مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي للكنيست الإسرائيلية بعد أقل من أسبوع، تزايدت حمّى الحملات الانتخابية صخباً وفضائح وعنصرية، ولعلّ ما يميز هذه الحملات الانتخابية هذه المرة، أنها تكاد تدور بين فصائل وأحزاب وقوى اليمين المتطرف بدرجة أساسية، وبدرجة أقل بين هذا المعسكر بقيادة حزب الليكود، ومعسكر المعارضة التقليدية بقيادة "المعسكر الصهيوني" من بقايا مجموعة من أحزاب غادرت المسرح السياسي في إسرائيل، لكنها تحمل طابع "الوسط" مع أن البعض يمنحها صفة اليسار!
المعركة الانتخابية، باتت أكثر عنفاً كلامياً، بالتوازي مع الفضائح التي زودت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأخبار وتحقيقات الصفحات الأولى وعناوين نشرات الأخبار الرئيسية، لكن الأبرز على هذا الصعيد، تلك المبارزة في التصريحات حول عنوان واحد وحيد، المنافسة بين قوى اليمين المختلفة على الحزب الأشد حقداً وكرهاً وعنصرية ضد العرب، ذلك أن مراجعة سيل التصريحات والأنشطة الانتخابية، ستشير إلى أن العنوان العنصري ضد العرب، كان الخطاب الأبرز الموحد، لدى كافة قوى اليمين واليمين المتطرف، ويلاحظ أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل، لم تحظ باهتمام الرسائل الانتخابية لدى قوى اليمين على اختلاف مستويات يمينيتها، لم تحظ القضايا الصحية، ومشكلة السكن والبطالة، على سبيل المثال، بأي اهتمام من خلال الرسائل الانتخابية، أو البرامج التي تقدمت بها هذه الأحزاب لجمهور الناخبين، وإذا ما حاولنا أن ندرس من خلال هذه الرسائل الانتخابية، من هو الحزب الأكثر عنصرية ضد العرب، لاعترتنا حيرة كبيرة، فكل حزب له امتيازه وقدرته على إشهار حقده الدفين والمعلن ضد كل ما هو عربي فلسطيني، اختلفت هذه الأحزاب في طرق تعبيرها عن مدى حقدها وعنصريتها، لكنها توحدت في قدرتها على إشهار تحريضها المباشر والمعلن ضد العرب الفلسطينيين، وهو أمر من المفترض أن يحاسب عليه القانون الإسرائيلي، ولكن لما كان هذا الأمر، طاغياً وشاملاً، فإن هذه الحملة العنصرية، باتت قانوناً بحد ذاتها. لذلك تحاول هذه الأحزاب وبكل ما امتلكته من وسائل التأثير، أن لا تخرج عن هذا "القانون"!
في ظل هذا المشهد العنصري الحاقد، انتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية الصورة التي باتت أكثر شهرة، والتي تتضمن شخصاً بزي "داعش" وهو يضع سكينه على رقبة فتاة متنكّرة بشخصية النائبة "زعبي"، في وقت كان وزير الخارجية الإسرائيلي ينعق بتصريحاته الحاقدة، داعياً إلى قطع رؤوس الفلسطينيين الذين يعترضون على السياسات الإسرائيلية، وكأنما الصورة التي تذبح بها حنين زعبي، لا تكتمل إلاّ بذبح كل الفلسطينيين، وهي دعوة رسمية إسرائيلية من قبل وزير الخارجية، لقتل كل فلسطيني، ذبحاً، ولعلّ في هذا الأمر، ما يتعدى مجرد أنشطة في إطار الحملات الانتخابية، إلى تحريض الإسرائيليين، فرادى وجماعات وأحزابا لنزع كل فلسطيني، وهي كما أشرنا دعوة رسمية، كجزء معلن من سياسة الدولة العبرية، ما لا يدع أي شك في أن التفكير الداعشي، امتد لكي يشمل اليمين الإسرائيلي، مهما اختلفت الأسماء!
هذا في المعسكر الأكثر يمينية في إسرائيل، فما هو الحال لدى المعسكر الأقل يمينية، بقيادة المعسكر الصهيوني؟ رغم المنافسة الشديدة بين المعسكرين لاحتلال مقعد رئاسة الحكومة إثر الانتخابات القادمة، إلاّ أن هناك "تقارباً" أملته موجة الحقد والعنصرية، حتى بين المعسكرين المتنافسين، فها هو يتسحاق هرتسوغ، رئيس المعسكر الصهيوني والمرشح لرئاسة الحكومة في حال فوز هذا المعسكر، ينافس نتنياهو على إعلان الحرب على الفلسطينيين، هرتسوغ إذا ما أصبح رئيساً للحكومة سيبقي على المستوطنات الكبرى وما يسمى الكتل الاستيطانية: "غوش عتصيون" و"اريئيل" و"معاليه أدوميم"، معتبراً أن المفاوضات مع الفلسطينيين حول القدس ، هي مجرد "هلوسة".
هذا العصف العنصري المحموم، لا يعود فقط إلى المنافسة داخل المعسكرات وبين المعسكرات المختلفة، بل هو في جوهره يخفي هذا الحذر والتخوف من أن تحتل "القائمة العربية المشتركة" الترتيب الثالث في ميزان القوى الحزبي إثر الانتخابات القادمة، الأمر الذي يضع الخارطة السياسية والحزبية في إسرائيل تحت تأثير هذه القائمة، بشكل أو بآخر، الجنون العنصري الذي يتم التعبير عنه بكل وقاحة وبشكل معلن، لم يجد من ينتقده أو يحاول الإشارة إلى أنه يتعارض مع القوانين الإسرائيلية ذاتها، سوى أديب إسرائيلي هو يهوشع سوبول، الذي قال إن حزب "البيت اليهودي" ما هو إلاّ النسخة الإسرائيلية من الحزب القومي الاشتراكي بقيادة هتلر، مشيراً إلى أن اليمين المتطرف بات يحكم إسرائيل، وليس لديه أي شعور بالذنب كونه أدخل إسرائيل إلى أوحال من الصعب الخروج منها.
قد تزول آثار الحملة الانتخابية بعد الانتخابات، إلاّ أن مظاهر الحقد العنصري كانت ولا تزال وستظل عنواناً إسرائيلياً بامتياز، وسيظل ما دامت الدولة العبرية قائمة على أنقاض الفلسطينيين!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية