هل هناك مراجعة أميركية لعلاقة واشنطن بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟ وهل هناك ما يكفي من مؤشرات تفيد بأن هذه المراجعة تكتسب من الجدية ما قد يجعلها مؤهلة لكي تثمر إزالة لكافة العقبات أمام الوصول إلى الحل الأميركي المنشود، وهل هذه المراجعة تأتي إثر المخاوف من انهيار السلطة خاصة بعد قرار المجلس المركزي الفلسطيني بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكال وردود الفعل الانتقامية الإسرائيلية المرتقبة، خاصة فيما يتعلق بمواصلة قرصنة الأموال الفلسطينية، وهل هناك قدرة أميركية حقيقية لإلزام الأطراف المعنية الاستجابة لنتائج هذه المراجعة؟!
أسئلة كثيرة لا بد من طرحها ونحن نتابع مجموعة من المؤشرات التي تبدو كافية للقول إن هناك محاولة أميركية لا يمكن الوقوف على مدى جديتها وفعاليتها لمراجعة موقفها من هذا الملف الشائك والمعقد، وقد يكون الربط بين مختلف هذه المؤشرات، ما يجعلنا أكثر قدرة على الإجابة على كل هذه التساؤلات.
ما كشفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، حول وثيقة التفاهمات والتنازلات التي كان بنيامين نتنياهو على استعداد لتقديمها للجانب الفلسطيني أثناء ولايته الأولى، هذه الوثيقة بتفاصيلها، تكاد تتشابه في مواقع عديدة مع ما يسمى «اتفاق الإطار» الذي أعده وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلاّ أن إدارة أوباما ترددت في نشر هذا الاتفاق رغم مطالبة مارتن انديك المبعوث الأميركي للشرق الأوسط بنشر هذا الاتفاق ليشكل ضغطاً على الجانبين، خاصة الإسرائيلي، الأمر الذي من شأنه الدفع بعملية السلام قدماً، يتضمن اتفاق الإطار: إجراء المفاوضات على أساس حدود 1967، مع تبادل أراض، القدس عاصمة للدولتين، ترتيبات أمنية لإسرائيل في الأغوار، جدول زمني لانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية.. كل ذلك مقابل اعتراف فلسطيني واضح «بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي» ويقال إن جون كيري أبدى ندمه على عدم نشر هذا الاتفاق، لأن ذلك ساعد إسرائيل على التراجع عن تعهداتها، ما أدى إلى إفشال مساعيه للوصول إلى نهاية سعيدة للمفاوضات بين الجانبين.
بعد ما نشرته «يديعوت» نشرت «هآرتس» نقلاً عن مصادر أميركية في البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي معني بإجراء محاولة جديدة لتحقيق تقدم على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، خلال العامين المتبقيين من عمر ولايته الثانية والأخيرة، رغم أن هناك تأزماً متزايداً على هذا الملف بعد تفجر عملية المفاوضات في آذار الماضي، أي قبل عام تماماً، نتيجة الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة ، ولجوء الجانب الفلسطيني إلى مجلس الأمن والجنائية الدولية، وتجميد إسرائيل لأموال السلطة الفلسطينية، كل ذلك جعل الأمر أكثر تأزماً مما كان عليه قبل عام، مع ذلك، يبدو أن الراعي الأميركي الذي يعالج ملفات صعبة للغاية، كالمفاوضات مع إيران والأحداث في اوكرانيا، إلاّ أن الإنجاز الأميركي الحقيقي على الصعيد السياسي، يمكن أن يسجل فقط على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، من هنا، يبدو أن البيت الأبيض في حالة مراجعة، للوصول إلى مثل هذا الإنجاز قبل أن يغادره الرئيس أوباما بعد عامين.
هذه المراجعة المحتملة، ستظل رهناً بنتائج الانتخابات التشريعية الإسرائيلية منتصف الشهر الجاري، مع ذلك هناك بعض السيناريوهات التي ربما يجري تداولها لتفعيل هذه المراجعة على أساس تجديد المفاوضات، رغم أن ذلك لم يعد واقعياً، إذا ما بقي نتنياهو رئيساً للحكومة المقبلة، وعلى هذا الأساس، يمكن لواشنطن أن تعد مشروعاً تتقدم به إلى مجلس الأمن، ليتحول المشروع إلى قرار دولي، يتم تعبئة الرأي العام العالمي، والرأي العام في إسرائيل والمنظومة العربية وعلى الأخص الجانب الفلسطيني حول هذا القرار المحتمل، إلاّ أن هذا المشروع من الممكن أن يحمل ملامح «اتفاق الإطار» الذي سبق الحديث عنه، ومن شأن مثل هذا القرار أن يلغي قراري مجلس الأمن 242 و338.
وهناك مؤشر بالغ الأهمية في إطار الإجابة على التساؤل حول المراجعة الأميركية، إذ بعد ما نشرته كل من «يديعوت» و»هآرتس»، بيوم واحد، أعلن البيت الأبيض والمتحدثة باسم مجلس الأمن القومي عن تعيين روبرت مالي مساعداً خاصاً للرئيس الأميركي ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج، وسيتسلم مهام منصبه في السادس من نيسان القادم، ويعتبر مالي من أهم الخبراء الأميركيين في شؤون الشرق الأوسط، وهو متهم بانه صديق لـ « حماس » وياسر عرفات، وكان قد أعفي من منصبه مع بداية ولاية أوباما الأولى بعد أن شنت وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية حملة على مالي، بعد أن كشفت لقاءه مع مسؤولين في «حماس» بعدما أدرجتها أميركا في قائمة الإرهاب، مع أن هذه الاجتماعات كانت علنية وفي إطار عمله بمجموعة الأزمات الدولية.. حينها دافع مالي عن نفسه بأنه «يهودي» رغم أن القوانين التوراتية لا تصنفه كيهودي، ذلك أن أباه يهودي مصري متزوج من أميركية مسيحية، لكنه اضطر لتأكيد «يهوديته» في محاولة للرد على الاتهامات الإسرائيلية، وروبرت مالي سليل أسرة تقدمية، فوالده أسس مجلة «إفريقاسيا» الناطقة بالفرنسية وكانت تدافع عن دول العالم الثالث في مواجهة مع العالم الرأسمالي، وأيدت الثورات وحركات التحرر والاستقلال في هذا العالم الثالث.
إن تعيين روبرت مالي في هذا المنصب، في هذا الوقت بالذات، له دلالات واضحة على أن هناك مراجعة أميركية.. إلاّ أن مستقبل هذه المراجعة سيظل رهناً بطبيعة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد