في علم اللغة العربية يوجد "كان وأخوتها" وهي أفعال ناقصة وناسخة , ومهمتها الدخول على الجمل الإسمية لتحدث فيها تغييراً , وفي علم السياسة والحرب يوجد "الهدنة وأخواتها" وهي : الهدنة , والتهدئة , والتسوية , وإتفاق السلام , وكل كلمة لها معناها اللغوي والسياسي , ومهمتها تغيير الواقع الميداني , ويتمثل هذا التغيير في وقف إطلاق النار, ليبدأ العمل الدبلماسي , ليصل الى الحل النهائي , وتبدأ هذه الكلمات بالتسلسل وكالتالي .

التهدئة وهي وقف إطلاق نار مؤقت , يهدف لإتاحة الفرصة لفعل شيئ ما , وإلتقاط الأنفاس والتأهيل للجولة القادمة .

الهدنة هي وقف إطلاق النار بموجب إتفاق موقع بين طرفين , ولها سقف زمني محدد , وربما تكون طويلة الأمد , وهي قابلة للتجديد أيضاً , وتحمل نفس أهداف التهدئة , بالإضافة الى أنها مقدمة لتفاهمات كبيرة .

التسوية وهي أن كل طرف يعرف ما له وما عليه , وكم حصته , وأين توجد , وما هو مقابلها , ومتى سيحصل عليها , ومتى سيدفع ثمنها .

إتفاق السلام يعني إتفاق شامل ونهائي موقع بين طرفين , ويترتب على هذا الإتفاق , بروتوكولات إقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية , وتكون العلاقة رسمية بينهما , كأي دول تخضع لقوانين الأمم المتحدة والمجتمع الدولي .

أما في غزة فالهدنة بين حماس والجهاد الإسلامي وإسرائيل , فلها أخوات كثر , بحسب ما يرى الرأي العام الفلسطيني , فمنهم من يرى أنها سلام , ومنهم يراها تسوية , ومنهم يراها تفاهمات , ومنهم من يراها تهدئة , ومنهم يراها مساومة , ومنهم من يراها تنازلات , ومنهم من يراها مناورات.. فكل هذه المسميات في حقيقة الأمر نتيجة خلافات سياسية حادة , ومن وسط هذه المسميات , صرحوا قيادات حماس والجهاد الإسلامي مجدداً , بأنه لا يوجد هدنة طويلة الأمد مطروحة عليهم!! برغم أن المخابرات المصرية طرحت ما هو أكبر من هدنة طويلة الأمد , وهي تسوية وجاري العمل بها , وتتمثل في التفاهمات الإقتصادية الموجودة الآن في غزة..

حماس ترغب في هدنة طويلة مع إسرائيل , والسبب أنها بحاجة لمدة زمنية كافية لترتيب أوراقها , وخاصة أنها مقدمة على إنتخابات , ولكن رفض الجهاد الإسلامي مؤخراً , جعل حماس تصرح بأنه ليس هناك هدنة طويلة مطروحة على الطاولة , وكذلك الجهاد الإسلامي صرح نفس الشيئ , ولكن هل هذه التصريحات كافية لإقناع الرأي العام , بأن ما يجري في غزة , هو عبارة عن مساعدات مجانية تقدمها إسرائيل بدون أي مقابل؟! .

بعيداً عن كل المسميات , صرح الجهاد الإسلامي مؤخراً وحرفياً , بأنهم غير موقعين ولا ملتزمين بهدنة طويلة الأمد , ولكنهم ملتزمين بوقف إطلاق النار طالما أن إسرائيل ملتزمة , وأنهم معنيين بالهدوء مقابل الهدوء , وهذا التصريح لغوياً قد يخم بعض القراء , ولكنه في مضمونه يعني أن الهدنة طويلة الأمد , والهدوء المتبادل , هما واحد فلا فرق! بمعنى أنه إذا إلتزمت إسرائيل بالهدوء طوال عشر سنوات مثلاً , فستلتزمان الجهاد وحماس أيضاً!! وعلماً بأنه وفي حال تم إختراق الهدنة من قبل التيار السلفي , أو الفصائل الصغيرة والتي تم إقصائها في حوارات القاهرة , رغم أنها شريكة في المقاومة , فإسرائيل لم تفرق بين هدنة وتهدئة وتسوية وسلام...إلخ , ولم تفرق بين فصيل وآخر , فهي ستضرب جميع المسميات , وكما فعلت بعد فشل كمب ديفيد 2000 , عندما قررت القضاء على أوسلو وأخواتها .

يجب أن تدرك الفصائل المتحاورة في القاهرة أن الهدنة والتهدئة والهدوء , هما في مضمونهما واحد بالنسبة لحسابات إسرائيل , وأنهما تحولا الى تسوية بمجرد وجود المستشفى الأمريكي والأموال القطرية... إلخ , فلا داعي للتصريحات والمليئة بالمفردات الفضفاضة والمطاطية وحمالة الأوجه .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد