مركز حقوقي ينشر تقريرا حول اعتداءات الاحتلال ضد المدنيين في غزة

قصف غزة - ارشيفية

نشر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، اليوم الخميس، تقريرا ميدانيا حول اعتداءات اسرائيل ضد المدنيين والأعيان المدنية في قطاع غزة في الفترة (12 – 14 نوفمبر 2019).

وفيما يلي نص التقرير كما وصل سوا:

مقدمة:

شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي سلسلة مكثفة من الغارات الجوية والقصف المدفعي في جميع أنحاء قطاع غزة ما بين 12 – 14 نوفمبر 2019. وقد بدأت هذه الجولة التصعيدية بعد اغتيال قوات الاحتلال ل بهاء أبو العطا ، قيادي في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي. وقتل أبو العطا خلال استهداف طائرات الاحتلال لمنزله في حي الشجاعية، مما أدى أيضاً الى مقتل زوجته وإصابة اربعة من أبنائه وثلاثة آخرين.[1] ردت سرايا القدس على حادثة الاغتيال بإطلاق رشقات صاروخية على اسرائيل، مما أدى الى تصعيد الوضع في قطاع غزة لعدة أيام. ويشكل هذا التصعيد الثالث من نوعه الذي يشهده القطاع هذا العام، وخلال فترة إعداد التقرير، وثق المركز الفلسطيني لحقوق الانسان مقتل 33 فلسطينياً بفعل الغارات الإسرائيلية، منهم 15 مدنياً؛ 8 أطفال و3 نساء، فيما أصيب 61 فلسطينياً، منهم 54 مدنياً.[2]

على الرغم من أن الغالبية العظمى للهجمات الإسرائيلية تركزت ضد أهداف عسكرية تابعة للجهاد الاسلامي، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت منازل مدنية، مزرعة دواجن، منجرة، محل تجاري، قوارب شرطة وأراضٍ زراعية. ووفقاً لتحقيقات المركز، دمرت 8 منازل بشكل كلي فيما أصيبت 37 منازل أخرى بأضرارٍ جزئية، بالإضافة إلى استهداف 4 منشآت تجارية. وقد قدرت وزارة الأشغال العامة والإسكان الخسائر الكلية في فترة التصعيد بما يزيد عن 3.1 مليون دولار أمريكي.[3]

بالإضافة إلى ذلك، اتخذت إسرائيل عدة إجراءات ضمن سياسة العقاب الجماعي التي تتخذها ضد سكان قطاع غزة رداً على الصواريخ التي أطلقت على أراضيها. في 12 نوفمبر 2019، أعلن منسق أعمال الحكومة في المناطق “على خلفية الوضع الأمني”، عن إغلاق المعبرين الحدوديين الوحيدين بين قطاع غزة وإسرائيل: معبر بيت حانون “إيريز”، شمال القطاع، المخصص لحركة الأفراد المحددة فئاتهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك المرضى، ومعبر كرم أبو سالم، جنوب القطاع، وهو المعبر التجاري الوحيد المخصص لحركة البضائع.[4] كما أعلن المنسق عن تقليص مساحة الصيد المسموح بها إلى 6 أميال بحرية حتى إشعار آخر.

تعتبر هذه الجولة من التصعيد هي الثالثة التي تحدث خلال هذا العام. حدثت الجولة الأخيرة من التصعيد في الفترة ما بين 3-6 مايو 2019، وقُتل خلالها ثلاثة عشر مدنياً فلسطينياً، منهم 3 نساء وطفل، خلال الغارات التي شنتها قوات الاحتلال،[5] فيما جرت الجولة الأولى في الفترة من 25 إلى 26 مارس 2019، والتي أصيب فيها مدنيان فلسطينيان بجروح بقعل الغارات الجوية الإسرائيلية.[6] في كلا التصعيدين، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي سياستها في استهداف المباني السكنية وكذلك منازل المدنيين في انتهاكٍ للقانون الإنساني الدولي.

الاعتداءات الاسرائيلية ضد المدنيين والأعيان المدنية:

يُركز هذا التقرير على استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين والأعيان المدنية في قطاع غزة في فترة 12 – 14 نوفمبر 2019، وترتكز المعلومات المقدمة على تحقيقات فريق المركز والزيارات الميدانية.

مدينة غزة:

في حوالي الساعة 4:00 من فجر يوم الثلاثاء الموافق 12 نوفمبر 2019، أطلقت طائرة اسرائيلية بدون طيار صاروخ على منزل بهاء أبو العطا (42 عاماً)، وهو قائد في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.أصاب الصاروخ الشقة السكنية التي يقيم فيها المواطن أبو العطا، وتقع في الطابق الثاني من المنزل، ما أدى إلى مقتله وزوجته إسراء 38 عاماً. كما أسفر القصف عن إصابة (7) مواطنين، منهم 4 اطفال من ابناء أبو العطا، وصفت إصاباتهم ما بين الطفيفة والمتوسطة.

في حوالي الساعة 9:10 من صباح يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019، أطلقت طائرات الاحتلال الإسرائيلي صاروخين تجاه منجرة تعود للمواطن أيمن فتحي عبد العال، الواقعة شرق حي التفاح بمدينة غزة. أدى ذلك لمقتل ثلاثة من أبناء المواطن المذكور، بينهم طفلان، وهم: إبراهيم، 17 عاماً، وإسماعيل، 16 عاماً، وأحمد، 23 عاماً، إلى جانب اثنين من أفراد المقاومة، أثناء تواجدهم قرب المنجرة. وتشير تحقيقات المركز إلى أن استهداف طائرات الاحتلال كان على بعد أمتار قليلة من المنجرة أثناء مرور أفراد تابعين لحركة الجهاد في المنطقة.

في حوالي الساعة 9:30 من صباح يوم الأربعاء، 13 نوفمبر 2019، أطلقت طائرة حربية إسرائيلية بدون طيار صاروخ على دراجة نارية في حي الزيتون، ما أسفر عن مقتل 3 مدنيين، بينهم طفل، وهم: رأفت عياد (54)، ونجليه أمير (8) وإسلام (25). ووفقاً لتحقيقات المركز، بينما كان رأفت وبصحبته أمير على دراجة نارية عائدين من مزرعتهم،توقفوا لإلقاء السلام على إسلام فنفذت الطائرة الحربية غارتها وقد كشفت التحقيقات عن عدم تواجد أي نشطاء عسكرية أو أية نشاط عسكري في المنطقة أثناء الاستهداف.

في حوالي الساعة 10:00 من صباح يوم الأربعاء 13 نوفمبر 2019، قامت الزوارق الحربية الإسرائيلية باستهداف قارب يعود الى الشرطة البحرية في قطاع غزة، قرب منطقة البيدر، جنوب غرب مدينة غزة. وفي نفس اليوم حوالي الساعة 6:00 مساءً، استهدفت قوات الاحتلال قارباً آخراً من قوارب الشرطة البحرية. ووفقاً لتوثيق المركز، دمر القاربان بشكل كامل ولم يسجل وقوع أي اصابات.

المنطقة الوسطى:

في حوالي الساعة 2:10 من بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 12/11/2019، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قذائف مدفعية باتجاه منزل يعود للمواطن هاني المصدر، شرق مدينة دير البلح، مما أدى إلى إلحاق أضراراً جزئية بالمنزل وإصابة إمرأة وطفليها وكذلك أحد المارة.

في حوالي الساعة 4:00 من مساء يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019، أطلقت طائرات حربية إسرائيلية بدون طيار صاروخاً على منزل مكون من أربعة طوابق يعود لجابر مزهر، شرقي مخيم البريج. وأفاد جابر مزهر لباحث المركز: ” في حوالي الساعة 15:50، تلقى مكالمة هاتفية من رقم خاص وعرّف المتصل عن نفسه بأنه ضابط مخابرات عسكرية وطلب منه إخلاء المنزل تمهيداً لاستهدافه. أجاب جابر وعائلته أنه لن يقوم هو أو عائلته بإخلاء المنزل. في حوالي الساعة 17:00، تلقى مكالمة هاتفية ثانية من ضابط المخابرات العسكرية يطلب منه الإخلاء لكنه رفض مرة أخرى. فلم يتم استهداف المنزل ولم يسجل وقوع إصابات.

في حوالي الساعة 7:30 من مساء يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019، أطلقت طائرة إسرائيلية بدون طيار صاروخاً على منزل طارق أبو محارب، شرق وادي السلقا، شرق دير البلح، مما ألحق أضراراً جزئية بالمنزل والعديد من المنازل المجاورة. هذا وأفاد طارق أبو محارب للمركز بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت منزله دون سابق إنذار بينما كان هو وعائلته بداخله. وفي حين لم يبلغ عن وقوع إصابات في صفوفهم.

في حوالي الساعة 12:25 من صباح يوم الخميس الموافق 14/11/2019، أطلقت طائرات حربية إسرائيلية من طراز 16 Fأربعة صواريخ متتالية دون سابق إنذار تجاه منزلين من الصفيح يعودان لعائلة السواركة في منطقة البركة بدير البلح .أسفر الهجوم عن مقتل 8 مدنيين، بينهم 5 أطفال، وإصابة 13 آخرين. وفقا لتحقيقات المركز، فإن حوالي 21 فردا من عائلة السواركة كانوا داخل المبنى وقت الاستهداف. هذا وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن البنية التحتية العسكرية للجهاد الإسلامي في وسط قطاع غزة قد تم استهدافها، لكن في أعقاب الغارة اعترف الجيش أن المستهدف، وهو مسؤول الوحدة الصاروخية، لم يكن الرجل الذي قُتل في الغارة، وتم فتح تحقيق في الحادث[7]. في 22/11/2019، توفي محمد السواركة، 40 عاماً، متأثراً بجراحه التي أصيب بها جراء الهجوم الاسرائيلي، ليرتفع عدد القتلى من عائلة السواركة إلى تسعة.

خانيونس:

في حوالي الساعة 12:13 من ظهر يوم الثلاثاء الموافق 12 /11/2019، أطلقت طائرات الإسرائيلية بدون طيار ثلاثة صواريخ على أرض زراعية مساحتها 3 دونمات في منطقة المنارة، جنوب شرق خانيونس. بعد 20 دقيقة، قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بإطلاق ثلاثة صواريخ F16 على المنطقة نفسها. وفي حوالي الساعة 06:30 مساءً، أطلقت الطائرات الحربية ثلاثة صواريخ على المنطقة نفسها مما أدى إلى تدمير غرفة زراعية ومزرعة دواجن. وفقاً لتحقيقات المركز، أصيب 6 مواطنين، بينهم إمرأة وطفل، وأصيب حوالي (18) منزلاً مجاوراً بأضرار نتيجة لتطاير الركام.

في حوالي الساعة 12:45 من ظهر يوم الثلاثاء الموافق 12/11/2019، أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية صاروخين اتجاه أرض زراعية، جنوب شرق القرارة، شمال خانيونس. أصيبت خديجة عبد الله (12) نتيجةً لتطاير زجاج نافذة أحد المنازل المجاورة للأرض المستهدفة.

في حوالي الساعة 05:20 من مساء يوم الثلاثاء الموافق 12/11/2019، أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية صاروخين F16 على منزل خالي من السكان يعود إلى لعائلة العمور في منطقة الفخاري، شرق محافظة خانيونس، دون سابق إنذار. ونتيجة لذلك، دُمر المنزل بالكامل؛ في حين لم يسجل وقوع أي إصابات. أخبر صاحب المنزل باحثي المركز بأنه وعائلته كانوا خارج المنزل وقت الاستهداف.

في حوالي الساعة 10:10 مساء يوم الثلاثاء الموافق 12 /11/2019، أطلقت الطائرات الحربية بدون طيار صاروخاً تجاه منزل مكون من 3 طوابق يعود إلى منير زعرب في منطقة المواصي، جنوب غرب خانيونس. بعد عدة دقائق، استُهدِف المنزل بصاروخ F16 مما أدى إلى تدميره بالكامل. وأفاد منير لباحثي المركز بأنه تلقى مكالمة من شخص عرف عن نفسه أنه ضابط في المخابرات الإسرائيلية. طلب الإسرائيلي الضابط من منير تأكيد هويته وأن يقوم وأفراد أسرته بإخلاء المنزل بدون أخذ أغراضهم. كما وطلب الضابط من منير بأن يبقى على بعد 300 متر من المنزل مع إبقاء الاتصال مفتوحاً معه. أُبلغ منير بأن المنزل سوف يتم استهدافه بصاروخ طائرة استطلاع متبوعاً بصاروخ F16، ولم يسجل وقوع أي إصابات.

في حوالي الساعة 07:30 من مساء يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019، أطلقت طائرات حربية بدون طيار صاروخاً على أرض زراعية تعود إلى أحمد نصر (58)، في حي قديح في قرية عبسان، شرق خانيونس. في حوالي الساعة 02:22 من صباح يوم الخميس الموافق 14 /11/2019، استُهدف المنزل بصاروخين مما ادى إلى تدمير غرفة زراعية بالكامل.

في حوالي الساعة 11:20 من صباح يوم الأربعاء الموافق 13/11/20219، أطلقت طائرات حربية بدون طيار صاروخاً تبعه صاروخ F16 على منزل يعود إلى حمودة أبو عمرة في القرارة، في خانيونس، مما أدى إلى تدمير المنزل بالكامل. وفقا لتحقيقات المركز، في الساعة 11:20، تلقى حمودة مكالمة هاتفية من شخص عرف عن نفسه بأنه ضابط من المخابرات الإسرائيلية. طلب الضابط من حمودة تأكيد هويته وأن يقوم وأفراد أسرته بإخلاء المنزل بدون أخذ أغراضهم. طلب خمودة من الضابط أن يقوم بإخلاء عائلة السميري الذين يبعد منزلهم حوالي 300 متر عن المنزل بينما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تستعد لقصف المنزل. ولم يسجل وقوع أي إصابات. كما أدى القصف الى تدمير منزل مجاور بالكامل وإلحاق أضرار جزئية بـ (17) منزلا أخرين.

في يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019، قبل منتصف الليل بقليل، أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية صاروخاً سقط في ساحة منزل يعود للمواطن حمدان فياض في منطقة القرارة، شمال شرق مدينة خان يونس، مما تسبب في أضرارٍ طفيفة. وأفاد صاحب المنزل إلى الباحث الميداني في المركز بأنهم أجبروا على إخلاء المنزل بعد القصف لأنهم اعتقدوا أنه صاروخ تحذيري. ولم يسجل وقوع أي إصابات.

رفح:

في حوالي الساعة 7:30 من صباح يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019، استهدفت طائرات حربية إسرائيلية من طراز خمسة صواريخ متتالية F16 باتجاه أرضاً زراعية، شمال رفح، مما أدى إلى حدوث أضرار في منزلين في المنطقة يعودان إلى كل من إبراهيم أبو عزرة وفؤاد غنام فيما لم يسجل وقوع أي إصابات.

في حوالي الساعة 8:30 من صباح يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019، أطلقت طائات إسرائيلية بدون طيار صاروخاً على منزل يعود للمواطن آدم أبو حدايد، شمال رفح. بعد خمس دقائق، أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية من طراز F16 صاروخاً أدى إلى تدمير المنزل بالكامل وحدوث أضرار بالمنازل المجاورة. ووفقاً لتحقيقات المركز، تلقى أحد جيران آدم مكالمة هاتفية من رقم مجهول عرف عن نفسه بأنه ضابط مخابرات وأمره بإبلاغ السكان بالإخلاء على الفور قبل استهداف الجيش للمنزل. قام آدم وأفراد أسرته بإخلاء المنزل قبل دقائق فقط من حدوث الاستهداف. وفي الوقت نفسه، استهدفت طائرات بدون طيار بصاروخٍ واحدٍ منزلاً مجاوراً قيد الإنشاء يعود للمواطن إسماعيل جابر. هذا ولم يسجل وقوع إصابات بين المدنيين في كلا الاستهدافين.

في حوالي الساعة 7:10 من مساء يوم الأربعاء الموافق 13/11/2019، أطلقت طائرات حربية إسرائيلية بدون طيار بصاروخ واحد محل الجزار للإلكترونيات الواقع في الطابق الأرضي من منزل يعود للمواطن جميل أبو زيد في محافظة رفح. أسفر الهجوم عن إصابة 8 مدنيين من عائلة أبو زيد، بينهم طفلان.

التحليل القانوني:

عائلة السواركة:

تقدم اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين والأعيان المدنية دليلاً جديداً على استمرار إسرائيل بعدم احترام مبادئ القانون الإنساني الدولي وبخاصة مبدأ التمييز. يستلزم مبدأ التمييز وجوب منع الاستهداف الخاطئ  والتقليل كحد أدنى من الوفاة العرضية والإصابة والتدمير فيما يتعلق بالأشخاص والأشياء المحمية من الهجمات المباشرة.[8]

كان استهداف عائلة السواركة، والذي أدى إلى مقتل 8 مدنيين، من بينهم 5 أطفال، مبنياً على معلومات استخباراتية غير محدثة صنفت المبنى على أنه “هدف للبنية التحتية”، مما يعني أن الاستهداف كان لأهمية هذا الموقع وليس الغرض منه استهداف اشخاص تابعين له.[9] كان الموقع المستهدف عبارة عن أكواخ من الصفيح، وهو هدف حتى لو استخدمه الجهاد الإسلامي فلن يكون له أهمية كبيرة أو يضر بقدراته. في هذه الحالة، يجب أن تتخذ قوات الاحتلال الإسرائيلي، الطرف المهاجم، جميع الاحتياطات المستطاعة قبل الهجوم في حالة وجود مدنيين من أجل تجنب وقوع أكبر قدر ممكن من الضرر العرضي بالمدنيين. تُعرَّف الاحتياطات المستطاعة بأنها “الاحتياطات العملية أو الممكن اتخاذها عملياً مع مراعاة جميع الظروف السائدة في ذلك الوقت، بما في ذلك الاعتبارات الإنسانية والعسكرية.”[10] من بين العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار المعلومات الاستخباراتية المتاحة والضرورة العسكرية.[11] نظراً لاستناد المعلومات التي كانت لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي وقت الهجوم إلى معلومات استخبارية غير محدثة ولم يكن الهدف ذا أهمية عسكرية، كان يجب على قوات الاحتلال الإسرائيلي اتخاذ احدى الاحتياطات اللازمة من خلال إصدار تحذير مسبق فعال على الأقل.

ووفقاً لتحقيقات المركز، كانت عائلة السواركة تعيش في نفس المكان منذ عام 2005 عند انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، وقد علم المركز أن 21 فردًا من عائلة السواركة يعيشون في المبنى. فلو قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالتحقيقات الكافية قبل الهجوم، لوجدت أن المبنى مدنياً. ومع ذلك، فإن إهمال إسرائيل بتحديث معلوماتها الاستخباراتية هو دليل على استخفاف إسرائيل بحياة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.

لم تكن حادثة عائلة السواركة هي الحالة الوحيدة التي أسفرت فيها الهجمات الإسرائيلية عن مقتل مدنيين رغم عدم تواجد أي نشطاء عسكريين أو أي نشاط عسكري في المنطقة. خلال فترة إعداد التقرير، قُتل ثلاثة أفراد من عائلة عياد، أحدهم طفل، بينما كانوا يستقلون دراجة نارية. وفي التصعيد السابق في شهر مايو، فشلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في حادثتين تم فيها توجيه تحذير لسكان مبنيين مدنيين، البرج رقم 12 من أبراج الشيخ زايد في شمال قطاع غزة ومبنى زعرب 2 في رفح، مما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين. ووفقًا للمادة 51 (5) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، تحظر الهجمات العشوائية، وتضمن الهجمات العشوائية: ” الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضراراً بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.”  بالإضافة إلى ذلك إن شن هجمات عشوائية بما يؤدي لمقتل وإصابة مدنيين يرقى إلى جريمة حرب في حالات تشهد تنفيذ مثل تلك الهجمات على نحو طائش.”[12]

الاعتداءات ضد الأعيان المدنية:

استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الأعيان المدنية خاصةً منازل المدنيين خلال جولة التصعيد الأخيرة بخلاف سابقتها في مايو 2019 التي شملت استهداف وتدمير منشآت تجارية وسكنية بشكل كلي. يوثق هذا التقرير استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي لعشرة منازل مدنية بخلاف منزل بهاء أبو العطا؛ 6 منهم تم تدميرهم بشكل كلي في حين أن الأربعة المتبقين تعرضوا لتدمير جزئي. وقد تبين من تحقيقات المركز أن قوات الاحتلال قد فشلت في معظم الغارات بإعطاء تحذير مسبق وملائم، باستثناء ثلاث هجمات جوية. وجب التوضيح بأنه لا يحق لطرف من أطراف النزاع إلحاق أضرار او تدمير أملاك مدنية إن كان الدمار الملحق يفوق الفائدة العسكرية المرجوة. هذا وتعتبر المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 “”تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية” مخالفة جسيمة لاتفاقيات جنيف وقد يرتقي الى جريمة حرب وفق مادة 8.2.ب.2 من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية.

الخلاصة:

تشكل الهجمات على قطاع غزة خلال الفترة المشمولة بالتقرير انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وقد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وعليه فإنها تخضع لولاية المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي، ينبغي لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية النظر في الاعتداءات الاسرائيلية التي وقعت خلال هذه الجولة التصعيدية، بالإضافة للاعتداءات السابقة، في تحقيقها المرتقب في الوضع في فلسطين، والذي أصبح ضرورة حتمية.

كما ذكر أعلاه، اعلنت قوات الاحتلال فتح تحقيق في الهجوم الذي اودى بحياة عائلة السواركة في دير البلح، لكن على الرغم من ذلك واستنادا إلى خبرة المركز في العمل مع التحقيقات الإسرائيلية، فان تحقيق المسائلة بعيد المنال. هذا وقد  فشلت اسرائيل بإجراء تحقيق جدي في الانتهاكات العديدة التي ارتكبتها خلال ثلاث عمليات عسكرية دموية ومدمرة ضد قطاع غزة في غضون ست سنوات، تماهياً مع تحقيقاتها في مظاهرات مسيرة العودة . وقد حاولت إسرائيل كما عهدناها تبرير قتل واصابة المدنيين وتدمير الأعيان المدنية بادعائها موافقة هجماتها للقانون الانساني الدولي. هذه الممارسات الاسرائيلية تعزز الحاجة الملحة للمحكمة الجنائية لمباشرة التحقيق الفعلي للوضع في فلسطين وفتح تحقيق رسمي في الانتهاكات التي قد ترتقي الى جريمة حرب وجرائم ضد الانسانية منذ تاريخ 13 يونيو 2015، وهو تاريخ قبول فلسطين لولاية المحكمة الجنائية الدولية.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد