منذ أن تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، لم يتوقف ترامب عن إطلاق تصريحات مؤيدة لإسرائيل، داعمه لصديقه نتانياهو في سياسته الأحادية الجانب التي تروج لفرض السيادة الإسرائيلية على القدس والجولان وضم غور الأردن وتثبيت الاستيطان في الضفة الغربية.

ولقد توج ترامب دعمه لإسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، عبر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس كعاصمة لإسرائيل، الأمر الذي جعل الفلسطينيين يحددون سياستهم بوضوح نحو مقاطعة كاملة للإدارة الامريكية التابعة لترامب.

لقد أعلن الرئيس محمود عباس بصفته رئيسا للسلطة الفلسطينية، وزعيما لحركة فتح، ورئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رفضه الكامل للاستسلام للشروط الأمريكية، ولخطة السلام التي اقتراحها ترامب لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

لكن ترامب تجاهل الرفض الفلسطيني، واستمر بالترويج لخطته المعروفة ب صفقة القرن ، دون أي اعتبار للغضب الفلسطيني من تلك الصفقة، بل على العكس من ذلك، بدأ يروج لصفقته عبر محاولة عقد تحالفات مع بعض الدول العربية من أجل دعم خطته المقترحة.

وتجدر الإشارة، أنه منذ بدء فريق ترامب الترويج لخطة السلام المرفوضة من قبل الفلسطينيين ، لم تختزل السلطة الفلسطينية أي جهدا من أجل افشال تلك الخطة قبل بدئها ، حيث استخدمت السلطة الفلسطينية أدوات الحشد الشعبي من أجل دعم موقفها الرافض لتلك الصفقة عبر توظيف وسائل الإعلام الفلسطينية من أجل إيصال رسائل للشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي ، حول عدم رغبة السلطة الفلسطينية بالتنازل عن مزيد من الأراضي الفلسطينية ، أو التخلي عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية على حدود 1967 ، و قد أكدت السلطة الفلسطينية أيضاً أن المرجعية الرئيسية لأية مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل هي الشرعية الدولية و القانون الدولي.

و بالفعل، لقد نجحت السلطة الفلسطينية في تحشيد الرأي العام الفلسطيني ضد صفقة ترامب و في توحيد موقف الفصائل الفلسطينية تجاه رفض خطة ترامب، مما أدى إلي فشل تلك الخطة قبل أن تبدأ، فقد ظهر ذلك جليا في الموقف الفلسطيني الموحد ضد تلك الصفقة عبر بيانات استنكارية من قبل الفصائل الفلسطينية وتظاهرات شعبية في بعض المدن الفلسطينية.

و إلي جانب نجاح السلطة الفلسطينية في توحيد الموقف الفلسطيني الرافض لتلك الصفقة ، نجحت السلطة الفلسطينية أيضاً في اقناع أعضاء المجتمع الدولي مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا و الدول العربية الكبرى مثل مصر و الأردن و المملكة السعودية بعدم دعم خطة ترامب للسلام بسبب انحياز تلك الخطة بشكل كبير لإسرائيل .

وبالفعل لم يعلن حتى الآن أي طرف دولي تأييده لصفقة القرن بشكل رسمي، بل شدد الجميع على أنهم يقبلون بحل الدولتين و أنه يجب أن يكون هناك مرجعية للشرعية الدولية و القانون الدولي عند البدء بأية مفاوضات تشمل الحل النهائي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

وبعد الاطلاع على معالم خطة ترامب للسلام التي أعلن عنها خلال مؤتمر صحفي تم عقده في البيت الأبيض يوم الثلاثاء بتاريخ 28 يناير 2020، و بحضور مكثف من اللوبي اليهودي و بمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو ، يمكننا القول أن موقف ترامب أثناء إعلان رؤيته للسلام بدون موافقة الفلسطينيين ، و بدون دعم الدول العربية الكبرى و دول الاتحاد الأوروبي ، يبدوا ضعيفا و مترددا ، حيث ظهر ترامب في صورة الصديق المخلص الذي يحاول انقاذ صديقه حتى أخر لحظة.

و لاشك أن إعلان ترامب لخطته الغير قابلة للتطبيق منطقيا و عمليا تبدو كأنها محاولة انقاذ لصديقه نتانياهو ، الذي يعاني من أزمة سياسية في بلاده ، حيث يتعرض نتانياهو لتهديد كبير قد يقضي على حياته السياسية في حال تم محاكمته جراء تهم فساد ، بالإضافة لذلك هناك تحضيرات إسرائيلية لانتخابات جديدة ، وربما أراد ترامب أن يؤثر على نتائج تلك الانتخابات لصالح اليمين الإسرائيلي الذي يتمتع بعلاقة وطيدة مع الحزب الجمهوري الأمريكي.

وختاماً، يمكننا القول بأن السلطة الفلسطينية عبر استخدامها أدوات القانون الدولي والحشد الشعبي نجحت بالفعل في افشال خطة ترامب للسلام قبل أن تبدأ، لأنه لا يمكن أن يتم تطبيق تلك الخطة بدون موافقة رسمية من قبل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وبدون أيضاً غطاء عربي ودولي.

وفي حال تم فرض تلك الخطة بالقوة على الفلسطينيين، فلن يعترف بها أحد سوى الولايات المتحدة الامريكية تحت إدارة الجمهوريين، و ستعتبر جزء من سياسة فرض أمر الواقع الإسرائيلية على الفلسطينيين ، و خطوة أحادية الجانب سيتم الطعن بشرعيتها في المحاكم الدولية، لأن العالم الحر و الدول الديمقراطية لن تؤيد سياسة استمرار الاستيطان الإسرائيلي و لن تؤيد أي دولة مهما كانت قوتها في حال أرادت تلك الدولة فرض رؤية أحادية لتسوية الصراع دون موافقة كاملة من قبل طرفي الصراع ، ودون توازن في المواقف السياسية تجاه أي طرف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد