قال العالم والمفكر الإسلامي السوري محمد راتب ال نابلس ي في إحدى محاضراته القيمة , إن الله فطر الإنسان على ثلاث غرائز أساسية , فالإنسان يسعى لتحقيقها بحسب أولوياته , فالأولوية الأولى للإنسان هي إشباع غريزة البطن , وهي تتمثل في المأكل والمشرب للحفاظ على العيش والبقاء , والثانية هي إشباع غريزة الجنس , وتتمثل في الزواج , للحفاظ على النسل وتكوين نواة المجتمع , أما الثالثة فهي غريزة معنوية أكثر منها مادية , وهي تتمثل في حاجة الناس للظهور المتميز في المجتمع , وكسب الشهرة والنجومية وإثبات الذات...

ما ذكره العالم النابلسي أعلاه من أولويات للإنسان , لم ولن تتحقق إلا بالرزقة , ومن خلال السعي والعمل وكسب المال , فإذا كثر المال تحققت الغرائز الثلاث , وإذا قل المال , إقتصرت على واحدة وهي غريزة البطن , وإذا إنقطعت الرزقة وإنقطع المال , فهذا يعني أن الإنسان سيفقد إشباع أهم غريزة وهي "البطن" ومن ثم سيفقد البقاء , وحينها سيتحول الإنسان الى كائن يبحث عن البقاء بأي وسيلة وبأي ثمن..

الرزقة في دولة فلسطين وإن وجدت , تختلف عن الرزقة في أي مكان آخر, كون فلسطين تقع تحت "الإحتلال والإنقسام" , ففي عدم وجود وظائف وفرص عمل داخل الدولة المنقسمة والمقسمة , يلجأ الشباب الى العمل في الخارج , أو داخل إسرائيل , وقد يكلفه هذا حياته , فكلنا نعلم ماذا يحدث للمهاجرين عبر البحار , وبالإضافة الى المال الذي سيدفعه لقاء السفر للخارج أو داخل إسرائيل , فما يسمى اليوم بتصريح التجارة , وهو أحد بنود التفاهمات بين حماس وإسرائيل , يكلف الشاب الغزي إذا ما أراد الحصول عليه , 1000 دولار تقريباً , وهو معرض أن يسحب منه في أي لحظة , والسفر للخارج يكلف الشاب الغزي 5000 دولار فما فوق , سواء كان شرعي أو غير شرعي , وهذا بالطبع في حال توفير فرصة المبادرة والمغامرة من الأصل , فهناك شباب يسعون منذ سنوات للمغامرة في ذلك ولم تتح لهم الفرصة , سواء للعمل في إسرائيل أو في الخارج , فكل شيئ مرهون بالتغيرات السياسية , فقبل أيام قررت إسرائيل إستثناف بنود الهدنة مع حماس , وبالأمس تراجعت عن القرار بسبب إطلاق الصواريخ مجدداً , وربما بعد ساعة تستأنف بنود الهدنة , وربما غداً تتراجع , ومن هنا أصبحت الرزقة في فلسطين ليس غالية الثمن فقط , بل ومرهونة .

الرزقة تتطلب منا كفلسطينيين أن نترك البلاد المنقسمة والمقسمة , وندفع المال للهجرة , ونواجه الموت , أو نعمل داخل إسرائيل لنكون مطبعين كما يوصفوننا العرب , هذا وإن كنا نملك زمام المبادرة كشباب, فماذا عن المرأة والتي لا تملك قرار السفر والعمل والمجازفة , ولا تملك حضانة ورعاية الدولة , ولا تملك رب الأسرة نتيجة موته أو عجرة , فبأي طريقة ستأكل هذه المرأة هي وأطفالها , سوا بالجلوس على أبواب الجمعيات والمساجد , لتكون فريسة للناظرين وللواصفين (...) ها هي الرزقة في فلسطين , ذات الأثمان الغالية , المال والحياة والصحة والهجرة والكرامة..

كاتب صحفي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد