في الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي وبعد أكثر من تأجيل أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبحضر رئيس وزراء حكومة الاحتلال نتنياهو عن صفقته المشؤومة التي سبق وأن بدأ الترويج لها منذ أن أعلن عن ملامحها الرئيسية في السادس من ديسمبر عام 2017، وتقوم على خمسة محاور، المحور الأول اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال، المحور الثاني تصفية قضية اللاجئين، والمحور الثالث ضم مناطق الأغوار وتلك الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات، اما المحور الرابع فهو اعتبار قطاع غزة مركزا لحل القضية الفلسطينية حسب وجهة النظر أمريكية، ويشكل المحور الخامس المتمثل بمحاولة الغاء وتبديد التمثيل السياسي الفلسطيني الموحد للشعب الفلسطيني أحد وبل اخطر هذه المحاور كونه يبحث عن من يمكن ان يتعاطى مع هذه الصفقة البائسة.

ومنذ ان اتضحت تلك المحاور أعلنت القيادة الفلسطينية على لسان الرئيس أبو مازن رفضها دون الانتظار لإعلانها انطلاقا من ان المعروف منها يكفي لرفضها كليا، وقد اعتبر هذا الموقف أساسا لكل مواقف القوى الفلسطينية التي توالت على رفض الصفقة.

وقد جاء الإعلان رسميا عن تلك الصفقة ليؤكد خطورتها وانها جاءت نتيجة تفاهم بين نتنياهو وترامب، اذ رسمت الإدارة الامريكية وحكومة الاحتلال العنصرية وفقا لرؤيتهما تلك كل تفاصيل خارطة القضية الفلسطينية والاجهاز على كل منجزات ومكتسبات شعبنا التي تحققت عبر نضاله الدؤوب وتضحيات أبنائه وبناته وبدماء الشهداء و الجرحى، وعذابات مئات آلاف الأسرى والمعتقلين ورسمت خارطة التصفية المشؤومة التي رسموها خارطة تكريس الاحتلال والعنصرية، ومثلت انقلاباً فظاً على قرارات الشرعية الدولية التي مثلت قراراتها ذات الصلة بالقضية الفلسطينية الأساس الممكن لحل الفضية الفلسطينية وبما ينسجم مع ميثاق الجمعية العامة للأمم المتحدة بصون الامن والاستقرار وتحقيق السلام على أساس العدل في العالم، ان تلك الصفقة حاولت بذلك نسف قرارات الشرعية الدولية ومحاولة لاستبدالها برؤية ترامب الأمر الذي يمكن ان يشكل سابقة ليس فقط تجاه القضية الفلسطينية بل لتسوية أي نزاعات في العالم.

وبالنظر للخرائط المرفقة  بالصفقة فإنها تمثل خارطة انكار كلي لحق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وانكار حقوق لاجئي شعبنا في العودة وفقا للقرار الدولي 194، وما تناولته الخطة المذكورة بحق أبناء شعبنا في منطقة المثلث يمثل بكل وضوح خارطة تكريس قانون القومية العنصري ليهودية دولتهم ويحمل مخاطر ترانسفير جديدة تطال مئات آلاف من أبناء شعبنا، ومن هنا وانطلاقا من رؤية هذه المخاطر التي تستهدف على المستوى البعيد منظومة المجتمع الدولي برمته فقد جاء تحرك القيادة الفلسطيني على المستوى العربي والإسلامي والدولي لمحاصرة الصفقة سريعا. فعلى المستوى العربي رغم بعض المواقف المائعة لبعض الدول الا ان بيانات كل من وزراء خارجية الدول العربية وكذلك موقف منظمة المؤتمر الإسلامي والقمة الافريقية والاتحاد الأوروبي والاتحاد البرلماني العربي والعديد من برلمانات العالم بالإضافة لمواقف غالبية الدول في مجلس الامن كلها حملت رفضا لتلك الصفقة واعتبارها مخالفة لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.

وقد شكلت مجمل تلك المواقف سياجاً حاميا للموقف الفلسطيني وسلاحا سياسيا ودبلوماسيا لا يستهان به بل يجب مواصلته دون تردد، ان هذا الحراك السياسي وفر دون شك فرصة لاستمرار محاصرة الصفقة واستمرار التركيز على افشال كل القنوات التي تحاول التسلل منها تماما كما افشلت المحاولات التي حاولوا شقها باعتماد المسار الاقتصادي والإنساني على حساب الحل السياسي سواء في ورشة نيويورك شهر اب عام 2018 ووارسو مطلع عام 2019 ومن ثم ورشة البحرين في نيسان عام 2019.

ان فشل تلك المحاولات يؤكد انه بالإمكان اسقاط هذه المؤامرة تماما كما تمكن شعبنا من اسقاط مئات المشاريع التصفوية المشابهة مرتكزا في ذلك لوحدته الوطنية سلاحه الأمضى في مواجهة كل المؤامرات.

وما من شك فان جماهير شعبنا وقواه السياسية كافة قالت قولها الفصل في رفض هذه المؤامرة الجديدة وهبت في كل الساحات والميادين رفضا لها، لكن ذلك ما زال يتطلب من القوى السياسية الإسراع في اغلاق كل الثغرات التي يحاول أعداء شعبنا استغلالها لتمرير هذه المؤامرة، المر الذي يتطلب استعادة الوحدة الوطنية فورا وبدون أي تلكؤ والبدء بإجراءات هادئة ومدروسة لإنهاء الانقسام ورفض أي مسارات ذات طابع اقتصادي وانساني على حساب الحل السياسي خاصة في قطاع غزة كما يتطلب التمسك بوحدة الموقف الفلسطيني الرافض للصفقة انطلاقا من انها ليست على طاولة البحث مع أي كان. ان ذلك يعني ودون أي مواربة بان لشعبنا قضية واحدة وممثل واحد هو منظمة التحرير الفلسطينية، وفي هذا السياق لا بد من البناء على اجتماع القيادة الفلسطينية الذي عقد بدعوة من الرئيس أبو مازن مساء الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي الذي شاركت فيه كل الأطراف بما فيها حركتي حماس والجهاد، ان البناء على ذلك يتطلب الابتعاد عن المناورة والمماطلة التي تلت ذلك.

ان ذلك يتطلب تعزيز صمود شعبنا بكل وسائل الصمود المتاحة وتفعيل المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال والاستيطان، كما وتتطلب أولاً وأخيرا وضع الآليات المناسبة لتنفيذ قرارات المجلس الوطني والمجالس المركزية فيما يتعلق بانهاء كل التزامات واتفاقات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة مع دولة الاحتلال، وما ترتب عليها من التزامات بما فيها التنسيق الأمني وغيره، والعمل الفوري على تعزيز الدور الكفاحي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها باعتبارها قائدة المشروع الوطني في مرحلة التحرر الوطني.

ان وحدة الموقف الفلسطيني الرافض ل صفقة القرن وتطويره لوحدة شاملة بإنهاء الانقسام يشكل دون شك حجر الزاوية في افشال هذه المؤامرة خاصة وان مواقف الاحرار وغالبية بلدان العالم تقف الى جانب موقف شعبنا ونضاله العادل لنيل حقوقه الثابتة في العودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس فوق أراضيه المحتلة عام 1967. 

مرة أخرى فقد دللت تجارب الشعوب قي مقدمته تجربة شعبنا الفلسطيني ان الوحدة الوطنية الراسخة هي الطريق المجرب لإفشال كل المؤامرات وتحقيق الانتصارات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد