اسرائيل ليست سعيدة بإجراء الانتخابات الفلسطينية لعدة أسباب جوهرية، لعل اهمها خشيتها من ان تفضي نتائج الانتخابات الى الولوج الطوعي او «الإجباري» لانهاء الانقسام.
وفي مطلق الأحوال فإن إعادة توحيد المؤسسة الوطنية تمثل خسارة صافية لإسرائيل من زاوية إغلاق ملف «البدائل» عن القيادة الشرعية، وعن منظمة التحرير الفلسطينية.
وإسرائيل تدرك جيداً ان تجديد الشرعية او الشرعيات، وتوحيد المؤسسات الوطنية بالرغم من بقاء بعضها الآخر خارج نطاق هذا التوحيد سيؤدي الى تجديد الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية عربياً وإقليمياً ودولياً، وسيؤدي الى إنعاش الدور السياسي، والى المزيد من تجديد الالتزامات الدولية حيال الحقوق والأهداف الوطنية الفلسطينية.
وليس من مصلحة إسرائيل على الإطلاق ان تبدو فلسطين قادرة على إعادة بناء نظامها السياسي، والاحتكام الى القيم والمعايير الديمقراطية لما يشكله هذا المظهر من تفنيد وتبديد للكثير من أكاذيب وافتراءات الآله الإعلامية الإسرائيلية داخلياً وخارجياً.
هذا كله من حيث المبدأ، وعلى وجه العموم.
مقابل هذه الصورة هناك صورة أخرى ليست سائدة وليست مؤثرة ترى ان «دمقرطة» الحياة السياسية الفلسطينية ستؤدي الى اختيارات سياسية من شأنها "لبرلة" الحياة الاجتماعية، وتنوع في انماط السلوك بما قد يؤدي الى كسر النمط الفصائلي، و«الهالة» السياسية والفكرية لهذا النمط، ما سيساهم في خلق توازنات جديدة بين البعد الوطني وبين الابعاد الاجتماعية والاقتصادية لهذا الصراع. وهي توازنات تراها مثل هذه الاوسط اكثر ملاءمة لاسرائيل في ادارة الصراع. علماً بأن مثل هذا الاستنتاج ليس صحيحا بالضرورة.
اما في مسألة القدس فالامر مختلف والنظرة الى مشاركتها ابعد من الاعتبارات التي تحكم او يمكن ان تحكم الموقف من الانتخابات.
في مسألة القدس تبدو الأمور في ظل حالة الاستقطاب السياسي الحادة في المجتمع الإسرائيلي، والانتخابات الثالثة التي أصبحت مؤكدةً اكثر تعقيداً من اي مرحلة سابقة، وسيبدو اي «تنازل» إسرائيلي بل اي «تساهل» اسرائيلي ازاء حرية الفلسطينيين في إجرائها وكأنه «تبديد» مجاني للاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة اليها.
من جانب اليمين واليمين المتطرف، وحتى من جانب الوسط سيكون من «المحرمات» ان يسمح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات كما حصل في المرتين السابقتين، الا اذا كان الموقف الأميركي هو «ضرورة» السماح بها بهذا الشكل او ذاك لما يمكن ان يشكله ذلك من «مصداقية» في الموقف الاميركي حيال سكان شرقي المدينة.
وهنا لا يتعلق الامر فقط بالتسريبات الاخيرة حول القدس بقدر ما ان الامر يتعلق بمعلومات «اقدم» من التسريبات بكثير، والتي مفادها ان الولايات المتحدة بقدر ما هي داعمة لبقاء القدس موحدة فإنها (اي الولايات المتحدة) ترى اهمية قصوى لتقسيم المدينة بين الفلسطينيين والاسرائيليين دون الاستقلال التام للقسم الشرقي عن البلدية الموحدة، وبهذا المعنى فإن اسرائيل لن توافق مطلقاً في الظرف الحالي على اجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية في ظل الحالة السائدة فيها الا اذا أجبرت على ذلك.
لا تعير إسرائيل اي أهمية للموقف العربي، ولا حتى للموقف الدولي، لكنها لا تستطيع مطلقاً ان تخالف الموقف الأميركي.
واذا كانت الامور هي في إطار هذا التصور فإن طرح ما يسمى ب صفقة القرن قبل الانتخابات الإسرائيلية في آذار القادم هو امر مستبعد ان لم نقل أمراً مستحيلاً.
ببساطة، اليمين واليمين المتطرف لا يمكنه في ظل المعركة الانتخابية الاسرائيلية ان يبدو ضعيفاً او مهتزاً ازاء مسألة القدس، وبسبب تعذر ان ينتقد علناً الموقف الاميركي فإن المستفيد الوحيد من هذا الاهتزاز والضعف هو حزب «ازرق ابيض» ليس لأن هذا الاخير له مواقف مغايرة لموقف اليمين، بل لأن اليمين يعتبر نفسه هو «الأب» الشرعي لهذه المواقف، وانه هو وليس غيره من يتبنى بالكامل أطروحات ارض اسرائيل كلها، ومن النهر حتى شاطئ البحر.
وبهذه المعاني كلها فإن الإدارة الأميركية اذا ما «تهورت» وطرحت «الصفقة» قبل الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية فإنها (أي الإدارة) تكون فعليا وواقعيا قد تخلت عن اليمين المتطرف في إسرائيل وتكون قد بدأت بالرهان على أحصنة جديدة، خصوصاً وان نتنياهو لم يعد بكل المقاييس الحصان الوحيد، ولم يعد الحصان الرابح بكل تأكيد.
في بعض الأحيان فُهم أننا ننتظر الموافقة الإسرائيلية، او الرد الإسرائيلي لكي يتم إصدار مرسوم إجراء الانتخابات، وهذا برأيي ليس هو الموقف المطلوب، ثم فُهم أننا لا نرهن موقفنا بالرد الإسرائيلي، ولكننا نريد ان نعرف «حدود» الموقف الإسرائيلي في هذه الظروف الخاصة، وهذا ايضا برأيي ليس ضرورياً على الإطلاق.
الموقف الصحيح هو ان الطلب من إسرائيل اذا كان له اعتبارات «دبلوماسية» بالنسبة للأوروبيين او غيرهم، او حتى تكون الإجراءات الفلسطينية لعقد هذه الانتخابات «مغطاة» بهذا الطلب المسبق فإن هذا يمكن فهمه وتبريره شريطة ان لا يتحدد الأمر برمته وفق موعد وطبيعة الرد الاسرائيلي وانما وفق الاعتبارات الفلسطينية الخالصة.
ببساطة نحن امام فرصة سياسية كبيرة لكي نخوض معركة اجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية، باعتبار انها معركة على أهمية ومحورية المدينة المقدسة بالنسبة للنضال الوطني الفلسطيني، وباعتبار ان مكانتها الوطنية والرمزية والتاريخية هي جزء من المعركة على الرواية وعلى الأهداف والحقوق.
وعندما نخوض معركة القدس في هيئة مكانتها ومصيرها ودورها وموقعها ومركزيتها في إطار الحقوق والأهداف، فإننا نعيد تجنيد شعبنا وقواه الوطنية وتحشيد طاقاته الوطنية والدينية والأخلاقية في مواجهة التهويد والسيطرة الإسرائيلية وتوحيد صفوفه تماماً كما توحدنا وجندنا وحشدنا لمعركة البوابات ومعارك اخرى كانت ناجحة ومظفرة وعلامة مضيئة في الفعل الشعبي المقاوم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد