لجأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى اعتقال الفلسطينيين منذ اليوم الأول لاحتلالها للأراضي الفلسطينية، واعتمدتها كسياسة ثابتة وسلوكا يوميا، فيما يمكن القول: ان الحركة الوطنية الفلسطينية الاسيرة قد نشأت وتكونت وتطورت بعد احتلالها لباقي الاراضي الفلسطينية عام 1967. وقد مرت بمراحل عديدة ومنعطفات كثيرة وتعرضت لمحطات خطيرة، لكنها سطرت  تجربتها الخاصة والتي تعتبر فريدة من نوعها، اذ عكست في كثير من جوانبها معاناة لا مثيل لها. وفي جوانب اخرى سجلت لنفسها صفحات مضيئة وقدمت صوراً مشرقة في الصمود والتضحيةً واعطت نماذج تحتذى، في الصمود والتحدي والمقاومة خلف القضبان.

لقد شارك كل من مر على السجون الإسرائيلية في تلك التجربة، وساهمت الفصائل كافة في رسم وصياغة فصولها. وتجربة حركة "فتح" التي فجرّت الثورة الفلسطينية المعاصرة وأطلقت شرارتها الأولى في الأول من كانون ثاني/يناير عام1965، تتشابك مع مجمل التجربة الجماعية للحركة الوطنية الأسيرة، لكنها كانت الأكثر حضوراً على مدار خمسة وخمسين عاما مضت، ومازالت هي الأكثر تأثيراً على الساحة الاعتقالية.

 

وقد شكّل ابناء ال فتح الغالبية العظمى من مجموع الأسرى والمعتقلين منذ ان افتتحت السجون ومنذ ان زج بالفلسطينيين في غياهبها. واعتبرت "فتح" هي العمود الفقري للحركة الوطنية الأسيرة في كافة الأوقات والأزمنة، ومازالت تشكل اليوم أكثر من 54% من إجمالي عدد الأسرى والمعتقلين القابعين في السجون الإسرائيلية، وأن ما يزيد عن نصف الأسرى الذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، لمرة واحدة أو لمرات عدة، والذين يزيد عددهم عن الخمسمئة أسير، هم ينتمون لحركة فتح، مما يعكس حجم دورها ووزنها وحضورها على الساحة الفلسطينية. بالإضافة الى وجود اثنين من قادتها وأعضاء اللجنة المركزية خلف القضبان، وهما: كريم يونس ومروان البرغوثي، و"شيخ الأسرى" وأكبرهم سنا اللواء "فؤاد الشوبكي".

 

وعودة الى التاريخ، فلقد ساهمت "فتح" بشكل كبير في بناء وتطور الحركة الوطنية الأسيرة، وشاركت في قيادة معارك المواجهة ضد السجان الإسرائيلي. وسعت كباقي الفصائل في وضع برامج للارتقاء بذاتها وتعبئة وتطوير عناصرها.

ولعبت حركة "فتح" دورا هاما في تعزيز الوحدة الوطنية داخل السجون وتعزيز الموقف الموحد، مما انعكس ايجابا على طبيعة الصراع مع إدارة السجون وإفشال مخططاتها في تفتيت وحدة الأسرى والانقضاض على هويتهم النضالية. كما وساهمت بدور أساسي في وثيقة الوفاق الوطني التي شكلت اساسا للحوار الفلسطيني -الفلسطيني لإنهاء "الانقسام" واستعادة الوحدة الوطنية.
وعودة الى أصل الحكاية، فحركة "فتح" هي أول الرصاص وأول الحجارة، فهي من صنعت لشعبي ثورة. فكان منها الأسير الأول في الثورة الفلسطينية المعاصرة "محمود بكر حجازي" الذي أعتقل بتاريخ 18كانون ثاني/يناير1965، ومنها كانت الأسيرة الأولى "فاطمة البريناوي" التي اعتقلت في 14تشرين أول/أكتوبر عام 1967.

و"فتح" قدمت الشهيد الأول من أسرى القدس "قاسم أبو عكر" بعد أن سطّر صفحة مضيئة في الصمود داخل أقبية التحقيق، وسقط بعده العديد من اسراها شهداء جراء التعذيب والاهمال الطبي المتبع داخل السجون. 

وبالأرقام تعتبر حركة فتح أكثر الفصائل الفلسطينية تحريرا للأسرى من خلال "صفقات التبادل" و"المفاوضات السياسية"، وهي من نجحت في تحرير قرابة ثمانية عشر ألف اسير فلسطيني وعربي من سجون ومعتقلات الاحتلال. هكذا يحفظ التاريخ ويؤرخ المؤرخون.

 

وقد شكّل مؤسسها وقائدها الشهيد الرمز "أبو عمار" رحمه الله، الأب الروحي والقدوة للحركة الوطنية الأسيرة، وهو الذي تنسب اليه المقولة الشهيرة "خيرة أبناء شعبي في السجون. 
كما وان السيد الرئيس "أبو مازن" اعتبر أن الإفراج عن الأسرى مفصلا أساسيا لأي مفاوضات أو تسوية عادلة، فكان حريصاً على الافراج عنهم، ونجح في اطلاق سراح الكثيرين منهم، وأن المفاوضات الاخيرة كانت قد توقفت بسبب تنصل "اسرائيل" من التزاماتها ورفضها الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى اواخر آذار/مارس عام 2014. وهو القائل: أن الأسرى خط أحمر، وسنواصل صرف مستحقاتهم حتى لو بقىّ لدينا قرش واحد سنصرفه لهم.

ومازالت حركة فتح تشكل الاغلبية في السجون وهي الاكثر حضورا وتأثيرا. وبدون شك فان الحالة التي تمر بها الحركة اليوم عكست نفسها على واقع الحركة الاسيرة واثرت سلبا عليها. كما وان "الانقسام" التي ينخر بالحركة الوطنية الفلسطينية قد امتدت تداعياته لتصيب الحركة الأسيرة بكل مكوناتها وتؤثر سلبا على طبيعة العلاقات الداخلية من جانب، وعلاقة الفصائل مع ادارة السجون من جانب آخر. لذا دائما نتمنى لحركة "فتح" الوحدة والتماسك لما لذلك من انعكاسات كبيرة وقوية على القضية الفلسطينية بشكل عام والحركة الاسيرة بشكل خاص، فهي عمود الخيمة الفلسطينية. كما وندعو الفصائل الوطنية والاسلامية الى العمل الجاد لإنهاء "الانقسام" وطي صفحته السوداء.

 

ان حركة "فتح" بتاريخها العريق وارثها الأصيل، بحاضرها ومستقبلها، هي ملك للشعب الفلسطيني كافة، وكلما اشتد عودها وتماسكت وحدتها، ازدادت الحركة الاسيرة صلابة و ازددنا كفلسطينيين قوة، واقتربنا أكثر كشعب مكافح نحو تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال. وبهذه المناسبة العظيمة، نوجه التحية والتهنئة لكل الفتحاويين، بل لكل الفلسطينيين، وكل عام وأنتم جميعا بألف خير. ولنحتفي سويا بذكرى انطلاقة ثورتنا الفلسطينية المعاصرة التي فجرت شرارتها الأولى حركة "فتح".

عاشت الذكرى . عاشت الانطلاقة . عاشت الثورة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد