فقط بعد 18 شهر من اعتراف الرئيس الأمريكي"ترامب" ب القدس عاصمة لدولة إسرائيل، وقرار الإدارة بنقل السفارة الأمريكية إلي القدس خارج الإطار التفاوضي، وعقب إغلاق البعثة الفلسطينية فى واشنطن والقنصلية الأمريكية فى القدس، فقد خرج علينا رئيس الديبلوماسية الامريكية "بومبيو" بمؤتمر صحفي أعلن فيه أن الولايات المتحدة الامريكية لم تعد تعتبر بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية انتهاكا للقانون الدولي.

اللافت أنه لم يكد ينتهى "بومبيو" من مؤتمره الصحفى المشئوم حتى قامت الدنيا ولم تقعد حيث جاءات الادانات لهذا القرار من كل حدب وصوب فى العالم ، فقد تلقت الادارة الامريكية صفعة فى غاية القوة فى مجلس الامن بعد تصويت 14 دولة من إجمالي أعضائه الــ 15 (باستثناء الولايات المتحدة الامريكية فقط)على "عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي فى الضفة الغربية المحتلة، وأن الاستيطان يخالف القانون الدولى بشكل لا لبس فيه، والقاضى بعدم شرعنة الاستيطان الإسرائيليفي الاراضي الفلسطينية المحتلة.هذا وحسب "رياض منصور" المراقب الفلسطينى لدى الامم المتحدة فقد أكد أمام الصحفيين أن موقف كل من الصين وروسيا جاء مؤيدا تماما لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والشرعية الدولية. وفى نفس السياق، فقد أعلن "نيكولاى ميلادينوف خلال الجلس عن أسفه إزاء الاعلان الأمريكي كونه يخالف القانون الدولى فيما قام بالتحذير من المخاطر الجمة المحدقة بتحقيق السلام فى الشرق الاوسط. وفى نفس السياق، وفى تطور لافت فقد قضت محكمة العدل الاوروبية بإلزام الدول الاعضاء فى الاتحاد بوضع ملصق "منتج مستوطنات وليس "صنع فى اسرائيل" على السلع المنتجة فى المستوطنات، وهذا يشكل إضافة نوعية لعدم شرعنة المستوطنات الاسرائيلية ومخالفتها للقانون الدولى.

إن تأكيد الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولى على عدم شرعية المستوطنات استنادا إلي اتفاقية جنيف الرابعة التى تمنع سلطة الاحتلال من نقل اسرائيليين إلي الأراضي المحتلة يشير صراحة وبصوت مرتفع إلي أن العالم لم يعد يحتمل ما يقوم به "ترامب وإدارته" من عبث وتخريب وتدمير لعملية السلام فى المنطقة، ولم يعد يحتمل هذه الحرب المفتوحة ضد الوجود الفلسطينى على اراضيه التاريخية ويهدد إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، ولم يعد يحتمل التنكر للقانون الدولي وانعكاسات ذلك السلبية على حاضر ومستقبل النظام العالمى، ولم يعد يحتمل تفرد الولايات المتحدة الامريكية فى عملية السلام في الشرق الأوسط والنزاعات المختلفة من مناطق العالم.

هذا وفى سياق استمرار ردود الفعل المنددة بهذا القرار، فقد صدق المثل القائل "شهد شاهد من أهله" فهذه صحيفة "نيويورك تايمز" من كبريات الصحف فى الولايات المتحدة الامريكيةفقد جاءت بتاريخ 23/11/2019 بعنوان رئيس واضح وضوح الشمس يؤكد على أن "المستوطنات الاسرائيلية تشكل عقبة فى طريق السلام"، بل والاهم أنها رأت أن اعلان "بومبيو" اعتبار المستوطنات الاسرائيلية فى الضفة الغربية شرعية لا يعدو كونه عملا سياسيا مصلحيا بامتياز إذ أن هذا الاعلان ما هو إلا محاولة بائسة يائسة لانقاذ "صديقه نتنياهو" الذى يواجه اتهامات والفساد والغش وخيانة الامانة من جانب، وأيضا لتوسيع القاعدة الانتخابية للرئيس الأمريكي "ترامب" من جانب آخر. واضافت الصحيفة أن هذا الاعلان لا يغير حقيقة ان المستوطنات الاسرائيلية غير شرعية بنظر القانون الدولى، وان تصريحات "بومبيو" لن تفعل شئ سوى تقويض مزاعم الادارة الأمريكية بأنها تسعى لان تكون وسيطا نزيها فى عملية السلام، وسوى تقويض عملية السلام فى المنطقة.

أما الضربة الثانية التى تلقتها ادارة الرئيس "ترامب" فقد تمثلت فى توقيع (135) عضوا من الكونغرس الأمريكي على عريضة طالبت "بومبيو" للتراجع عن قراره بشأن المستوطنات، وأكدت أن هذا القرار "يشكل انتهاكا صارخا للمادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة والتى تؤكد أنه لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين الى الأراضي التى تحتلها، وأنه يتناقض مع الرأى القانوني الصادر عن وزارة الخارجية فى عام 1978 والذى ينص على ان المستوطنات فى الاراضى الفلسطينية المحتلة تتعارض مع القانون الدولي ويجعل قيام دولة فلسطينية متماسكة جغرافيا غير قابل للتطبيق، ويزعزع مصداقية الولايات المتحدة كوسيط نزيه لعملية السلام كما يزعزع الموقف الاخلاقى لامريكا ويبعث رسالة خطيرة لاولئك الذين لا يشاركون القيم الامريكية مفادها أن حقوق الانسان والقانون الدولى اللذان يحكمان النظام الدولى لم تعد قيد التطبيق، وأنه يلحق اضرارا بالغة بمستقبل عملية السلام كونه بل أنه يعرض أمن أمريكا وإسرائيل والشعب الفلسطيني للخطر".

وفى تطور لافت في هذا السياق، فإن القادة الديمقراطيون في مجلس النواب الأمريكي يسعون للتصويت على مشروع قرار يعيد تاكيد الكونجرس على دعم حل الدولتين فى فلسطين والذى يتوقع أن يتم التصويت عليه فى نهاية العام الحالى.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد