتمر نيروبي في كينيا عام 1985م ومؤتمر بكين في الصين عام 1995، وعليه أصبحت اتفاقية سيداو مرجعية تشريعية ملزمة للدول الموقعة عليها وواجبة التوطين في الأنظمة القانونية في الدول الأطراف فيها.

س2: ما أهم مضامين الاتفاقية؟ وما هي أهدافها؟

اتفاقية سيداو اتفاقية أممية مودعة لدى الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، وتتكون من ثلاثين مادة وديباجة، وتوزع موادها على ستة أجزاء، أولها تعريفات وتدابير حيث عرفت الاتفاقية التمييز المقصود به ضد المرأة بأنه " أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أعراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل". ومن التدابير المطلوبة من الدول الأطراف إدراج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير والقوانين الوطنية ومنع أي تمييز تشريعي أوإداري ضدها وإلغاء أي أحكام جزائية تتضمن تمييزاً ضد المرأة وتوفير الحماية القضائية لها، والقضاء على القوالب الاجتماعية والثقافية من عادات وتقاليد تخلق فروقات بين الجنسين، وثانيهما الحقوق السياسية حيث تتضمن تمتع المرأة بمختلف الحقوق السياسية في المشاركة في الحياة السياسية والعامة بجميع مستوياتها الرئاسية والتشريعية والمحلية والمجتمعية والاستفتاءات العامة ترشيحاً وانتخاباً أسوة بالرجل، وكذلك المشاركة بالقرارات والسياسات العامة وشغل الوظائف الدبلوماسية وفي مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وحقها في تمتعها بجنسية بلادها والتصرف فيها ومنحها لأطفالها أسوة بالرجل.

وثالثهما الحقوق المدنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وأهمها تعليمياً وثقافياً المساواة بين الجنسين في التعليم والتحصيل الثقافي والتربية بوجه عام ومحاربة الفصل بين الجنسين بكافة أشكاله وتشجيع التعليم المختلط في جميع مراحل التعليم، واقتصادياً حق المرأة في العمل والحياة المعيشية الكريمة ومساواتها مع الرجل في العمل واستحقاقاته من أجرة وضمان اجتماعي .. ونحوه مع تدابير خاصة للمرأة العاملة في الزواج والإنجاب والأمومة، وصحياً المساواة في العلاج الصحي والتطبيب سواء كان وقائياً أو علاجياً مع خدمات صحية خاصة للمرأة في الحمل والولادة والرضاعة وتنظيم الأسرة، واجتماعياً المساواة في الاستفادة من المخصصات والاستحقاقات الاجتماعية سواء كانت حكومية أو غير حكومية، مع حقوق خاصة للمرأة الريفية، ورابعهما أهلية المرأة والزواج والأسرة حيث نصت الاتفاقية في حق المرأة في أهلية قانونية متساوية مع الرجل في الحياة المدنية وطرق ممارستها وإبرام كافة العقود والصكوك والإجراءات القضائية دون أي نيابة قانونية من ولاية ووصاية وقوامة وحقها الكامل في الحركة والتنقل والإقامة والسكن، وبالنسبة للزواج والأسرة تضمنت الاتفاقية المساواة التامة والتماثل مع الرجل في الزواج داخل الاسرة دون أية محددات أو ضوابط كالحق في اختيار الزوج برضاها وإبرام عقد زواجها بنفسها والمساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات بما في ذلك النيابة عن الأطفال وإقرار التبني وحق المرأة في منح الأطفال اسم عائلتها وحقها في تحديد عدد الأطفال والفترات الزمنية بينهما وتنظيم الأسرة والتساوي بين الزوجين في الملكية والحيازة للممتلكات وإدارتها وحقها المستقل في اختيار مهنتها وعملها، وخامسهما أحكام خاصة بلجنة القضاء على التمييز ضد المرأة وهى لجنة المتابعة والمراقبة على تنفيذ وتطبيق الاتفاقية ويشمل ذلك تشكيل اللجنة وآلية انتخاب أعضائها ومواردها وآلية عملها، وسادسهما أحكام ختامية تتناول التوقيع والمصادقة على الاتفاقية وإعادة النظر والتحفظ عليها ونفاذها وحجيتها وحل النزاعات بشأنها.

س3: أشرت في معرض إجابتك إلى لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة التي أستحدثتها الاتفاقية، لماذا هذه اللجنة؟ وما الدور المناط بها؟

ج3: كل تشريع وطني يحتاج إلى تنفيذ وتطبيق وإلا لا قيمة له، وكذلك الحال في التشريعات العالمية المعروفة بالقانون الدولي العام، واتفاقية سيداو جزء منه، وقد نصت الاتفاقية على آلية تنفيذ لها من خلال لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة وهي بمثابة لجنة المتابعة والمراقبة للتأكد من قيام الدول الأطراف في الاتفاقية بتنفيذ التزاماتها المسطرة في هذه الاتفاقية في بلدانها، وتتشكل اللجنة حالياً من ثلاثة وعشرين خبيراً يتم اختيارهم بالانتخاب بالاقتراع السري من الخبراء الذين ترشحهم الدول الأعضاء حيث لكل دولة الحق في ترشيح شخص واحد، ويتولى الأمين العام للأمم المتحدة توفير موازنة اللجنة ومكافآت الخبراء.

وبالنسبة لآلية عملها فللجنة نظام داخلي وتجتمع بشكل دوري وتستلم تقارير الدول الأطراف بشأن التدابير التشريعية والقضائية والإدارية لإنفاذ أحكام الاتفاقية في بلدانها وتطبيق ذلك عملياً، وتقوم اللجنة بدراستها وطرح الأسئلة والتساؤلات والملاحظات على تدابير الدول الأعضاء وتقدم توصيات للالتزام بها وهذا ما تم مع بلادنا فلسطين بعد انضمامها الرسمي للاتفاقية عام 2014م.

س4: هنالك بروتوكول اختياري ملحق بالاتفاقية لما؟ ولماذا لم يدمج معها؟

ج4: في القوانين الخاصة بالحقوق عادةً توجد قوانين الموضوع وقوانين الإجراءات، حيث الأولي تنظم الأحكام الخاصة بمضامين الحقوق والالتزامات والثانية تنظم إجراءات مباشرة هذه الحقوق وتنفيذها والرقابة على ذلك، ووفقاً لذلك تصنف اتفاقية سيداو كقانون موضوع أما البروتوكول الاختياري الملحق بها فهو قانون إجراءات، ولذا تم سن هذا البروتوكول من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 9/10/1999م لألية لتطبيق الاتفاقية حيث أظهر واقع تطبيق الاتفاقية العديد من النواقص في متابعة الدول الأطراف لتنفيذ التزاماتها ببنود الاتفاقية.

وبموجب هذا البروتوكول تقوم اللجنة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة بتلقي التبليغات ضد الانتهاكات والتمييز الذي تتعرض له النساء في العالم، وكذلك حقهن في تقديم الشكاوي الفردية والجماعية للجنة المذكورة حول المساس بحقوقهن أو من خلال المنظمات المدافعة عنهن سواء كانت حقوقية أو نسوية، ووفقاً لأحكام هذا البروتوكول تقوم اللجنة الخاصة بالنظر في هذه التبليغات والفصل فيها شكلاً وموضوعاً، وفي حال ثبوت التمييز والانتهاكات ضد المرأة تلزم الدولة الطرف المعنية بالرد على أسئلة اللجنة وملاحظاتها، ويجوز للجنة زيارة أراضي هذه الدولة للتحقيق في هذه الانتهاكات ورفع توصياتها لها، كما تلتزم الدول الأطراف بعدم ملاحقة مواطنيها في حال تواصلهم مع اللجنة كما عليها تعميم هذا البروتوكول في بلدانها عبر وسائل الإعلام المختلفة سواءً على المستوى الرسمي أو الأهلي، والجدير بالذكر أن هذا البروتوكول وان كان ملحقاً بالاتفاقية ومكملاً لها إلا أنه اتفاقية مستقلة بذاتها، وللدول الأطراف في اتفاقية سيداو الحق في توقيعه من عدمه.

س5: هل فلسطين طرف في الاتفاقية والبروتوكول؟ ومتى تم ذلك؟

ج5: بخصوص الاتفاقية ففلسطين طرف فيها وتم ذلك رسمياً بتاريخ 1-4-2014م بعد نيل فلسطين صفة الدولة العضو المراقب في الأمم المتحدة بتاريخ 29-11-2012م، حيث عضوية الاتفاقية مقتصرة على الدول، بيد أن فلسطين أبدت مبكراً رغبة كبيرة في الانضمام للاتفاقية، حيث صادق مجلس الوزراء في السلطة الوطنية الفلسطينية وبشكل أولى ومن جانب واحد على الاتفاقية عام 2005م ، وتبع ذلك إصدار مرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس بتاريخ 8/3/2009م بالمصادقة على الاتفاقية بما ينسجم وأحكام القانون الأساسي الفلسطيني، وهذا التصديق من طرف واحد أيضاً، وكلاهما غير ملزم إلا لفلسطين لانتفاء الصفة التعاقدية وفقاً لأحكام القانون الدولي العام، وبالتالي العضوية الرسمية لفلسطين في الاتفاقية تبدأ من 2/4/2014م أي من اليوم التالي لمصادقة فلسطين على الاتفاقية بالأمم المتحدة، وهذا التصديق جاء بلا أية تحفظات على الاتفاقية خلافاً لموقف الدول العربية المنضمة للاتفاقية والتي وقعتها بتحفظات.

أما بالنسبة للبروتوكول الاختياري فلم توقعه دولة فلسطين حتى تاريخه ولم تنضم إليه رغم تصريحها بأهمية الانضمام للبروتوكول الاختياري وأنه قيد الدراسة على المستوى السياسي وأن لديهما توجه إيجابي نحو الانضمام له.

س6: شرحت أن فلسطين وقعت على الاتفاقية بلا تحفظات بشكل مغاير للسياق العربي والإسلامي، لماذا في رأيك؟ وما الحكمة من ذلك؟

ج6: نعم، فبلادنا وقعت على الاتفاقية من ضمن نحو مائة وتسعين دولة وكانت السويد أول دولة من الموقعين عام 1980، وكانت فلسطين آخرها. وهناك نحو تسع دول من بينها الولايات المتحدة لم توقع على الاتفاقية ، فيما تحفظت على بنود الاتفاقية بنحو جزئي نحو خمسين دولة من بينها الدول العربية التي وقعتها بتحفظات على بعض بنودها نظراً لمخالفة البنود المتحفظ عليها لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها وكذلك لدساتيرها وقوانينها المحلية، ويمكن حصر التحفظات العربية على الاتفاقية في ست مواد تحديداً وهى المادة (2) التي تنص على منع التمييز وحظره وفقاً لتعريف الاتفاقية في دساتير هذه الدول وتشريعاتها الوطنية، والمادة (7) المتعلقة بالمشاركة بالحياة السياسية والعامة في هذه الدول، والمادة (9) الخاصة بجنسية المرأة وأطفالها وقوانين الجنسية والوطنية، والمادة (15) بشأن الأهلية القانونية والمدنية ومساواة المرأة والرجل فيها، والمادة (16) بشأن أحكام الزواج والعلاقات الأسرية بكل تفاصيلها، والمادة (29) بشأن حل النزاعات حول الاتفاقية بين الدول الأطراف.

أما بخصوص التفرد الفلسطيني بتوقيع الاتفاقية بلا أي نوع من التحفظات مطلقاً فلا أعرف سبباً لذلك رغم أن البيئة التشريعية والجغرافية والاجتماعية لفلسطين مشابهة إلى حد كبير مع محيطها العربي والإسلامي رغم تبرير البعض بأن ذلك يعود لتعزيز مكانة فلسطين سياسياً سيما بعد نيلها صفة الدولة العضو المراقب في الأمم المتحدة وتوقيعها بعدها رزمة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية من بينها اتفاقية سيداو، وفي تقديري أن ذلك مهم شريطة أن يكون ملتزماً بأحكام الدستور الفلسطيني ( القانون الأساسي المعدل) والهوية الدينية والثقافية لمجتمعنا الفلسطيني سيما أن الاتفاقية نفسها أفسحت المجال لتقديم تحفظات عليها من الدول الأطراف تحوطاً كما يبدو لردود فعل من قطاع من الدول نظراً للتنوع الديني والاجتماعي والثقافي في العالم.

س7: لما توعز هذا الجدل الوطني الصاخب حول انضمام فلسطين للاتفاقية؟ وهل لك أن توضح لنا المخالفات الشرعية تحديداً؟

ج7: أحسنت، نعم فهنالك جدل صاخب وحاد في الوطن حول الاتفاقية وتطبيقها والعمل بموجبها في بلادنا، وأمتد هذا الصخب عموديا وأفقياً ووصل إلى حد التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة بالتخوين والتكفير والظلامية والأصولية والانغلاق والفجور بين فريق مؤيد للاتفاقية وآخر معارض لها انطلاقاً من أفكار ورؤي أيديولوجية متباينة ومنطلقات دينية مغايرة ، فالطرف المؤيد لها ويضم بعض الأوساط الرسمية ومؤسسات نسوية ومجتمعية وبعض القوى السياسية وائتلاف سيداو وهو إطار أهلي تنسيقي داعم للاتفاقية بقوة ومتبني لإنفاذها محلياً، ويرى هذا الفريق أن الانضمام للاتفاقية إنجاز وطني يتوج نضالات الحركة النسائية والحقوقية الفلسطينية ويعزز مكانة المرأة وحقوقها في المجتمع الفلسطيني، وأن التحريض والابتزاز واستهداف النساء غير مقبول ويهاجم هذا الفريق المعارضين لها بحجة عدم انسجامها مع العادات والشريعة واصفين ذلك بالادعاءات الخاطئة والمجتزأة والتشوية للاتفاقية وشيطنتها واصفين إياها بالعقليات الظلامية داعين الحكومة إلى انهاء الجدل حولها والمضي قدماً في تنفيذها ونشرها في الجريدة الرسمية لتصبح قانوناً واجب النفاذ.

أما الفريق المعارض ويضم جهات رسمية أيضاً كمجلس الإفتاء الأعلى وفصائل إسلامية وأطر عشائرية ومؤسسات مجتمع مدني ونقابة المحامين وقيادات إسلامية وعلماء.... وغيرهم فيرفضون الانضمام الفلسطيني المفتوح للاتفاقية ودون تحفظات ويرون في ذلك قفزاً على أحكام الدين الإسلامي وشريعته ومخالفاً لأحكام القانون الأساسي ولقرار المحكمة الدستورية بشأن وجوب تواءم الاتفاقيات والدولية مع الهوية الوطنية والدينية والثقافية للشعب الفلسطيني سيما أن هنالك العديد من البنود المخالفة للشريعة الإسلامية في الاتفاقية.

وفي تقديري لا مناص من تناول الاتفاقية بموضوعية بعيداً عن التهوين والتهويل وبمعزل عن المغالاة والتفريط، فلو وضعنا الاتفاقية في ميزان الشريعة الإسلامية لوجدنا هنالك توافقات وتعارضات، فبالنسبة للتوافقات، فالمشتركات بينهما الاتفاق على كرامة المرأة كإنسان وحمايتها من جميع أشكال الظلم والقهر والحط الأدمي والتمييز الإنساني، كذلك حقها في الزواج واختيار زوجها وتشكيل أسرتها ورعاية أطفالها وذمتها المالية المستقلة والتصرف بها وحقها في التعليم بجميع مستوياته بما في ذلك التدريب المهني المناسب لها وحقها في العمل وتقلد الوظائف بما لا يخالف طبيعتها وحقها في المشورة والرأي والمشاركة في الانتخابات كناخبة ومرشحة وعدم التمييز الاجتماعي والثقافي وحماية الأمومة والطفولة .

أما التعارضات فهنالك نصوص مخالفة صراحة لأحكام الدين والشريعة كإقرار التبني في الاتفاقية المحرم شرعاً وإسقاط ولاية الأب ومن في حكمه في زواج البنات، ونسب الأطفال لآبائهم وليس لأمهاتهم، منع الاختلاط، ، مرجعية الدين والشريعة بخصوص حقوق وواجبات المرأة، توزيع الأنصبة في الميراث بين الرجال والنساء، وكذلك هنالك تعارضات في نصوص تأويلية وحمالة أوجه في الاتفاقية تعتبر مخالفة للشريعة تحوطاً على قاعدة " ما أسكر كثيره فقليله حرام " مثل إشارة الاتفاقية إلى دور المرأة في بيت زوجها كوظيفة اجتماعية والأهلية القانونية للمرأة وحق المرأة في جميع أشكال القروض والرهون (قد تكون مقترنة بالفائدة والربا) وحرية الزوجة في اختيار الجنسية وعمل الإقامة والسكن والتنقل وحق القوامة الشرعية والزواج للمرأة بالرجل الذي تريد بغض النظر عن دينه ومعتقده وموضوع التعدد الزوجي والحق في الطلاق والعلاقة بين الجنسين خارج مؤسسة الزواج والزوج المدني ومسؤولية الأولاد والحق في الإجهاض وممتلكات الأسرة.

وفي تقديرنا فإن المشرع الفلسطيني ملزم باحترام أحكام الدستور الذي يستوجب بالتبعية إحترام الدين الإسلامي كدين رسمي لدولة فلسطين والالتزام بالشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع وأهمية تمرير مثل هذه الاتفاقيات على مجلس الإفتاء الأعلى كمرجعية شرعية رسمية في بلادنا لإقرار هذه الاتفاقيات قبل توطينها محلياً.

ونرى أن المساواة مطلوبة بين الجنسين كعمودين للأسرة والمجتمع على قاعدة التكامل وليس التماثل كما ذهبت إليه الاتفاقية وفق احترام الضوابط والمحددات الدينية والشرعية، فالنص الديني والسماوي المقدس يسمو على النص البشري الوضعي.

س8: وماذا عن الحكم القضائي للمحكمة الدستورية الذي يمنع تطبيق الاتفاقية في فلسطين؟

ج8: الحكم الدستوري المقصود هنا هو الفاصل في الطعن الدستوري رقم 4 لسنة2017م الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في فلسطين بتاريخ 19/11/2017م، وهو حكم لا يتعلق باتفاقية سيداو إطلاقاً وإنما موضوعه تحديد مرتبة الاتفاقية الدولية المصادق عليها بالنسبة للتشريعات الداخلية الفلسطينية مع بيان آليات نفاذها في القانون الداخلي الفلسطيني لتكتسي صفة الالزام، والمقصود هنا اتفاقية المقر لهيئة الأمم المتحدة للاجئين ( الأونروا ) الموقعة بينها وبين السلطة الفلسطينية عام 1996م، وقد أصدرت المحكمة حكمها بالأغلبية بتأكيد سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الداخلية، بحيث تكتسب قواعد هذه الاتفاقيات قوة أعلى من التشريعات الداخلية، بما يتواءم مع الهوية الوطنية والدينية والثقافية للشعب العربي الفلسطيني، مع تمتع الأمم المتحدة ومؤسساتها بالحصانة من الإجراءات القضائية الوطنية، وهذا الحكم الدستوري لم يمنع تطبيق اتفاقية سيداو في فلسطين صراحة وإنما ضمناً، وبالقياس، حيث القياس مصدر من مصادر التشريع في النظام القانوني المحلي والدولي على السواء وعندما أشار منطوق الحكم الدستوري المذكور إلى وجوب تواءم الاتفاقية الدولية بشأن مقر هيئة الأونروا في فلسطين مع الهوية الوطنية والدينية والثقافية لشعبنا، فإن نفس الشيء يطبق على اتفاقية سيداو لوحدة المركز القانوني للاتفاقيتين باعتبارهما معاهدتين دوليتين ومن مصادر القانون الدولي العام، وهذه السابقة القضائية الدستورية تلزم دولة فلسطين قبل توطين اتفاقية سيداو كقانون داخلي أن لا تخالف الهوية الوطنية والدينية والثقافية للمجتمع الفلسطيني تحت طائلة المنع من التطبيق، وهذا في تقديرنا يفسر عدم نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية حتى تاريخه .

س9: تحدثت أن الاتفاقية ملزمة للدول الموقعة عليها بما في ذلك فلسطين، فما هي آليات ذلك؟ وما هو مسار الالتزام الفلسطيني باستحقاقات ذلك؟

ج9: نعم سؤال مهم، فالاتفاقية الدولية هي تعاقد رضائي بين الدول الأطراف فيها شأنها في ذلك شأن العقد العادي بين الأفراد الطبيعيين وبالتالي العقد شريعة المتعاقدين، والاتفاقية أو المعاهدة الدولية بموجب ذلك تكون ملزمة للدول الموقعة عليها وينسحب ذلك على الحقوق والواجبات على حد سواء، وفلسطين طرف في هذه الاتفاقية لها ما للدول الأطراف الأخرى وعليها ما عليهم، وآلية إلزام الدول الأطراف ببنود هذه الاتفاقية يمر من خلال آليات نصت عليها الاتفاقية من جهة والبروتوكول الاختياري الملحق بها من جهة أخرى، و منها اللجنة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة المنبثقة عن الاتفاقية والتي هي بمثابة جهاز الرقابة العملية على الدول الأطراف في الالتزام بواجباتها في تنفيذ الاتفاقية بما في ذلك التدابير المتخدة بهذا الصدد سواءً كانت تشريعية أو قضائية أو تنفيذية، وكذلك حق اللجنة المذكورة في تلقي التبليغات ضد التمييز والانتهاكات بحق النساء في الدول الأطراف والنظر والتحقيق فيها وتقديم الملاحظات والتوصيات للدول الأطراف المعنية للالتزام بها والعمل بموجبها، وهذا بوجه عام.

أما على المستوى الفلسطيني فقد مر الالتزام الفلسطيني باستحقاقات الانضمام للاتفاقية بمحطات أربع، الأولى تقديم فلسطين للتقرير الأول حول تدابير تنفيذ اتفاقية سيداو، وهذا التقرير جاء عملاً بالمادة (18) من الاتفاقية التي تلزم الدول الأطراف بتقديم تقرير عن ذلك في غضون سنة من بدء نفاذ الاتفاقية بالنسبة لها والتدابير المختلفة لإنفاذ الاتفاقية في إقليمها، وأهم ما تضمنه هذا التقرير الذي رفع للأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 8/3/2017م: الإشارة إلى مصطلح التمييز ضد المرأة في وثيقة إعلان الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني ومشاريع القوانين المحلية وضمانات تحقيق مبدأ المساواة وتعزيز عمل الآليات الوطنية العاملة في حقوق المرأة وكذلك إلغاء التمييز في التشريعات العقابية وتدابير السياسات العامة والخاصة والمساواة في المشاركة في الحياة السياسية والعامة، والجنسية والتعليم والعمل والصحة والمساواة أمام القانون والقضاء وحقوق المرأة في قوانين الأحكام الشخصية للمسلمين والمسيحيين.

والمحطة الثانية: هي الأسئلة والتساؤلات التي وجهتها لجنة سيداو لدولة فلسطين بناءً على التقرير الأول السابق بشأن العديد من المواضيع أبرزها إدراج مصطلح التمييز وتعريفه في التشريع الفلسطيني ووجوب نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية ومعالجة التمييز ضد النساء في قوانين الأحوال الشخصية ومواءمتها مع اتفاقية سيداو والتمثيل المتساوي للمرأة في المشاركة السياسية والحياة العامة وإلغاء القوالب النمطية للمجتمع والعقوبات المتعلقة بالقتل على خلفية الشرف وعدم تجريم الإجهاض وإلغاء قيود الأهلية القانونية للمرأة بالإضافة إلى التصديق على البروتوكول الاختياري للاتفاقية، والمحطة الثالثة: ردود دولة فلسطين على الأسئلة السابقة، حيث أوضحت الردود تشكيل لجنة فلسطينية لمواءمة التشريعات السارية أو المستقبلية مع اتفاقية سيداو والعمل جار لنشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية، وبخصوص قوانين الأحوال الشخصية تم إدراجها ضمن خطة المراجعة التشريعية، وعمل القضاء الشرعي على توحيد هذه القوانين وتعزيز الاجتهاد الشرعي فيما يجوز الاجتهاد فيه من خارج النصوص القطعية وتيسير اللجوء إلى القضاء، وإنه رغم نص القانون الأساسي على الشريعة كمصدر رئيس للتشريع فإنها بهذه الصفة ليس المصدر الرئيسي للتشريع وأن هنالك مصادر أخرى بنفس مرتبة الشريعة، وأنه يتم العمل تدريجياً على تغيير القوالب الاجتماعية التقليدية، والعمل على وقف تطبيق النصوص في قوانين العقوبات المخففة للأحكام الجزائية في قضايا الشرف، والتنويه إلى قرار المجلس المركزى الفلسطيني بشان مشاركة المرأة في المحافل السياسية بنسبة 30%، ودمج النساء في الوظائف غير التقليدية والعمل على الانضمام للبروتوكول الاختياري.

أما المحطة الرابعة والأخيرة فهي الملاحظات الختامية للجنة سيداو على تقرير دولة فلسطين وردودها حيث نوهت للجوانب الإيجابية منه مع التشديد على تفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني وممارسة صلاحياته الدستورية بما فيها كفالة التنفيذ الكامل للاتفاقية، وأوصت اللجنة بضرورة التعجيل بإصدار تشريع وطني يتضمن تعريفاً للتمييز ضد المرأة ومراجعة تشريعات العقوبات لتخلو من هذا التمييز وأهمية مواءمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات وألا يؤدي الحكم القضائي للمحكمة الدستورية العليا رقم 4/2017 إلى تنصل فلسطين من التزاماتها بموجب الاتفاقية، وتسريع مراجعة مشاريع القوانين والقوانين القديمة وفق إطار زمني محدد لتتوافق مع أحكام الاتفاقية وضرورة مراجعة جميع قوانين الأحوال الشخصية بهدف إلغاء وتعديل جميع النصوص التمييزية ضد النساء سيما الخاصة بالزواج والطلاق والأهلية القانونية للمرأة واعتماد الزواج المدني وتخصيص الإمكانيات البشرية والمالية لوزارة شؤون المرأة لتنفيذ الاتفاقية وإنشاء آلية تضمن تمثيل المرأة في النظام السياسي بجميع مؤسساته بما لا يقل عن نسبة 30% ... إلخ.

س10: هل لديك رؤية أو توصيات لصناع القرار لمعالجة هذه الأزمة الوطنية حول الاتفاقية ؟

ج10: بلا شك كل أزمة أو قضية ولها حل، وشعبنا مرً بالعديد بل الكثير من محطات الأزمات في مسيرته واستطاع بحكمة أبنائه، وحرصهم على الوطن ووحدة النسيج الاجتماعي تجاوزها، وهذه القضية ليست حالة شاذة عن هذا السياق وهذا التباين والانقسام الحاد في المواقف بين النخبة والقاعدة الفلسطينية حول اتفاقية سيداو أمر طبيعي لإختلاف المدارس الفكرية والاجتماعية في شعبنا، وهذا له امتداد مماثل في العالم العربي والأسلامي وحتى في الغرب، فالولايات المتحدة الامريكية أقوى وأعرق دول العالم اليوم لم تنضم للاتفاقية أصلاً نظراً لعجز الحكومة الأمريكية الراغبة في الانضمام لها على نيل مصادقة البرلمان الأمريكي ( الكونغرس)، وفي تقديري فإن الدول والكيانات السياسية تحدد مواقفها الوطنية والخارجية من خلال مرجعيات تمثيلية جامعة، ونظراً للغياب الكامل للمؤسسة البرلمانية الفلسطينية سواء على مستوى السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير باعتبارها مصدر السلطات المعبرة عن إرادة الشعب المباشرة. الأمر الذي أدى إلى غياب موقف موحد وفاصل في الجدل والاشتباك الفكري والاجتماعي القائم اليوم في الساحة الفلسطينية وفي ظل هذا الغياب البرلماني، نوصي بعقد ورش عمل ومؤتمر وطني لمناقشة هذه الاتفاقية ومدى انسجامها مع الهوية الدينية والثقافية لشعبنا كذلك عرض الاتفاقية على مجلس الإفتاء الأعلى للنظر في موافقتها أو تعارضها مع الشريعة الإسلامية باعتبار الإسلام دين الدولة وشريعته مصدر رئيسي، وكذلك أهمية انسجام وتناغم قرار الانضمام الفلسطيني للاتفاقية مع السياق العربي الإسلامي حيث تم التوقيع على الاتفاقية بتحفظات وبالتالي على دولة فلسطين إلحاق قائمة بتحفظاتها المماثلة للأمانة العامة للأمم المتحدة وضرورة خلق آليات دستورية نيابية لإقرار الاتفاقية والمعاهدات الدولية للنظام السياسي الفلسطيني بعيداً عن احتكار السلة التنفيذية لذلك وأهمية التمييز بين المساواة والتماثل بين الجنسين ورفض كل أشكال الإرهاب الفكري والعنف بأنواعه من جميع الفرقاء المؤيد والمعارض للاتفاقية وفي تقديري فإن هذه هو الأزمة ومعالجتها وفق مرجعياتنا الدينية والدستورية وهويتنا الثقافية وعلى قاعدة احترام الأغلبية لرأي الأقلية والتزام الأقلية برأي الأغلبية حتى لا ندخل في صراعات تفتيتية وفرض رؤي تُفضي إلى انقسام جديد لا يُبقي ولا يذر.

س11: بعض الجهات الفلسطينية تتهم الفهم الانغلاقي للإسلام وعدم إدراك مقاصد الشريعة وراء معارضة الاتفاقية والعائق امام الانخراط في المجتمع الدولي، ما رأيك في هذا الطرح؟

ج11: أعتقد أن الأمر أعمق من ذلك بعيداً عن هذا التسطيح، فالدين الإسلامي ليس ديناً فلسطينياً وإنما ديناً عالمياً يدين به أكثر من 1,8مليار نسمة في هذا العالم موزعين على القارات الست، وهنالك أكثر من خمسين دولة إسلامية، وبالتالي ينبغي النظر في الموضوع من منظور أممي وليس من منظور محلي، والثابت أن السواد الأعظم من الدول العربية والإسلامية والمجتمع الإسلامي ومرجعياته وأحكام الشريعة بالأدلة الشرعية الثبوتية حيث لا اجتهاد مع وجود نص، وبالتالي لا يحق ولا يجوز لنفر محدود توجيه مثل هذا الاتهام غير الموضوعي وغير الصحيح وهنالك في الاتفاقية بنود تخالف نصوص شرعية قطعية الدلالة والتمسك بها واجب شرعي ومخالفتها يدخل في باب الحرمة الشرعية والخروج عن الدين، وهذا ليس انغلاقاً، وبمفهوم المخالفة فإن الفهم الانفتاحي يعني لي عنق النصوص الشرعية لتتواءم مع بعض الأهواء، وهذا مخالف لمقاصد الشريعة الخمس (حفظ الدين و النفس والنسل والعقل والمال)، فالدين الإسلامي ليس سوبر ماركت تأخذ منه ما يحلو لك وتترك مالا يحلو لك والفهم الديني الصحيح ليس ماركة تجارية مسجلة احتكاراً باسم أحد فضلاً عن أن البت في مثل هذه القضايا يعود لأهل الاختصاص من العلماء والمرجعيات الشرعية، وليس لكل من هب ودب أن ينصب نفسه مجتهداً وفقيهاً، فالأمر هنا معقود للمجلس الأعلى للإفتاء وهو مؤسسة ومرجعية إسلامية رسمية وقد قال كلمته في الاتفاقية بوضوح، وأن أمةً أوشعباً لا يحترم دينه ولا يلتزم بشريعته لا يستحق الاحترام وغير جدير بالتقدير وعلى هامش التاريخ وبلا حضارة أو هوية.

وهذا الموقف الديني من بعض بنود الاتفاقية ليس مقتصراً على الإسلام بل يمتد إلى موقف الدين المسيحي بطوائفه المختلفة، فالفاتيكان مثلاً مركز الكاثوليكية في العالم حيث كنيسة القديس بطرس قد رفض كدولة مراقب في الأمم المتحدة الانضمام للاتفاقية على أساس مخالفتها للديانة المسيحية وأحكام الإنجيل سيما في قضايا الأخوال الشخصية ، وقد انضمت إليه الكنسية الأرثوذكسية والكنيسة القبطية... وكنائس أخرى، وأيضاً الطائفة اليهودية السامرية في فلسطين وهم فلسطينيون يؤمنون بالتوراة بأسفار موسى الخمس فقط يعارضون هذه الاتفاقية لتعارضها مع أحكام التوراة، بل أن اسرائيل نفسها القائمة على أساس ديني قد وقعت على الاتفاقية عام 1980م غير انها صادقت عليها 1991م نتيجة الجدل الداخلي فيها والذي انتهى بالمصادقة عليها مع التحفظ على عدة مواد لمخالفتها لقوانين الطوائف الدينية في إسرائيل التي ترى فيها خروجاً عن احكام التوراة والتلمود، والمعروف أن الأديان السماوية الثلاث تخرج من مشكاة واحدة وأن محددات شرائعها رغم تباينها متشابهة، وهذا التحفظ لم يقتصر على الأديان السماوية فحسب بل أمتد لأديان أرضية كالبوذية مثلاً حيث أعلن المجلس الأعلى للبوذية في العالم رفضه لبعض بنود الاتفاقية، ويعزر ذلك نص ميثاق الأمم المتحدة ذاته على احترام التنوع الديني للدول الأعضاء ولو كان الانغلاق والانفتاح يقاس بهذا المنطق لما رفضت الولايات المتحدة البلد الأكثر ليبرالية في العالم الانضمام للاتفاقية والمصادقة عليها حيث رفض الكونغرس ذلك بحجة مخالفتها لقيم الأسرة المسيحية وتعارضها مع الدستور علاوة على اعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية للمجتمع الأمريكي، فالتحفظ على عولمة التشريع ليس ثقافة إسلامية أو فلسطينية فقط.

س12: نوهت إلى أن من استحقاقات الانضمام لاتفاقية سيداو نشرها في الجريدة الرسمية وهو ما لم يتم فلسطينياً، ما السر برايك وراء ذلك رغم المطالبات الملحة لأطر نسائية؟

ج12: نعم هذا صحيح والأصل في الأنظمة القانونية المقارنة نشر التشريعات المحلية والتشريعات الدولية ( المعاهدات والاتفاقيات) في الجريدة الرسمية لأي دولة لإعلام الجمهور بها والعمل بموجبها سواء من قبل السلطات القضائية أو التنفيذية وكذلك من طرف المواطنين، وهذا معمول به فلسطينياً أيضاً حيث الجريدة الرسمية للسلطة الفلسطينية او دولة فلسطين المعروفة بالوقائع الفلسطينية تشتمل في اعدادها على القوانين الوطنية وتنشر فيها الاتفاقيات والمعاهدات التي تقرها فلسطين ذلك لتوطينها محلياً أي لإلباسها ثوب القانون الداخلي لتصبح نافذه المفعول وتطبقها الجهات الرسمية المختصة.

ومن التزامات دولة فلسطين العضو الطرف في اتفاقية سيداو نشر هذه الاتفاقية في الجريدة الرسمية (الوقائع) فور المصادقة عليها والذي تم بتاريخ 1/4/2014م، واليوم يكون قد مضي على هذه المصادقة ست سنوات ولم تقم فلسطين بنشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية دون إبداء الأسباب، ولذلك أجد وجاهةً في سؤالك الذي أعتبرته سراً.

وتقديري أن ذلك يعود إلى حالة التردد التي تعيشها الجهات الرسمية القائمة على الاتفاقية لأسباب عدة أولها ردة الفعل الواسعة محلياً على الاتفاقية وإنتقادها الحاد لمصادقة فلسطين عليها دون تحفظات خلافاً لمواقف الدول العربية، وهذا الموقف يعبر عن أوساط رسمية وشعبية وازنة وتمثل القطاع الأوسع من النسيج الاجتماعي، وثانيهما تصادم ذلك مع الحكم القضائي للمحكمة الدستورية في الطعن الدستوري رقم 4/2017 الذي قرن توطين الاتفاقيات الدولية بمواءمتها مع الهوية الوطنية والدينية والثقافية للشعب الفلسطيني وهو غير قائم في اتفاقية سيداو، علاوةً على تعارض بعض بنود الاتفاقية مع أحكام القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينص على أن الإسلام الدين الرسمي لفلسطين وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وثالثهما رفض المجلس الأعلى للإفتاء جهة الفتوى الدينية الرسمية في فلسطين للاتفاقية لمخالفتها للإسلام، أي يمعني أن الدولة لا تحترم مرجعياتها الدينية والدستورية ، ورابعها أن مصادقة فلسطين على الاتفاقيات بلا تحفظات بشكل نشاز عن الدول العربية الأخرى أشعرها بحرج شديد أمام شعبها والدول الأخرى، ونرى أن هذه التحديات الكبيرة مقابل ضغوط ومطالبات بعض الأطر النسائية أو غيرها أوقع الجهات الرسمية في مأزق حقيقي إلى هذه الحالة من التردد اليوم.

س13: أفهم من سياق حديثك أن فلسطين على مفترق طرق بشأن الاتفاقية، ماذا تتوقع مستقبلاً؟

ج13: الحقيقة أنه لا يمكن الاستمرار مع وضع التردد القائم حالياً في الموقف الرسمي الفلسطيني مع الاتفاقية، فلا الدولة نشرت الاتفاقية في الجريدة الرسمية واعتمدتها كقانون داخلي وقامت بتطبيق أحكامها سيما على المستوى التنفيذي والقضائي، ولا الدولة قامت بالانسحاب من الاتفاقية أو تعديل تصديقها، وأرى أن هذا الموقف الضبابي والمتلعثم لا يمكن الاستمرار فيه أطول من ذلك لأن الأمر يتعلق بالتزامات تعاقدية دولية يضبط إيقاعها قواعد القانون الدولي العام.

وأري أن الموقف الفلسطيني في المستقبل القريب لن يخرج عن واحد من سيناريوهين، الأول الاستمرار في عدم نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية الفلسطينية وتعليق تطبيقها والقيام بمشاورات وطنية معمقة للخروج بجملة التحفظات الدينية والدستورية على الاتفاقية وإعداد ملحق بذلك ورفعه للأمانة العامة للأمم المتحدة لتعديل مصادقة فلسطين على الاتفاقية من تصديق كامل بلا تحفظات إلى تصديق مقترن بتحفظات وإنهاء الأمر وجدله، وهذا له مسوغات في نصوص الأتفاقية وليس معقداً كما يرى البعض، والتاني رفض تعديل المصادقة ونشر الاتفاقية في الوقائع الفلسطينية واعتمادها كقانون داخلي وربما توقيع البروتوكول الاختياري أيضاً وهو خيار سيفضي إلى إفرازات وهزات اجتماعية وتأزيم الجبهة الداخلية وما سيترتب على ذلك من آثار لا يمكن توقعها.

وأعتقد أن الاستمرار في هذا الواقع الترددي خاطئ، لا يمكن التسليم باستمراره في العرف القانوني والدستوري والدبلوماسي ويحتاج إلى حسم سريع من خلال الاحتكام إلى أحكام الدستور والقضاء الدستوري والانسجام مع الهوية الدينية والثقافية لشعبنا .

س14:إلحاقاً لإجابتك السابقة هل يعتبر البرتوكول الاختياري نوع من أنواع الوصاية على الدول؟ وسيكون كذلك على فلسطين في المستقبل؟

ج14:البروتوكول الاختياري جاء ليسد فراغاً في اتفاقية سيداو من جانب متابعة الدول الأطراف والرقابة على مدى التزامها بتطبيق الاتفاقية وأحكامها، وعليه فإن هذا البروتوكول آلية عمل للرقابة على الدول الاطراف ومحاسبتهم فيما يتعلق بمخالفة الأتفاقية ونصوصها، وهذا البروتوكول يتميز بأنه لا يتعامل مع الدول كأشخاص القانون الدولي العام فقط بل يمتد ذلك للتعامل مباشرة مع الأشخاص الطبيعيين أي مواطني هذه الدول ومن يمثلهم من أطر نسوية أو مدنية ويشمل ذلك تلقي اللجنة الخاصة المنبثقة عن اتفاقية سيداو للشكاوي الفردية والجماعية حول المخالفات والانتهاكات التي تتعرض لها النساء في هذه الدول والتحقيق فيها حتى داخل أقاليم هذه الدول، ورفع نتائج التحقيق مع التوصيات لهذه الدول للعمل بموجبها.

والعديد من الدول رفضت التوقيع على البرتوكول والانضمام له باعتبار ذلك نوعاً من الخضوع للوصاية الخارجية ومساساً بسيادتها الوطنية إذ أن الانضمام له يفسح المجال للغير في الخارج التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتنصيب نفسه وكيلاً عن مواطنيها ومحاسباً لها، في تجاوز مفضوح على مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية ومحاكمها المختصة وأجهزتها الرقابية، ودول أخرى وقعت البروتوكول وترى فيه تناغماً مع اتفاقية سيداو الأم وليس لديها ما تخفيه في هذا الصدد، وفلسطينياً نرى أن دولة فلسطين دولة محتلة وبلا سيادة وسيادتها على شعبها مصدر سلطاتها وأن مجتمعنا ليس منغلقاً وليس انطوائياً وتحكمه منظومة قانونية ودستورية ودينية توفر الحماية والكرامة للمرأة الفلسطينية شقيقة الرجل في الكفاح الوطني وفي التنمية بعيداً عن التمييز المنبوذ بوجه عام بعيداً عن الاستثناءات الشاذة التي لا يخلو منها مجتمع في العالم، وبالتالي لا حاجة للانضمام إلى هذا البروتوكول سيما أن هنالك تحفظ على الاتفاقية الأم، والتحفظ على الأصل يتبعه بالضرورة التحفظ على الفرع، ويمكن الاستعاضة عن ذلك بالنظام القضائي الفلسطيني الضامن الحقيقي لحقوق المرأة في بلادنا إلى جانب المؤسسات الدستورية الأخرى ومؤسسات المجتمع المدني النشطة والفاعلة في فلسطين بالإضافة إلى إمكانية تشكيل لجنة وطنية لرعاية ذلك والرقابة عليه على غرار اللجنة الخاصة بسيداو بحيث تتكون بالشراكة بين المؤسسات الرسمية والأهلية والخاصة.

س15:يبدو أن هنالك خللاً في إجراءات التصديق الدستورية على الاتفاقية في فلسطين ، وهذا يفسر حالة الارتباك القائمة، هل توافق على ذلك؟

ج15: هذا توصيف سليم، ويجب أن نمتلك الشجاعة لتسمية الأمور بمسمياتها، فالتصديق على الاتفاقية على النحو القائم وما تبعه من مواقف وتصريحات وآليات عمل ومتابعة كشف عن حالة عوار في النظام السياسي والدستوري الفلسطيني وخللاً ينبغي التوقف عنده ملياً حتى لا يتكرر مرة ثانية ويدخل الحالة الفلسطينية في مشهد تيه وضباب، وهنا يمكن استحضار عدة شواهد على ذلك منها مصادقة السلطة التنفيذية في فلسطين على الاتفاقية بمعزل عن السلطة النيابية التي تشترطها الاتفاقية كضامن لتنفيذها وفقاً لما هو معمول به في أنظمة الأمم المتحدة والأنظمة السياسية المقارنة، وإن التذرع بحل المجلس التشريعي لس مبرراً في ظل وجود البرلمان الأم (المجلس الوطني والمجلس المركزي لنظمة التحرير )، علاوةً عن غياب آليات دستورية في القانون الأساسي والنظام الدستوري لمنظمة التحرير لضبط انضمام فلسطين للمعاهدات الدولية وهو التزام وطني وللأحيال القادمة يحتاج إلى مصادقة برلمان عليه باعتبار الشعب ممثلاً في نوابه مصدر السلطات وإن السلطة التنفيذية المنتخبة مع أهميتها ليست كافية للاضطلاع بذلك بمفردها سيما في ظل الانضمام المتسارع لفلسطين للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، كذلك صادقت فلسطين على الاتفاقية بلا تحفظات وهذا ما عارضه مجلس الإفتاء الأعلى باعتباره يخالف الشريعة الإسلامية ، والمحكمة الدستورية العليا لاشتراطها موائمة المعاهدات الدولية مع الهوية الوطنية والدينية والثقافية للشعب الفلسطيني وهذا ما ذهب إليه رئيس الوزراء د. محمد اشتيه بتصريحه أنه يدعم اتفاقية سيداو بما لا يتعارض مع قيمنا الدينية والوطنية مشدداً على مساواة الرجل بالمرأة وفقاً لشريعة السماء في وقت خالفه في ذلك مسؤولون رسميون آخرون.

ونرى هنا أهمية معالجة هذا الخلل سريعاً من خلال تعديل دستوري في القانون الأساسي الفلسطيني وفي النظام الأساسي لمنظمة التحرير يضع آليات واضحة وإجراءات محددة لانضمام فلسطين إلى المعاهدات الدولية والمصادقة وطنياً عليها على غرار ما هو معمول به في جميع دول العالم إضافة إلى تعزيز دور المشاركة المجتمعية والشعبية في ذلك تكريساً للإرادة الشعبية ووحدة النسيج الاجتماعي وعكس الهوية الدينية والثقافية المشرقة لشعبنا أمام العالم.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد