في كثير من الاحيان يتوجب علينا قراءة التجارب الماضية ،ودراستها من كل جوانبها حتى نستطيع ان نخرج بتصور سليم يساعدنا في فهم الحاضر وتوقع المستقبل ، ورغم أن الكثير من القراءات والتحليلات قد لا تتحقق لأسباب مختلفة، إلا ان مجرد محاولة فهم الامور ووضع الاحداث في إطارها الصحيح قد يجنّبنا الكثير من الخسائر ويوفر علينا الكثير من الجهد والوقت !!

ونحن هنا نشير إلى موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر من اكثر من سبعين عاماً ، والذي افتقدنا خلاله كشعب فلسطيني وقوى مقاومة إلى الدراسات والتحليلات الموضوعية التي تساعدنا في معرفة طريقة تفكير العدو ، وكيف يضع خططه العدوانية ،وبالتالي وضع الخطط المناسبة لمواجهتها وإفشالها !!

ما نسعى إليه من وراء هذه المقدمة القصيرة هو الإشارة إلى ان العدو يعتمد بشكل أساسي على خطط معدة سلفا منذ فترات طويلة، ويشارك في وضعها خبراء من طرازٍ رفيع !! وأنه يحدد مواقيت وأزمنة عملياته المختلفة حسب ما يراه هو مناسبا ،وبما يخدم مصلحته السياسية او العسكرية .

وبناء عليه فنحن نحاول أن نستشرف في هذه العجالة ما يمكن ان تؤول إلى الامور خلال الفترة القادمة في ظل المتغيرات المتسارعة والتحولات الدراماتيكية التي تحدث في الاراضي الفلسطينية وارتباطها الوثيق ببعض الأحداث في المنطقة والعالم .

فالتوتر المتصاعد بين إسرائيل والفلسطينيين لا سيما في قطاع غزة ، يؤشر بوضوح إلى أن عملية عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة باتت وشيكة ، وان السؤال الاكثر إلحاحا في هذه الأيام هو عن توقيتها وليس عن إمكانية حدوثها من عدمه ، وهناك أسباب كثيرة تجعلنا نعتقد بتلك الفرضية ونقدمها على ما سواها من نظريات ووجهات نظر في هذا الإطار .

وبعد قراءة هادئة لمجريات الأحداث التي تشهدها المنطقة في هذا التوقيت بالذات خصوصا على مستوى القضية الفلسطينية ،يمكننا ان نحدد أربعة أسباب رئيسية نراها الاكثر ملامسة للواقع والأقرب للموضوعية من سواها ، وهي التي يمكن ان تدفع العدو إلى اتخاذ قراره باتجاه عملية عسكرية ضد قطاع غزة بغض النظر عن حجمها ومدتها.

أولى هذه الاسباب هو المأزق السياسي المستمر الذي يعيشه رئيس وزراء " إسرائيل " بنيامين نتنياهو ، حيث أنه فشل للمرة الثانية في تأمين فوز مريح في الانتخابات البرلمانية يسمح له بتشكيل حكومة جديدة تجنبه المثول امام المحكمة في قضايا الفساد المرفوعة ضده ، وهذا الوضع قد يدفع بهذا الرجل المعروف بمراوغته ودهائه إلى محاولة الهروب إلى الامام للنجاة من تلك الخاتمة المحتومة ، فإلى جانب محاولاته تحسين فرص فوزه من خلال عمليات عسكرية موضعية في اكثر من مكان في الإقليم ، وتفاخره بتحقيق طفرة على مستوى العلاقات مع بعض الدول العربية ، قد يلجأ إلى إقرار عملية عسكرية كبيرة ضد غزة ،يحاول إبرازها كنجاح مهم له في مكافحة ما يُسميه " الإرهاب " الفلسطيني خصوصا في ظل النزعة اليمينية المتشددة التي باتت تسيطر على المشهد الإسرائيلي .

اما ثاني الاسباب فهو الإعلان الامريكي عن " صفقة القرن " ، وهذا الإعلان أعطى العدو الإسرائيلي دفعة معنوية هائلة قد لا يكون حصل عليها في أي مناسبة أخرى ، وهذه الدفعة تشير بوضوح إلى أن الإدارة الامريكية الحالية جاهزة لتقديم كل ما يلزم من دعم عسكري وسياسي ومالي لحليفتها " إسرائيل " في أي مواجهة قد تخوضها ضد أي طرف كان ،خصوصا في ظل وجود شخصيات موالية لإسرائيل تقود وتحرك مجمل السياسة الأمريكية الخارجية كبومبيو وبنس ووزير الدفاع مارك إسبر ، كل ذلك قد يُغري نتنياهو ليتخذ قرار الهجوم على قطاع غزة مطمئنا لذلك الدعم الأمريكي الغير محدود .

ثالث الأسباب هو الموقف العربي المترهل والضعيف ، والمقصود بالموقف العربي ليس فقط موقف الأنظمة والحكومات ، بل أيضا موقف الشعوب التي وصلت في كثير من الاحيان إلى مرحلة من "التبلّد" وعدم المبالاة بخصوص ما يحدث في فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص ، مع استثناء بعض الشعوب الحية كالشعب اليمني الأصيل ، فالتدافع العربي الرسمي باتجاه إنشاء علاقات دبلوماسية مع العدو في العلن وبدون خشية من ردات فعل الشعوب المقهورة ، والمواقف التي بات يصدرها بعض القادة العرب عن "تفهمهم" لحق إسرائيل في احتلال الأرض وتهجير سكانها وقتل أبنائها بحجة الدفاع عن النفس، كل ذلك قد يعطي إسرائيل سببا إضافيا للاعتقاد بأن أي عمل عدواني قد تقوم به لن يُقابل بأي ردة فعل من تلك الدول ،وربما ينسحب هذا الأمر على كثير من الشعوب !! صحيح ان العدو لم يكن يقيم وزناً لمعظم الدول العربية في السابق، ولكن ربما كان يشعر بالحرج أو الضغط من خلال مواقفهم المستنكرة ومؤتمراهم الرافضة ، ولكنه الآن مطمئن إلى أنهم إن عقدوا مؤتمرات او اصدروا بيانات فستكون لإدانة مقاومة الشعب الفلسطيني ودفاعه عن نفسه .

أما السبب الرابع فهو تعاظم قوة المقاومة في قطاع غزة ، وهذا ربما يكون اهم الأسباب واكثرها حسما لناحية اتخاذ " إسرائيل " لقرار الحرب ، حيث ان العدو يحاول بين الفينة والاخرى" تقليم " أظافر المقاومة الفلسطينية ، ويسعي لعدم تجاوزها لبعض الخطوط الحمراء من وجهة نظره ، ويعتمد في هذا الإطار على تكتيك عسكري يقضي بدفع المقاومة الفلسطينية لاستهلاك ما لديها من مخزون استراتيجي على مستوى التسليح ، وكشفها عن مستوى التطور الذي وصلت له صناعاتها العسكرية المحلية او ما استطاعت أن تستورده من الخارج !!

وفي كثير من الاحيان يكون لدى " إسرائيل " معلومات استخبارية لا بأس بها عن إمكانيات المقاومة ، وهي بالتالي تسعى للتأكد من تلك المعلومات ، فالعدو لا ينتظر حتى تصبح المقاومة اكثر بأساً وأفضل تسليحا وتدريباً ، ويحاول على الدوام استنزافها وجعلها تعيش التهديد المستمر مما يؤثر حسب اعتقاده على فعاليتها وخططها التي تعدها للمستقبل .

كل ما ذكرناه من أسباب إضافة لغيرها من الأسباب الثانوية أو المستجدّة يشير إلى أن المرحلة القريبة القادمة قد تشهد تصعيدا عسكريا إسرائيليا باتجاه قطاع غزة ، وهذا التصعيد ليس بالضرورة ان يكون بنفس مستوى حرب2012 أو2014 مثلا، ولكنه لن يكون اقل من عملية عسكرية كبيرة يعتمد فيها العدو على سلاح الجو بالدرجة الاولى .

وهنا يبرز السؤال الاهم ؟؟ ما الذي يجعل العدو يتمهل ويتريث للذهاب باتجاه هذا الخيار ؟ وما هي الأسباب التي تجعل هذا التمهل يستمر فترة اكثر من المتوقع في ظل كثرة صواعق التفجير ؟

نحن نعتقد ومن خلال معرفتنا بكيفية تفكير العدو أن السبب الرئيسي لامتناعه أو تمهله عن القيام بتلك العملية هو قوة المقاومة في قطاع غزة !! وحجم الخسائر الهائلة التي يتوقع العدو أن يُصاب بها خصوصا على مستوى الجبهة الداخلية لديه !!إضافة إلى ذلك خشيته من أن يتم فتح جبهات أخرى للقتال خصوصا من جنوب لبنان ،وهو ما قد يشكّل تشتت غير مأمون العواقب لقواته التي تعاني أصلا على مستوى العقيدة القتالية والروح المعنوية !!

التفكير الإسرائيلي في الدقائق التي قد تلي أي عدوان على غزة وما يمكن ان تحمله من مفاجئات غير سارة له ولجبهته الداخلية هو الكابح الأساسي الذي يعرقل خروج خططه المعدة سلفا للعدوان على غزة .

كل ذلك يدفعنا للتأكيد على قناعاتنا التي يشاركنا بها معظم أبناء شعبنا ومعظم المخلصين من أبناء هذه الأمة العظيمة ، وهي ان القوة التي يملكها هذا العدو لا يمكن مجابهتها إلا بالقوة !! وأن ما يدعو إليه البعض من أفكار ورؤى ونظريات حول مجابهة العدو بالطرق السلمية وتنحية السلاح جانبا ما هي إلا افكار " استسلاميه " بائدة ، فلم يسجل التاريخ أن محتلاً خرج من دون مقاومة !! ولم نسمع في تاريخنا المعاصر أو القديم أن مجرماً قاتلاً قد نزل عند لغة العقل والمنطق والحق بمحض إرادته !!

وصدق ما قال :الحقوق تُنتزع ولا تٌوهب !!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد