متكررة شكوى وزارة الخارجية الفلسطينية، من صمت وتواطؤ المجتمع الدولي إزاء عمليات الإعدام الميداني المباشرة التي ترتكبها الأجهزة الاحتلالية بحق الفلسطينيين، ما يهدد قواعد العدالة الدولية.
الشكوى من تواطؤ وعجز وصمت المجتمع الدولي، لا تقف عند حدود جرائم الإعدام الميداني للفلسطينيين، بل تمتد لتشمل كل ما يتصل بالجرائم الاحتلالية ضد الحقوق، وضد القوانين الدولية، فضلاً عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل كل الوقت وتؤدي إلى استشهاد المئات وإصابة الآلاف من الفلسطينيين المدنيين العزل.
هذه الشكوى تتزامن مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي أقرّته الأمم المتحدة العام 1977، ولم يكن حينها الإرهاب الإسرائيلي قد بلغ ما يبلغه اليوم، حيث تطفح الأجندات بتنوع الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها دولة الاحتلال.
في الواقع فإن طريقة تعامل الأمم المتحدة مع هذا اليوم الذي بادرت لتخصيصه للتضامن مع الشعب الفلسطيني، هذه الطريقة تبدو شكلية وتقليدية إلى حد بعيد، وكأنها تذكر بعجزها عن إضفاء مضمون حقيقي عملي على ذلك القرار.
خطابات وتصريحات مكرورة وممجوجة، لا تزيد الكثير على ما يصدر من تصريحات وبيانات لا تهتز لسماعها آذان المحتلين، ولا تشكل رادعاً من أي مستوى.
المجتمع الدولي الذي يجمع على التمسك بالقانون الدولي وبالقرارات التي تتخذها الأمم المتحدة، وما أكثرها، لا يقوى على ممارسة الحد الأدنى من الضغط على دولة الاحتلال.
يجمع المجتمع الدولي على رفض السياسة الأميركية الإسرائيلية بحق القدس ولكن أشكال التعبير عن ذلك، ليست سوى ذر للرماد في العيون.
ويجمع المجتمع الدولي على رفض السياسة الأميركية الإسرائيلية بشأن الاستيطان، لكن آلة الاحتلال، لا تلتفت إلى ما يصدر نظرياً وعبر وسائل الإعلام، عن مسؤولين دوليين سواء على مستوى دول منفردة، أو على مستوى جماعات ومنها الأمم المتحدة.
ثمة قضية تحتاج من الفلسطينيين إلى البحث المعمّق وتتصل بمعنى وأبعاد ومضامين التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهل هي مع الشعب أم مع القضية الفلسطينية، ودور الأمم المتحدة، وقدرتها على إعمال آليات فرض العدالة الدولية.
في الواقع نتساءل عن معنى إصدار بيانات تضامن عن رؤساء وحكومات، لا تجرؤ حتى اليوم، على اتخاذ مواقف وسياسات رادعة، للسياسات الإسرائيلية المدعومة أميركياً، أو على الأقل إضفاء بُعد عملي على معنى التضامن.
إذا كانت الدول الأوروبية، وريثة الاستعمار القديم قد ساهمت في خلق وإنجاح المشروع الصهيوني، ولا تزال تتمسك بسياساتها لتنفيذ وحماية مصالحها، التي أملت عليها، تلك السياسة، وألزمتها بالمساهمة الفعالة كل الوقت، لدعم إسرائيل، وتحقيق تفوقها على كل من حولها، فلماذا مثلاً، لا تبادر الصين، أو روسيا للاعتراف بدولة فلسطين تحت الاحتلال؟
لماذا لا تبادر الجماعة العربية إلى تجديد إعلان خاص بشأن اعترافها بدولة فلسطين، كمقدمة لاستخدام نفوذها وعلاقاتها الدولية في محاولة إقناع أو الضغط على عديد الدول لاتخاذ قرارات بالاعتراف بدولة فلسطين؟
نعلم أن الولايات المتحدة تجند كل إمكانياتها وعلاقاتها في الضغط على دول العالم، لمنعها من اتخاذ قرارات عملية، لتجنيد مواقفها من الاستيطان والقدس وبقية الحقوق، بالإضافة إلى إعلان اعترافها بدولة فلسطين غير أن السؤال هنا هو، ألا يملك العرب والجماعة الإسلامية التي يضم مجلسها سبعا وخمسين دولة، ألا يملك هؤلاء، قدرة كافية لمواجهة الضغوط والسياسات الأميركية، لمنعها من التأثير السلبي على مواقف دول العالم.
إن الأموال العربية تصل إلى عديد المجتمعات الفقيرة والنامية، فلماذا لا يستثمر هذا الدعم، لإقناع تلك الدول أو بعضها بالاعتراف بدولة فلسطين. ما يثير الاستغراب وربما السخرية في هذا الإطار هو أن الولايات المتحدة، تضع نفسها في مواجهة مع الأمم المتحدة، وتتخذ من السياسات ما يغضب حلفاءها التاريخيين في أوروبا وغيرها من القارات، وأن أنانية المصالح الأميركية تعرض مصالح الآخرين للضرر، فلماذا تكون المحصلة لسياسات تلك الدول، الصمت، والتواطؤ والخوف من سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل؟
في الواقع فإن يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني لم يعد تلك المناسبة التي يتجند فيها الفلسطينيون، وأصدقاؤهم وحلفاؤهم في العالم، لإضفاء معنى حقيقي للنشاطات التي يجري تنظيمها في هذا اليوم.
مرة أخرى نعود إلى الأسباب، وهي تتصل أولاً بتأثير الانقسام الفلسطيني على الجاليات الفلسطينية والعربية، وعلى مؤسسات التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، فضلاً عن تراجع وتائر نشاط الجاليات والسفارات الفلسطينية، التي باتت تحصر نفسها ونشاطاتها في أطر دبلوماسية فقط.
المجتمع الدولي عاجز حقاً، والمجتمع العربي والإسلامي عاجز عن تحويل هذه المناسبة إلى فعل مؤثر ونشط، ويترك أثراً على الأرض، ولكن هل يمكن تبرير القصور الفلسطيني، المحكوم لواقع الانقسام، وأثر ذلك على ضعف أشكال الدعم والتضامن الحقيقي مع الشعب والقضية الفلسطينية؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية