قبل أيام شاركت لأول مرة بحياتي باجتماع أولياء الأمور وذلك في "حضانة ومدرسة" ابني البالغ من العمر خمس سنوات وهو الآن في "التمهيدي"، تلك المؤسسة التعليمية تعتبر من المؤسسات الريادية ونفتخر بها في محافظة رام الله والبيرة، ولها مني كل الحب والدعم والتقدير. كان الاجتماع أشبه باجتماع أمهات الطلاب، كنت الوحيد كوالد طفل بين الأمهات، إلا أنه في آخر لحظة جاء والد طفل هو وزوجته، ما جعلني أشعر بارتياح ولو بسيط. بدأت أستمع من المعلمة "مربية الصف" حول عدد من المواضيع، كان بعض الأمهات يسألن عن قضايا محددة بهدوء حول طرق التعليم وأين وصل الأطفال بتعلمهم من الأحرف العربية والإنجليزية والأرقام. وفجأة بدأ اشتباك الكلمات ببعضها البعض، وانتقل الموضوع الأكاديمي الى موضوع المصارعة الحرة بين الأطفال.
لا أخفيكم بأني ذُهلت. تفاجأت.. انصعقت.. ثم بدأت أبتسم وأنا أتابع المشهد التحريضي للعنف، أغلب من تحدثن شجعن نظرية "اللي ضربك أضربه" هكذا يعلمن أطفالهم، والأخطر من ذلك بجانبي أم طفل قالت أنا بحكيله " مش بس يضرب... لازم يعوّر وما يرجعلي مضروب"، في هذه اللحظة بالذات بدأت أشعر بالخوف وقلت لنفسي: شو هالورطة اللي ورطناها. ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه، وكوني "مش مشكلجي" انسحبت قبل انتهاء مجلس أولياء مشجعي المصارعة.
كانت تأتي لنا شكوى بأن ابني خطاب عنيف ويضرب الأطفال، فبدأنا العمل على متابعة ذلك من خلال اختيار نوعية الرسوم المتحركة التي يشاهدها، تسجيله في رياضة " تاي جتسو". لكن بعد مشاركتي اجتماع مجلس أولياء الأمور ووجدت بعض الأمهات يقمن بتشجيع المصارعة بين الأطفال، كنت مرتاحا مع ذاتي بأن طفلي يعرف كيف يجب أن يعالج الأمور مع محيطه، ولن أقول له "ما تكون عنيف... وما تضرب الأولاد" ولن أقول أيضاً له "اضرب اللي بضربك" لأن عليه التعامل مع محيطه كيفما يجب ضمن تقديراته.
أعتقد حان الوقت أيضاً للمدارس أن تعمل بالإضافة لمقابلات الطلاب مقابلات مع أولياء الطلبة، لأن العائلة هي من أهم أسس التربية التي سيكتسبها الطفل ويعكسها في مختلف جوانب الحياة، وهذا ما تعلمناه في الجامعة بأن التنشئة هي إعداد الفرد للتكيف مع المجتمع، لنتخيل كيف يتم إعداد هؤلاء الأطفال "اللي ضربك اضربه"، والعائلة هي المجتمع؛ والمجتمع نظام متكامل يكتسب ويختزل بأطيافه المتنوعة ومكوناته، فإذا ساد العنف في الأسرة فسوف ينعكس على المدرسة والمجتمع. بالتالي إذا كان الطفل يتم تعليمه بثقافة العنف ماذا سيكون شكل المجتمع في المستقبل؟ لنتخيل الثقافة التي أورثناها للطفل من جميع المثل والقيم وأساليب الحياة وطرق التفكير المنبثقة عن الضرب، لتلد هنا ثقافة الظواهر السلبية المخاصمات والشللية وتمجد العنف وتفتخر بأن ابنها سيقوم بتعوير طفل!! من المعروف أن غالبية الأطفال يتعلَّمون التصرفات _الإيجابية والسلبية_ من البيئة المحيطة التي يشاهدونها كل يوم، وإذا كان أحد أفراد الأسرة عصبيا فإنَّ ذلك ينعكس على سلوك الطفل، إلى جانب ما يشاهده الطفل يوميا من نماذج في الرسوم المتحركة، التي تتَّصف بأعمال العُنف والعدوانية، وغالباً ما يُحاكي الأطفال هؤلاء الشخصيات في تصرُّفاتهم العدوانيَّة، ومثال ذلك ابني يجد نفسه "سبايدرمان" "باتمان".
وإذا ما نظرنا الى العم "فرويد" فإننا نجد "أن العنف يرجع إلى الصراعات الداخلية والمشاكل الانفعالية والمشاعر غير الشعورية بالخوف وعدم الأمان وعدم المواءمة والشعور بالنقص" وهذا ما يقوم به بعض العائلات بزراعته في عقل الطفل وهو الضرب كعلاج أي مشكلة بطريقة غير مباشرة، وكأن الطفل لا يوجد ضمن إطار مؤسسة الحضانة/المدرسة. ومن زاوية أخرى فإن الطالب يشاهد المعلم أيضاً يقوم بحل المشكلات ويعاقب من خلال الضرب، ليكتسب الطالب بطريقة غير مباشرة معززات أخرى تدعم حل المشاكل التي نواجهها بالضرب.
بالنهاية، أقول يجب أن تكونَ الأم مثالاً جيدًا للطفل من حيث تعليمه السلوك والممارسات الصحيحة، وعليها أن لا تقوم هي والأب في استخدام القوَّة والعقاب البدني من خلال ضرب الطفل. لأنه سيقوم بتقليدهم مع من حوله، أيضاً علينا كآباء البحث عن متنفس لأطفالنا وتشجيعهم في عمل ما يحبونه باستنهاض ودعم ما يحبون عمله من ممارسات رياضية وفنية، ولنخرج معهم والاستمتاع في الطبيعة ولا نقيدهم بحدود معينة. المهم والأهم أنا خرجت بصحة وسلامة من اجتماع مجلس أولياء الأمور والله قدر ولطف وما انضربنا، لأنه ما بقدر أضرب اللي بضربني.

للتواصل:
بريد الكتروني mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك: RamiMehdawiPage

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد