نحن الآن في وضع جيد بالمقارنة مع سنوات طويلة من الانقسام والفرقة. صحيح أنه لم يتم إنهاء الانقسام ولم نتوصل عبر جلسات واتفاقات الحوار الوطني الكثيرة إلى انطلاقة جدية في هذا الملف، ولكن الاتفاق على مبدأ الانتخابات كآلية لتغيير الوضع القائم الداخلي وكبداية للمصالحة الوطنية هو في حد ذاته تطور إيجابي ينبغي الحرص عليه وتطويره للوصول إلى تطبيق عملي لهذه الآلية. وربما يكون الأمر المبشر في كل هذا هو التزام الجميع بالعملية الديمقراطية واحترام نتائجها مهما كانت. وهذا تم في الواقع بعد أن عدلت حركة حماس من مواقفها بصورة إيجابية لقبول شروط الرئيس أبو مازن والتعهد بالقبول والالتزام بالنتائج.
صحيح أن الاتفاق الوطني الشامل على إجراء العملية الانتخابية بناء على ورقة الرئيس يمثل 90% من المشوار حتى الانتخابات، ولكن ما تبقى يرتبط بموقف إسرائيل من إجراء الانتخابات في القدس الشرقية بناء على الاتفاقات السابقة. وحتى الآن ليس واضحاً ماذا سيكون الموقف الإسرائيلي من هذه المسألة المهمة خصوصاً بعد القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها. وعلى الأغلب ستماطل إسرائيل في اتخاذ موقف وربما يكون موقفها سلبياً ولهذا لا يجب انتظار أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية قراراً بمسألة تصويت المواطنين في القدس الشرقية. والأفضل أن يصدر الرئيس أبو مازن مرسوماً ليحدد موعداً للانتخابات العامة بعد الانتخابات الإسرائيلية بفترة لا تقل عن شهرين. وأن تبدأ القيادة الفلسطينية بتفعيل الضغوط على إسرائيل من خلال المجتمع الدولي حتى توافق على تنظيم الانتخابات في القدس المحتلة كما جرى في المرات الماضية. وإذا لم توافق الحكومة الحالية فعلى الأقل ستكون هناك فرصة ربما بعد الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في مطلع شهر آذار في حال حصول تغيير في الائتلاف الحاكم. في كل الأحوال لا يجب منح إسرائيل فرصة تعطيل الانتخابات لأنها تحتل أهمية قصوى في هذا المرحلة وتحظى بإجماع وطني شامل.
أما لماذا تعد الانتخابات مهمة الآن، فهذا يرتبط بدفع مبدأ حل الدولتين الذي باتت إسرائيل ترفضه وتتهرب منه، بل وتعمل على إفشاله ووضع كل العراقيل في وجهه. ومن المهم في هذا السياق أن نظهر جاهزيتنا لمثل هذا الحل، وليس هناك أقوى من الوحدة الوطنية كسلاح فعال في تعزيز فرص الحل. وحتى لو كانت إسرائيل ترفض وتعطل فهناك مجتمع دولي إذا اقتنع بجاهزية وقدرة الفلسطينيين على إدارة دولة مستقلة سيضغط بهذا الاتجاه وسيتعزز التفكير الذي تولد لدى بعض الدول الأوروبية كالسويد التي اعترفت بفلسطين ولوكسمبورغ التي تطالب الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بشكل جماعي بدولة فلسطين في حدود العام 1967.
أفضل خدمة يمكن أن نقدمها للمشروع الوطني ولأصدقائنا الذين يدعمون حقوقنا وهم الغالبية العظمي من شعوب ودول العالم هي الوحدة الوطنية التي يمكن أن تتجلى في برلمان فلسطيني موحد يمثل مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، وحكومة وحدة وطنية جامعة أو متفق على تشكيلها وبرنامج سياسي مبني على برنامج منظمة التحرير يقوم على فكرة الاستقلال الوطني في دولة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة منذ الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار 194، على قاعدة قرارات الإجماع الوطني والعربي وخاصة مبادرة السلام العربية.
قد يقول قائل، نحن نحظى بدعم دولي كبير وهذا لم يمنع استمرار الاحتلال ولم يحقق لشعبنا الحرية والاستقلال، هذا صحيح ولكن هناك أشياء مرتبطة بالتغيرات التي تحصل في إسرائيل على وجه الخصوص تمنع التوصل إلى تسوية. وبعد أن تربع اليمين الإسرائيلي المتطرف وخاصة في السنوات العشر الأخيرة لم تكن هناك أي مفاوضات جادة بهدف الوصول إلى حل عادل ينهي الصراع، وكل ما سعت إليه إسرائيل هو تغيير الوضع الراهن لجهة قطع الطريق على مشروع التسوية وحل الدولتين، وانتقلت إسرائيل من إدارة الصراع إلى محاولات حسمه بشكل نهائي وفق أجندة اليمين الاستيطاني العنصري بالسعي إلى ضم ما تشاء من أراض إليها والإعلان عن حل نهائي من طرف واحد والعمل على إجبار الفلسطينيين على التأقلم مع الواقع الجديد. وقد وصلنا في التوجهات الإسرائيلية المتطرفة إلى مستوى أن يعلن منافس نتنياهو في المعركة على زعامة حزب «الليكود» جدعون ساعر أن نتنياهو كان شريكاً في بث وهم حل الدولتين وأنه لا يرى إمكانية لقيام دولة أخرى غير إسرائيل بين النهر والبحر وكل ما يقترحه هو حكم ذاتي مرتبط بالأردن وروابط اقتصادية مع إسرائيل والأردن.
ولكن ليس فقط إسرائيل، نحن أيضاً نتحمل مسؤولية بانقسامنا والفوضى التي خلقناها في الانتفاضة الثانية، أبعدنا العالم عن تأييدنا بحماسة كما كان الوضع ما قبل العام 2000. ولهذا من الجيد أن نعرف مدى الضرر الذي خلقناه لأنفسنا بهذا الانقسام البغيض والمدمر وأن نبدأ بترميم وضعنا ونستعد للمرحلة المقبلة التي ستكون أصعب بلا شك مع قيادة سياسية إسرائيلية لم تعد مؤمنة بفكرة السلام ولا بالتسوية السياسية وتعتقد أنها ستحصل على الاعتراف العربي والدولي بالوضع الراهن الاحتلالي. والموضوع هنا لا يتعلق فقط بإقناع العالم بالانتصار لنا وتعزيز الدعم الدولي لحقوقنا بل أيضاً بالكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولنتذكر أن كل الدعوات التي أطلقتها الفصائل لنضال شعبي واسع لم تنجح في تحريك الجماهير وذلك بسبب الانقسام وفقدان الثقة في القيادات السياسية. والآن الجميع بات مقتنعاً بأولوية النضال الشعبي الواسع، والوحدة الوطنية ستكون بالتأكيد رافعة مهمة لمقاومة الاحتلال والاستيطان العنصري.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية