يديعوت: هكذا سهّل قاسم سليماني عملية اغتياله !

قاسم سليماني

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، اليوم الجمعة، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني غير من شكل حراسته في الفترة الأخيرة، الأمر الذي سهل على الولايات المتحدة تعقبه واغتياله.

وحسب تقرير نشره محلل الشؤون الاستخبارية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رونين بيرغمان، بدأت أجهزة الأمن الأميركية تخطط لاغتيال سليماني، منذ سنة ونصف السنة، وقررت ألا يكون الاغتيال في الأراضي الإيرانية أو السورية، وأطلقت حملة واسعة لتعقب تحركاته، بانتظار "خطأ" يرتكبه.

وذكر بيرغمان أن أجهزة أمن أميركية – وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.ايه.)، والقيادة العليا للعمليات الخاصة، والقيادة الوسطى للقوات الأميركية – وضعت خططا لاستهداف سليماني في العراق أو سورية. ومن أجل تنفيذ ذلك، بدأ الأميركيون، قبل سنة ونصف السنة، بحملة شاملة لتعقب تحركات سليماني، تبين منها أنه كان يسافر إلى بغداد من دمشق، بطائرة ركاب مدنية، ولذلك لم يكن بالإمكان استهداف الطائرة، كما أنه كان يحضر بقافلة سيارات تصل إلى الطائرة، من دون العبور في المطار والجوازات، ويصعد إلى الطائرة بعد جميع ركابها وقبيل تحليقها بوقت قصير.

وأضاف بيرغمان أن مراقبة تحركات سليمان أظهرت أنه عندما يصل إلى مطار بغداد، تكون بانتظاره سيارتين تابعتين للحشد الشعبي، تنقلانه إلى مكان آمن. وبمجرد خروجهما من المطار، تكون بانتظار سليماني قافلة مؤلفة من 7 – 8 سيارات، ينتقل إلى إحداها، وذلك بهدف تضليل من يقتفون أثره. واعتبر الأميركيون أن مهاجمة قافلة سيارات كهذه مليئة برجال مسلحين هي عملية معقدة. كما استُبعدت مهاجمة القافلة من الجو، لأنه يصعب التأكد من السيارة التي يتواجد فيها سليماني.

"وبقيت المعضلة دون حل، إلى حين ارتكاب سليماني خطأه الأكبر"، حسب بيرغمان. "قبل أسبوعين من مصادقة ترامب على عملية الاغتيال، قرر سليماني التنازل عن القافلة الطويلة، وبقي طوال الطريق من المطار إلى المكان الآمن في قافلة مؤلفة من سيارتين أو ثلاث. وهكذا تحول إلى هدف مريح للاغتيال من الجو".

إضافة إلى ذلك، حسب بيرغمان، فإن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، حذر سليماني، خلال لقائهما الأخير، من أن ظهور صوره بوتيرة عالية في الصحف الأميركية هي مؤشر على نية باغتياله. "إذا كان هذا صحيح، فإن سليماني لم ينصت. وكثيرة هي وكالات التجسس، وليس الأميركية والإسرائيلية فقط، التي وسمته كهدف. لكن سليماني لم ينصع للتحذيرات".

وادعى بيرغمان أن سليماني كان يبعث رسائل نصية إلى قائد المنطقة الوسطة للجيش الأميركي، الجنرال ديفيد بتراوس، وكذلك إلى رئيس "سي.آي.ايه"، وأنه "تباهى من خلالها بأنه هو الذي يدير الأمور والزعيم الحقيقي للمنطقة. وهذه هي النقطة التي يبدأ فيها الزمن ينتهي".

وأضاف أن ثمة ادعاءات بأن نقطة التحول كانت قبل سنتين، عندما اقتحم الموساد الأرشيف النووي الإيراني. ورغم أن الحرس الثوري لا تشغل البرنامج النووي، "لكن حراسة إيران من الداخل والخارج، ضد عمليات استخباراتية معادية، هي مسؤولية الحرس الثوري. وهناك حدث فشل مطلق".

وتابع بيرغمان أنه بعد نقل الأرشيف النووي الإيراني إلى إسرائيل، أطلع رئيس الموساد، يوسي كوهين، رئيس "سي.آي.ايه" في حينه، مايك بومبيو. وبعد أن تولى الأخير منصب وزير الخارجية الأميركي، تعززت العلاقة بينهما. وقرب بومبيو من ترامب وكوهين من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ، قاد إلى محور تنسيق سياسي بين الجانبين.

ونقل بيرغمان عن مسؤول أميركي مطلع، قوله إن هذا المحور هو أحد العوامل الأكثر تأثيرا على السياسة الأميركية والإسرائيلية. وفي موازاة ذلك، في منتصف العام 2018، بدأ الأميركيون جمع المعلومات حول سليماني وتحركاته، بهدف اغتياله.

وأضاف بيرغمان أنه إثر تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي، "قرر الإيرانيون، الذين ينظرون إلى إسرائيل والولايات المتحدة أنهما وحدة واحدة، الرد في مكان غير متوقع وضد حليف ضعيف: الهجمات الصاروخية ضد منشآت شركة أرامكو النفطية في السعودية. ورغم أن الوحدتين اللتين هاجمتا منشآت النفط تنتميان إلى الذراع الجوي للحرس الثوري، وليستا تحت قيادة سليماني، لكن وفقا لمعلومات، فإنه هو الذي بادر إلى هذه الخطوة".

وتابع أنه على الرغم من أن ترامب لم يرد على مهاجمة المنشآت النفطية، إلا أن "سي.آي.ايه" استمرت في حملته لجمع المعلومات حول سليماني، وأنه اتخذ حينها القرار بعدم استهداف سليماني في الأراضي الإيرانية. وحسب بيرغمان، فإن الاستخبارات الأميركية سعت إلى تجنيد عملاء لها من داخل صفوف الميليشيات الموالية لإيران في سورية والعراق، من أجل تتبع تحركات سليماني.

عملاء في مطاري دمشق وبغداد

منذ أيار/مايو الماضي، جرت مداولات حول اغتيال سليماني. وكتب بيرغمان أنه "وفقا لشخص شارك في هذه المداولات، فقد شملت رئيسة سي.آي.ايه، جينا هسبل، وبومبيو ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، حتى تمت إقالته. وقالت الاستخبارات خلالها إن سليماني مسؤول ومبادر لهذه الهجمات ولأخرى كثيرة. وقال أحد ضباط الاستخبارات في هذه المداولات إنه ’إذا أردنا الرد على كل هذه الهجمات، فإن العمل الأهم والذي سيوجه رسالة حاسمة للغاية هو استهدافه" أي سليماني.

وتابع بيرغمان أن التخطيط للاغتيال انطلق في بداية أيلول/سبتمبر. وقرر الذين يخططون للاغتيال أنهم يفضلون تنفيذ ذلك في العراق، لأنه يرافق سليماني في سورية قياديون في حزب الله، وفي حال أصيب هؤلاء، فإن إيران وأيضا حزب الله سيردان.

وكانت الاستخبارات الأميركية على علم بالعلاقة الوطيدة بين سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، واسمه الحقيقي هو جمال إبراهيمي، حسب بيرغمان، وقد قتل في عملية اغتيال سليماني. ودار نقاش داخل الاستخبارات الأميركية بشأن المهندس. وأشار فريق إلى إسهام الحشد الشعبي في محاربة "داعش"، بينما استعرض فريق آخر ملف المهندي، "الذي شمل توثيقا لعمليات تفجيرية ضد أهداف أميركية ومحلية في الكويت، في العام 1983، وحاول تفجير السفارة الأميركية، قبل 25 عاما" حسب بيرغمان.

وتابع أنه بموجب خطة عملية الاغتيال، تعين على عميل للأميركيين في مطار دمشق أن "يتأكد بعينه" من صعود سليماني إلى الطائرة. "وتأكيد ذلك كان الإشارة التي أدخلت المنظومة كلها إلى المرحلة الأخيرة لعملية الاغتيال".

وأضاف بيرغمان أنه في يوم الأربعاء، الأول من كانون الثاني/يناير الحالي، وصلت معلومة تفيد بأن سليماني سيتوجه إلى العراق في الغداة. وتبين أن سليماني تسجّل كمسافر على متن أكثر من طائرة، "لكن الطاقم الذي تعقب تحركاته علم إلى أي طائرة سيصعد، وأنه لن يكون مرافق له من حزب الله، وهذا كان أمرا هاما بالنسبة لمن خططوا الاغتيال".

وبعد 36 دقيقة من منتصف ليلة 2 – 3 كانون الثاني/يناير، هبطت الطائرة في بغداد، "وكان سليماني أول من نزل منها، مع مرافقيّه. وكان المهندس بانتظاره قرب درج الطائرة، وهذا أمر لم يكن مخططي الاغتيال يعرفونه مسبقا". وبعد وقت قصير اغتيل سليماني والمهندس.

وبحسب بيرغمان، فإن المنظومة الاستخبارية التي اغتالت سليماني هي نفسها التي زودت الإنذار الدقيق من القصف الصاروخي الإيراني على القاعدتين الأميركيتين في العراق، يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي. "وكان ينبغي أن يبقى هذا الإنذار سريا، من أجل منع كشف هوية العميل الذي نقله... لكن بعد يوم من القصف، أعلن موظفون لتوانيون كبار عن أن ثمانية من جنود بلادهم وتواجدوا في القواعد الأميركية تلقوا تحذيرا مسبقا وخرجوا من القاعدة. وبذلك اكتُشف السر".

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد