بشكل مفاجئ ، ظهر فيروس كورنا المستجد بالصين منذ شهر ديسمبر ، عام 2019 في مدينة ووهان الصينية و أصاب آلاف من المواطنين الصينيين ، و حينذاك لم يكن العالم يكترث بعدد المرضى و الوفيات في الصين جراء فيروس كورونا ، بل اكتفى بأن يراقب عن بعد حتى وصل هذا الوباء إلي عقر أوروبا و الولايات المتحدة الامريكية ، فبلغ عدد الإصابات المعلن عنها بفيروس كورونا أكثر من نصف مليون في جميع أنحاء العالم، وفقا لحصيلة نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية.

و من المتوقع أن يصل عدد المصابين بالعالم إلي مليون شخص في حال لم يتم التصرف بأسرع وقت ممكن لإيجاد لقاح لهذا الفيروس الخطير الذي قضى على حياة الآلاف من سكان العالم ودمر الاقتصاد العالمي ، بل أصاب قادة العالم بالعجز و الضعف لعدم تمكنهم من انقاذ حياة شعوبهم بأسرع وقت ممكن.

في فلسطين، نستطيع القول أن الوباء مازال انتشاره محدودا مقارنة بدول أوروبا ، فحتى تاريخ 27/3/2020 و حسب احصائيات وزارة الصحة الفلسطينية ، بلغ عدد المصابين في فلسطين نحو 91 إصابة و تسبب الفيروس بوفاة سيدة واحدة .

و يعود ربما ذلك الانتشار المحدود لفيروس كورنا بفلسطين ، للإجراءات الاحترازية و الوقائية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية فور العلم بزيارة بعض المجموعات السياحية الكورية و اليونانية ل بيت لحم ، و احتكاكها بالمواطنين الفلسطينيين ، مما جعل الرئيس عباس يعلن على الفور حالة الطوارئ ، وهو قرار حكيم أثبت نجاعته ، و تلقى مدحا من قبل منظمة الصحة العالمية التي صنفت فلسطين من الدول المتقدمة في مجال اتخاذها الإجراءات الوقائية للتصدي لوباء كورونا.

في غزة ، كانت خطوة جيدة أيضاً من قبل حماس بتحويل العائدين من المعابر إلي أماكن الحجر الصحي، و منع التجمعات في المساجد و صالات الأفراح و المطاعم ، و التنسيق المباشر مع وزارة الصحة الفلسطينية ب رام الله ، لفحص العينات ، مما جعل المرض ينحصر وجوده ضمن أماكن الحجر الصحي، و أن لا يصل إلي الشارع الغزي ، حيث أن عدد المصابين في غزة حتى تاريخ 27/3/2020 بلغ 9 إصابات فقط .

و على الرغم من انتشار الكثير من الشائعات حول انتشار الفيروس بين عدد كبير من المواطنين في غزة ، إلا أن مكتب وزارة الصحة بغزة نجح في طمأنة الناس من فترة لأخرى، بإخبارهم بالعدد الحقيقي للمصابين، حتى لا يتم نشر الهلع بين سكان غزة ، و نتوقع أن يتم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من قبل حكومة حماس بغزة ، للحد من انتشار الوباء عبر فرض حظر التجول في القطاع.

و بالعودة لفيروس كورنا ومصدره الحقيقي، لحتي الآن لم يستطع أي عالم أن يُحدد أصل الفيروس ، هل هو فيروس مصدره الحيوانات ، أي تم تم نقله عبر الخفاش أو حيوان أكل النمل الحرشفي أم هو فيروس مفتعل تم تصنيعه ضمن مختبر بيولوجي كنوع من الأسلحة البيولوجية التي تسربت وتم فقدان السيطرة عليها.

لا أحد يستطيع أن يجزم هذا الأمر، وفي نفس الوقت لا أحد يستطيع أن ينفى وجود نظرية المؤامرة في قصة انتشار هذا الفيروس الخطير.

حيث اتهم المتحدث باسم الخارجية الصينية، تشاو لي جيان رسميا الجيش الأمريكي بمسؤوليته حول تفشي هذا الفيروس في مدينة ووهان الصينية ، و في نفس الوقت كذب وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو المسؤول الصيني ، ووجه الاتهامات مباشرة ً للحزب الصيني الحاكم ، و اتهمه بأنه يحجب عن العالم المعلومات التي يحتاجها للحيلولة دون حدوث إصابات أخرى بفيروس كورونا، و قد احتدت وتيرة الاتهامات المتبادلة بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أن وصل الأمر بأن يلقب الرئيس الأمريكي ترامب فيروس كورونا بالفيروس الصيني ، تلميحا منه بمسؤولية الصين عن تفشي هذا الفيروس في كافة أنحاء العالم.

كما هو واضح جدا، هناك جدل كبير بين الدول العظمى بالعالم حول مصدر هذا الفيروس، و هناك تبادل خطير للاتهامات بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين، حيث يُحمل كل طرف مسئولية انتشار هذا الفيروس للآخر.

و كما ذكرت سابقا ، لا أحد يعلم الحقيقة ، و لا أحد يستطيع أن يوجه اتهام لأي دولة بالعالم ، دون وجود دليل علمي و مادي يدعم هذا الاتهام ، لكن الشيء المؤكد أن الحكومة الصينية ، و بعد تفشي وباء كورونا بين أبناء شعبها ونجاحها في فترة قياسية بالقضاء على هذا الوباء في بلادها ، أثبتت قدرتها المتفوقة على التعامل مع هذا الوباء الخطير ، و هي لديها الآن الخبرة الكبيرة في التعامل مع هذا الوباء ، من ناحية كيفية توظيف الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الوباء ، ومن ناحية أيضا تجربة بعض الأدوية الفعالة التي ساهمت بشفاء عدد كبير من المصابين الصينيين بمرض كوفيد 19 ، وربما هذا ما دعي مصر بأن ترسل وزيرة الصحة المصرية للصين للتواصل بشكل عاجل مع وزارة الصحة الصينية لطلب المشورة من وزارة الصحة الصينية في كيفية التعامل مع هذا الوباء.

لذا لا أحد يستطيع أن يقلل من قدرة الحكومة الصينية على التعامل مع وباء كورونا، وقدرتها على إنهاء هذا الوباء في بلادها، فقد أعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بتاريخ 10/3/2020 ، أنه "تمت السيطرة عمليا" على تفشي فيروس كورونا المستجد في مقاطعة هوبي بؤرة انتشاره وعاصمتها ووهان ، و قد فرغت بالفعل معظم المستشفيات الصينية من المرضى المصابين بفيروس كورونا ، حيث وصلت نسبة الشفاء نحو 88 % من إجمالي 81 ألف إصابة و ذلك حسب ما ورد في تقرير لموقع الجزيرة ، وهي تُعد نسبة شفاء عالية .

ومن الجدير بالذكر، أن الرئيس الصيني أعلن استعداد بلاده لإرسال المساعدات و توفير الدعم للدول المصابة عبر إرسال فرق طبية صينية إلي البلاد التي تفشى بها فيروس كورونا، لنقل الخبرات الطبية الصينية في مجال التعامل مع مرض كوفيد 19 الناتج من فيروس كورونا.

فقد أرسلت الصين وفدا طبيا إلى إيران و العراق و صربيا و إيطاليا ، و قد تم ملاحظة ارتفاع نسبة الشفاء في إيطاليا بعد وصول الدعم الصيني.

لذا لماذا لا تحذو السلطة الفلسطينية حذو الدول الأخرى، بحيث يقوم الرئيس عباس بالتواصل مباشرة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ، لطلب الدعم و المشورة في التعامل مع هذا الوباء الخطير قبل أن يصبح هذا الوباء خارجا عن سيطرة الفلسطينيين ؟

لماذا لا يطلب الرئيس عباس من الصين ارسال فريق طبي استشاري صيني إلي كل من الضفة الغربية و قطاع غزة لتقديم المشورة الطبية لوزارة الصحة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة حول الأدوية الفعالة التي استخدمتها الصين من أجل شفاء المصابين الصينيين ؟

ليس مستغربا أن يتصل الرئيس الأمريكي ترامب، رئيس أكبر دولة بالعالم ، بالرئيس الصيني لتبادل معلومات حول وباء كورونا ، بعد أن شن هذا الرئيس الأمريكي حربا تجارية خطرة على الصين ، مما يُشير ذلك ، أن الصين ربما لديها الداء و الدواء بسبب خبرتها الكبيرة في التعامل مع الأوبئة منذ عدة عصور و ربما لديها معلومات خفية حول هذا الفيروس ، جعلت الرئيس الأمريكي يتنازل عن غروره ليطلب المشورة من الصين المنافس الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية.

في الواقع ليس لدى أي معلومات رسمية حول إذا كانت السلطة الفلسطينية تواصلت بالفعل مع الصين لطلب الدعم للحد من هذا الوباء ، سوى خبر تم نشره عبر وكالة وفا بتاريخ 15/2/2020 ، أي قبل انتشار الوباء بفلسطين ، مفاده أن الرئيس عباس استقبل بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، السفير الصيني قواه وي لكي يُعرب عن تضامن شعبنا الفلسطيني وقيادته مع الصين، وثقته الكبيرة بقدرتها على تجاوز هذا التحدي الكبير، مشدداً على استعداد دولة فلسطين لتقديم الإمكانيات المتاحة كافة، للوقوف إلى جانب الصين في هذه المحنة.

لكن بعد انتشار الوباء بفلسطين، و تراجعه في مدينة ووهان الصينية ، أعتقد أننا نحن الفلسطينيون من يحتاج الآن لدعم الصين لنا ..

فلنتواصل مع الصين خاصة، أن الصين تُعد من أكثر الدول التي تدعم الشعب الفلسطيني، و خاصة أن فلسطين ليست محسوبة على المعسكر الأمريكي الذي ينافس الصين ، فمنذ لحظة الإعلان الصريح لترامب بانحيازه الكبير لإسرائيل و تجاهله لغضب الفلسطينيين حول ما يسمى صفقة القرن التي تتجاهل حقوق الفلسطينيين المشروعة بالتحرر من الاحتلال بشكل كامل و بالحصول على دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 ، يمكننا القول أن السلطة الفلسطينية هي خارج المعسكر الأمريكي ، بل تتمتع السلطة الفلسطينية بعلاقات ممتازة مع دول عظمى أخرى مثل روسيا و الصين ، بحيث يُمكن أن توظف السلطة الفلسطينية تلك العلاقات لطلب الدعم الطبي العاجل من الصين.

لذا لتتواصل السلطة الفلسطينية مع الصين رسميا، لطلب الدعم و المشورة الطبية، لعلنا نستطيع أن نوقف تفشي هذا الوباء الخطير في فلسطين بشكل نهائي، حتى لو كان عدد المصابين محدودا، لكن لا أحد يعلم متى قد تنفجر قنبلة كورنا الموقوتة في وجه الشعب الفلسطيني بشكل مفاجئ.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد