ليس من باب الاستخفاف بالأمر، بل لقياس مؤشرات تعاطي حكومتي فلسطين مع انتشار المرض، وفرض سياسة تقضي بتوخي الحذر وتطويق انتشاره والحد منه، والحفاظ على سلامة مواطني الحكومتين، فقد أعلنت الحكومة الكُبرى عن خطة طوارئ لمدة شهر تقضي بوقف المسيرة التعليمية وبعض المرافق العامة، وصُدمت الحكومة الصُغرى من انتشار خبر خطة الطوارئ كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أن سكان منطقة الحكومة الصُغرى جزء من مكونات الوطن الذي نادت به الحكومة الكُبرى، للحد من انتشار فايروس كورونا ، الذي يجتاح مدن العالم، دون سابق انذار، ودون التوصل لمصل يقضي على الفيروس حتى اللحظة.

سجلت حالة اعلان الطوارئ بسبب فايروس كورونا، حالة انقسامية جديدة في المواقف بين طرفي الحكومتين، فالأول اعتبر أن قطاع غزة بالتحديد جزء من مكونات الوطن، في حين رفض الطرف الثاني أن يكون قطاع غزة جزء من مكونات الوطن يحمل مرض كورونا، تصاعدت ألسنة التغريدات على الفيس بوك، لمعرفة موقع غزة من الاعراب في الكينونة الفلسطينية، وهل حقاً نحن جزء من الوطن الذي يُمارس عليه الازدواجية والعنصرية والعقوبات وغيرها من المسميات.

أخيراً توحدت حكومات فلسطين في الوطن، بعد أن مارس المواطن حقة في الضغط على صُناع القرار من أجل القَبول بخطة الطوارئ التي تم الإعلان عنها، لنُسجل بذلك بارقة أمل نحو انهاء الانقسام، وإن كان الإعلان بمثابة شرارة جديدة لاستمرار حلقات الانقسام، بعد أن رفضت جهات مسئولة في الحكومة الصغرى بيان حالة الطوارئ ورفضه، لعدم وجود مُصابين بفيروس كورونا في محيط حكومتهم.

عندما تُفكر العقول الفلسطينية وتُريد أن تُبدع في تفكيرها، عليها أن تمسح الذاكرة التي تتعلق بالانقسام السياسي من ذهنها لصالح مراعاة حقوق وواجبات المواطنين، وأن ينسجم التفكير وفقاً للمصالح الصحية والطبية، في كيفية تجنب الإصابة بالمرض أو نقله، والبحث عن أدوات حقيقية لتجنب الكارثة، وترك التصريحات والتعليقات السخيفة جانباً، فوقت وقوع الكارثة، لا يكتوي بنيرانها إلا الفقراء وأصحاب الحاجة، وليس طرفي الانقسام، فقد بات واضحاً أن استخدام معاناة المواطنين والمتاجرة بها سياسياً سمه غالبة في حديث رجال السياسة.

كورونا لن يُفرق بين غزة والضفة بين أخضر وأصفر، بين طفل وشيخ، بين رجل وامراه، كلنا أمام كورونا سواسية، كلنا أمام كورونا ضحايا، الحذر ودرئ الخطر واجب ديني ووطني وأخلاقي، لن يهمنا من أعلن حالة الطوارئ بقدر ما يهمنا الحفاظ على مكونات المجتمع سلمية ومعافاه وصحية دون أي مرض، لأنه يكفينا فيروس الانقسام المتشعب في بيوتنا ومدننا منذ 14 عام، ولم تجد تلك القيادة حلاً أو مصلاً يقضي على الانقسام ويُعيد للوطن هيبته، فلا فرق بين كورونا والانقسام، فكلامها فتاك بالمواطن والوطن.

العالم يتحد من أجل الوصول إلى علاج لفيروس كورونا، ونحن ننقسم في كيفية مواجهته، فنحن بلاد الانقسام، فقد أصابنا الفيروس ولا زال متفشي بين صفوفنا ويقضي علينا ببطء شديد دون أن نتعظ أو نسعى للعلاج.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد