قبل حوالي شهر، وفي سياق أزمة الاتفاق النووي الإيراني، استجابت ثلاث دول أوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لضغوط أميركية، كي تحمّل إيران مسؤولية خرق بنود الاتفاق النووي الإيراني، الضغط الأميركي، حسب «واشنطن بوست» تمثل بتهديد إدارة ترامب لهذه الدول بفرض رسوم جمركية على واردات السيارات من أوروبا، إذا لم تستجب لمطالبتها بتوجيه اتهام رسمي لإيران بهذه المسؤولية من خلال مطالبة هذه الدول لطهران بتفعيل آلية فض النزاعات الواردة في الاتفاق المذكور.
أوائل الشهر الجاري، ناقش الاتحاد الأوروبي إصدار بيان مشترك من قبل 27 دولة أوروبية ضد صفقة ترامب ـ نتنياهو والتحذير من تداعياتها، إلا أن هذه الدول لم تتفق على الصيغة التي اعدها وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الذي اضطر إلى إصدار البيان من مكتبه، إذ ان قرارات الاتحاد الأوروبي تؤخذ بالإجماع، وهو الأمر الذي لم يحدث بنتائج النقاش حول البيان المذكور، والذي اعتبرته إسرائيل تهديداً مباشراً لها، رغم ان البيان المشار إليه والصادر عن مكتب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، يتبنى عملياً ما سبق وأن اعلنه الاتحاد في الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي، أي قبل عدة أيام من صدور البيان الأخير، من ان الاتحاد مازال ملتزماً بـحل الدولتين، إلا انه أشار الى ضرورة دراسة وتقييم المقترحات التي تضمنتها صفقة القرن ، الأمر الذي يشير الى تردد واضح، حول حدوث إجماع من قبل دول الاتحاد الأوروبي حول موقف واضح ومحدد وجريء من صفقة ترامب ـ نتنياهو، وهو الموقف الذي تضمنه بيان وزير خارجية الاتحاد.
مع ذلك، فإن هناك من يرى ان الاتحاد الأوروبي، بإمكانه أن يلعب دورا مهما في سياق رفض صفقة ترامب ـ نتنياهو، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، والتي كانت تقوم بدور المروّج للسياسة الأميركية داخل الاتحاد، خاصة بعد وصول بوريس جونسون الى رئاسة حكومتها، وهو الذي يعتبر ترامب، نموذجاً ورائداً وقدوة، وبسبب إزالة هذا الاختراق البريطاني الذي كان احد أسباب عدم اتخاذ الاتحاد الأوروبي العديد من القرارات والتوجهات، فإن إمكانية تعديل الموقف الأوروبي إزاء صفقة ترامب ـ نتنياهو باتت اكثر احتمالاً مما كان الأمر عليه قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ترجمة هذا الاحتمال، جاءت في سياق التغطية الإعلامية الاسرائيلية لما سمته تحولات في السياسة الخارجية الأوروبية حول الشرق الأوسط بعد خروج بريطانيا، وان عدول نتنياهو عن تهديداته بالتنفيذ الفوري لضم الضفة الغربية أو أجزاء كبيرة منها، بما يسمى إعلان السيادة على تلك المناطق، لم يكن فقط بسبب موقف أصدقائه الأميركيين الذين دعوه إلى تأجيل مثل هذا القرار الى ما بعد الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية في الثاني من آذار القادم، بل وحسب الإعلام الإسرائيلي، ان هذا القرار بالتأجيل، جاء أيضاً بسبب تهديد واضح من قبل دول نافذة في الاتحاد الأوروبي، من أن هذه الدول ستسارع إلى الاعتراف بدولة فلسطين مع تعليق تمويل هذه الدول لمبادرات أبحاث وتطوير إسرائيل وبرامج أوروبية إسرائيلية مشتركة في حال تنفيذ نتنياهو لتهديداته بضم مناطق واسعة من الضفة الغربية المحتلة، إضافة الى ان الاتحاد الأوروبي يجري اتصالات مع القيادة الفلسطينية بهدف عقد اجتماع بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزراء خارجية دول الاتحاد في بروكسل من اجل البحث في سبل مواجهة خطة ترامب.
من كافة المكونات السياسية، العربية والإقليمية، يعتبر الاتحاد الأوروبي الأكثر أهمية في سياق السياسة الدولية. ان توظيف تلك الجبهة الإقليمية والدولية المؤيدة للحقوق الفلسطينية وموقف قيادة الشعب الفلسطيني إزاء مواجهة صفقة ترامب ـ نتنياهو، من شأنه أن يشجع دول الاتحاد الأوروبي على اتخاذ الموقف المناسب والذي تبناه وزير خارجية الاتحاد في بيانه المشار إليه، وتشكل القرارات الصادرة عن وزراء الخارجية العرب، والبرلمان العربي، ومنظمة التعاون الإسلامي، داعماً للمطالبة الفلسطينية من قبل الاتحاد الأوروبي، كي يقود المواجهة الدولية لهذه الصفقة والتي من الممكن ان تشكل خطة السلام الفلسطينية التي طرحها الرئيس أبو مازن قبل عامين أمام مجلس الأمن الدولي، احد اهم مرتكزات هذه المواجهة!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية