منذ الاتفاق الأخير على تنفيذ الاتفاقيات السابقة في الثالث والعشرين من نيسان الماضي لم ينتبه المتفاوضون على الحكومة إلى أنهم أغدقوا من المواعيد بالإعلان عنها ما يكفي لأن تفقد الناس ما تبقى من ثقة منزوعة أصلا بفعل سنوات من الحوارات والوعود السابقة، فمنذ التوقيع على اتفاق غزة ويجري الحديث عن أيام لإعلان الحكومة التي حددت الأطراف موعدها الأقصى لخمسة أسابيع انتهت دون أن تستوقف أحدا، حتى بعد مرور المدة لا زال هناك حديث عن ساعات وأيام.

لم ننتبه أنه لم يصدر حتى اللحظة مرسوم بتشكيل الحكومة وفقط ما صدر بعد نهاية المدة التي حددت هو كتاب تكليف بتشكيلها طبعا بعد أن شارف هذا التشكيل على نهايته، ولم ننتبه أن رئيس الحكومة لم يشارك في تشكيل حكومته وأن هناك من يشكلها له في ظاهرة فريدة، ولم ننتبه أيضا أن مرسوم الانتخابات لم يصدر بعد وكل هذا يجري بعيدا عن أعين القانون وحراسته.

ومع كل التعقيدات التي استنزفت كل هذا الوقت الذي تجاوز المدة الطويلة التي حددها المتفقون بات من الواضح أنه يفصلنا عن الإعلان عن الحكومة ربما ساعات، انتظر الناس ولادة حكومتهم بسرعة لكن يبدو أن ترف الوقت لدى المتحاورين منفصل تماما عن آلام وعواطف وآمال الذين ملوا انتظار المولود بعد سلسلة دورات طويلة من الحمل الكاذب، هذه المرة الحمل حقيقي لكن الولادة متعسرة، وفي النهاية نحن أمام حكومة وحدة بعد كل هذه السنوات الطويلة من الانقسام والاقتسام، حكومة حلمنا بها طويلا حد اليأس وانعدام الأمل، أخيرا ها هي تتحقق ولديها من العمل ما يوازي عبء سنوات الانقسام السبع الماضية وما أورثته من أكياس ملح كانت ثقيلة ومؤلمة على أكتاف المواطن وبالتحديد في غزة التي طحنت وكانت تدفع فاتورة كل الأزمات سواء في الداخل الفلسطيني أو حتى على الصعيد الإقليمي والدولي.

مهمات الحكومة ثقيلة وتتضاعف في غزة التي انهارت فيها معظم القطاعات والخدمات وعاشت سنواتها الأخيرة على التسول وبانتظار المحسنين ممن يرصف شارعا أو يبني مؤسسة فيما شهدت الخدمات تراجعا هائلا سواء التعليم أو الصحة أو الاقتصاد الذي انهار بفعل الإغلاق والحصار وسوء الإدارة وانعدام الخبرة وطغيان الحزبي على الوطني وتركيب المؤسسة اعتمادا على الولاء وليس الكفاءة.

وعلى مستوى الوطن من حقنا أن نلقي بكل الأسئلة أمام الحكومة القادمة وهي تساؤلات مشروعة قياسا بالإمكانيات ولماذا فشلنا حتى الآن في تحقيق اكتفاء ذاتي في الصحة ولا زلنا عاجزين عن علاج الكثير من الأمراض في مستشفياتنا ولا زالت التحويلات للخارج جزءا من السياسة الطبية؟ وهل المشكلة في المال؟ المنطق يقول إن ما يدفع من تحويلات مالية للمشافي الإسرائيلية والمصرية والأردنية وربما أخرى قادر على بناء أكبر المستشفيات وشراء أحدث الأجهزة أم المشكلة في كفاءة الأطباء؟ إذا كان الأمر كذلك علينا التعاقد مع أطباء من الخارج، هذا تحد واختبار للحكومة وأحد المهمات التي سنحكم على جدارتها.

أما على مستوى التعليم فسنلاحق الحكومة بسؤالنا الدائم، لماذا يهرب الناس الذين يبحثون عن تعليم أفضل لأبنائهم نحو المدارس الخاصة؟ ولماذا تبدو المدارس الحكومية بهذا المستوى المتدني وغير المقبول قياسا بالخاصة بالرغم من كل الإمكانيات والرعاية والإدارة والوزارة؟ والنتيجة أن طالب " التوجيهي " لا يستطيع إجراء حوار باللغة الإنجليزية، أما على صعيد الجامعات فالمقارنة البسيطة بين خريجي جامعات الخارج من الأبناء وبين طلاب جامعاتنا تظهر الهوة الكبيرة وإن كانت جامعات الضفة أفضل من غزة التي تشهد انفلاتا تعليميا في عدد الجامعات التجارية، والتحدي أمام الحكومة على صعيد التعليم لا يقل عن الصحة.

لهذا على الحكومة القادمة إنهاء انتظار العلاج الحقيقي والتعليم الحقيقي خارج الوطن فقد آن الأوان أن تستوقف الحكومات هذا المستوى المخجل الذي تبدو فيه المستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة أفضل أداء وأعلى كفاءة من المستشفيات والمدارس الحكومية وخاصة أننا نتحدث عن حكومة كفاءات أي حكومة خبراء واختصاص وإذا لم تتمكن من حل ذلك يصبح من حق كل مواطن أن يسأل عن حجم الأموال التي تستنزفها وزارتا الصحة والتعليم لتعطينا هذا المستوى من الأداء والخدمات.

وبالتأكيد ينطبق ذلك على كل الوزارات القائمة فما قدم حتى اللحظة من أداء منذ تشكيل السلطة لم يرق لمستوى حلم مواطن يقاتل منذ عشرات السنين لإقامة دولته ومؤسساته ويصبح سيد نفسه وخادم نفسه، ثم يكتشف أن أحزابه أعجز من أن تقدم له سوى صراع على تلك المؤسسات وأن يتراجع المواطن إلى ذيل قائمة الأولويات بالنسبة لنظامه السياسي وفصائله وهذا ما تجسد من سبع سنوات من الانقسام الذي يوشك على أن يقلب آخر صفحة من صفحاته السوداء التي تركت آثارها من ندوب على جلودنا وأرواحنا.

هذه حكومتنا التي انتظرناها سنوات طويلة، ومجرد تشكيلها يحمل بشرى الخير لكل مواطن ينتظر منها أكثر بكثير من إمكانياتها، هذه أولى العقبات التي تنتظر الحكومة أن التوقع منها أكبر بكثير من الواقع وأنها تبدأ من تحت الصفر محملة بإرث سنوات أطاحت بما تم بناؤه سابقا، ليس هناك متسع للتصيد في تجاوزات التشكيل سواء من فصائل أو شخصيات كانت تأمل بأن تجد نفسها في الحكومة، علينا دعم التشكيل وتسهيل مهمته وما بيننا وبين الحكومة هو عقد عمل إن لم تستطع أن تعمل وفقا لما نريد وإن لم تقدم الخدمة التي نريد ...وإن لم تكن بمستوى ما نريد حينها .. حينها فقط سنهاجمها بكل قوة .. سندعمها ولكن بالمرصاد ..!

Atallah.akram@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد