يبدو أن الحملة الانتخابية في إسرائيل ستكون «مجنونة» في هذه المرة، ليس فقط من حيث الصخب، وليس في الأشكال ووسائل التعبير، وإنما في المديات التي يمكن أن تصل إليها أيضاً.
استطاع نتنياهو أن يجرّ المجتمع الإسرائيلي ومنذ الآن إلى الساحة التي يريدها.
المجتمع الإسرائيلي الآن واليوم منقسم حول «الضم».
أكثر من 90% من الصوت اليهودي مع الضم، بعد أن وقع حزب «أزرق ـ أبيض» في الفخ، وأقل من 10% من هذا الصوت يجاهر بالوقوف ضد «الضم».
ولدينا خارطة محزنة ومرعبة حول هذه المسألة بالذات. 50% تقريبا من الصوت اليهودي مع الضم الفوري والباقي مع الضم المؤجل.
هناك جزء من مؤيدي هذا التأجيل يتحدثون عن «توافق ما مع المجتمع الدولي»! أُحجية أُخرى.
هذا هو الواقع كما هو قائم، وهذه هي الخارطة الواقعية، وهذا هو المُعطى الحقيقي لما يُسمّى «الضم».
السؤال الآن: لماذا لم يتم الضم حتى الآن؟
الجواب بسيط وواضح: «الضم» بحاجة إلى موافقة الولايات المتحدة على الأقل، ودون هذه الموافقة يُصبح الضم مجرد هراء سياسي.
كل المؤشرات تقول إن الولايات المتحدة موافقة على هذا الضم ولكن ليس كخطوة معزولة وبحد ذاتها، وإنما ستكون في إطار الترتيبات الأوسع في إطار «صفقة» القرن.
كل ما صرح به فريدمان، وكذلك وزير الخارجية الأميركي، وبعض المستشارين المقربين أو العاملين في إطار فريق ترامب للشرق الأوسط يوحي ويؤكد أن «صفقة» القرن تتضمن موقفا محدداً من هذه المسألة.
فهل يكون الحديث المتواتر عن الإعلان المنتظر للصفقة قبل الانتخابات الإسرائيلية يأتي في هذا السياق، وهو نفس السياق الذي يحقق لنتنياهو مساحة سياسية جديدة، هو في أمسّ الحاجة إليها؟
ومع ذلك، ومع أهمية كل ذلك، كيف لنا أن نتصرف في ضوء ما وصلت إليه الأمور من إخطار بهذا الهول وهذا القدر من المصيرية.
أولاً وقبل كل شيء فإن حمّى الضم التي تحولت إلى ما يشبه الوباء السياسي في إسرائيل إن كان لها من مدلول جوهري فهو أن «الضم» قادم لا محالة، بحكم ما هو قائم من معادلة سياسية في إسرائيل، وبحكم ما هو كامن من بعد في هذه المرحلة وربما يوحي بما هو أخطر.
وثانيا، فإن مثل هذا الضم سيتم إذا كان ولا بد أن يتم في غضون أشهر على أبعد تقدير، وذلك بالنظر ليس فقط إلى مرحلة ما قبل الانتخابات الإسرائيلية بالنسبة لكافة أحزاب اليمين واليمين المتطرف، وإنما للمرحلة المباشرة بعد الانتخابات الإسرائيلية، باعتبار أن معركة (أرض إسرائيل) هي عنوان المرحلة القادمة بصرف النظر عن النجاح في الانتخابات من عدمه.
وثالثاً، لأن الولايات المتحدة حتى وإن أجّلت الإعلان عن «صفقة» القرن إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية فإنها ستكون مضطرة لسحب هذه «الصفقة» من التداول السياسي إن لم يتم هذا الإعلان.
وفي ضوء ذلك فإن الحراك السياسي والدبلوماسي الفلسطيني مع الإقليم ومع المجتمع الدولي لم يعد يحتمل الوتيرة والوسائل والأساليب التي تم اتباعها حتى الآن مع كل ما تقوم به إسرائيل من خطوات عملية مباشرة للتقدم نحو هدفها من كل مخرجات المرحلة السياسية الحالية.
علينا أن نطلب وفوراً عقد قمة عربية استثنائية لبحث تداعيات المخطط الإسرائيلي، ومن المفترض أن نعتبر كل من يحاول تعطيل قمة كهذه هو بمثابة موافقة وتساوق مع مشروع الضم ومع تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
لم يعد هناك من مجال للمجاملات السياسية والمراعاة الضرورية لعلاقاتنا مع المحيط القومي والإقليمي إذا كان الموقف سيغطي على مشروع التصفية.
وعلى القيادة الفلسطينية أن تخاطب المجتمع الدولي بلغة واضحة وجديدة وبما يشبه الإنذار السياسي، لأن الشعب الفلسطيني مقدم لا محالة على مجابهة شاملة وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته الكاملة عن ذلك.
وعلينا أن ندرك أن «صفقة» القرن واضحة تماماً حيال مسألة الكيانية الفلسطينية، إذ إن قطاع غزة هو «الدولة» أو «الكيان الوطني» والتجمعات الفلسطينية، في الضفة ليست سوى «حكم ذاتي» موسع، أو مقلص (حسب زاوية النظر)، وبهذا المعنى فإن كل من يحاول تحت مسمى التهدئة أو غيرها الذهاب قدماً نحو تكريس «انفصال» القطاع عن الجسد الوطني هو مشارك فعلي ومباشر في «صفقة» القرن، وفي تسهيل مشروع الضم الإسرائيلي.
وعليه فإن حركة حماس مطالبة بالخروج فوراً من هذا الخيار المشبوه إذا كانت فعلاً وليس قولاً فقط معنية بالوقوف ضد المخطط الأميركي والإسرائيلي الذي يواجهنا.
وبكل هذه المعاني فإن فصائل المنظمة، وبالرغم من كل ما تعانيه من مشكلات وأزمات مطالبة بالخروج الفوري من «عباءة التهدئة» والتنصل التام منها، والانتهاء من لعبة أن هناك شيئاً اسمه تهدئة بمعزل عن «صفقة» القرن، وبمعزل عن ما يجري الإعداد له من خطوات عملية، وما يعد للقضية الوطنية من مخططات للتصفية المباشرة.
أما حركة فتح فهي أمام اختبار تاريخي كبير وجديد، فإما أن تعاود تحمل المسؤولية الوطنية بكل ما يعنيه هذا الأمر من ذهاب مباشر إلى شراكة وطنية، ومن علاقات ديمقراطية، ومن بناء نظام سياسي متماسك.. وإما أن لا تتمكن من قبول هذا التحدي ـ وهو الأكبر بعد النكبة ـ وحينها فإن الشعب الفلسطيني سيعرف طريقه لإعادة تصحيح كامل المسار وكل المسيرة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد