يعتبر افيحاي مندلبليت أول مدع عام إسرائيلي يوجه لائحة اتهام لرئيس وزراء في السلطة، وكان سكرتيراً لنتنياهو العام 2015، ومن ثم نائباً عاماً للدولة في العام التالي، كلا المنصبين، تمت المصادقة عليهما بعد اختيار نتنياهو له فيهما، يقال في هذا الصدد، إن مندلبليت المتدين وقليل الكلام، قد يكون أهم صنّاع القرار في إسرائيل بعد توجيه لوائح الاتهام ضد نتنياهو، مع ذلك يمكن تجاهل أن مندلبليت جاء إلى مناصبه باختيار حرّ من قبل نتنياهو نفسه، وبالتالي يمكن لهذا الأخير التشكيك في مصداقيته ودقة أحكامه.
نتنياهو، سبق وأن اختار روني الشيخ قائداً عاماً لشرطة إسرائيل، هذا الأخير بدأ بالتحقيق مع رئيس الحكومة حول عدد من ملفات الفساد، وبدأت محاولات للتخلص منه قبل نهاية ولايته، دون نجاح رغم التلويح بخفض راتبه، وبعد انتهاء ولايته لأربعة أعوام، تمت مصادقة نتنياهو على تعيين أحد المقربين منه، موشيه أدري، قائداً لشرطة إسرائيل.
أوائل حزيران الماضي، صادق الكنيست على ترشيح نتنياهو لصديقه المقرّب متنياهو أنغلمان مراقباً للدولة، وذلك بعد أسابيع من مبادرة نتنياهو لإجراء ما توصف بأنها «إصلاحات في جهاز القضاء» بهدف منع المحكمة العليا من التدخل في قرارات الكنيست، وتم تفسير هذه المبادرة من قبل العديد من المحللين ورجال القضاء في إسرائيل، من أنها محاولة لتعديل قانون الحصانة والهادف إلى إفلات نتنياهو من ملفات التحقيق بالفساد من قبل الشرطة الإسرائيلية.
نورد هذه الملاحظات السريعة للقول وباختصار، إن نتنياهو عمل كل ما أمكن من أجل تأسيس قضاء وشرطة ومراقب دولة في إسرائيل على أمل العمل لصالحه بهدف الإفلات من ملفات الفساد التي تلاحقه، ذلك أنه من المفترض أن اختياراته لهذه المناصب المهمة تعود إلى الكفاءة والمصداقية والعدالة والترفع عن الملاحقة الشخصية، لذلك فإن أي ادعاء بأن تقديم لوائح اتهام ضده تقوم على أسس كاذبة ومفبركة، وأن ذلك يعتبر انقلاباً على النظام الديمقراطي، لذلك، فإن أول من يجب أن يدافع عن النظام القضائي في إسرائيل، هو نتنياهو نفسه الذي ساهم في تأسيس هذا النظام على أمل أن يلبي أهدافه بالإفلات من الملاحقات، ثم من المحاكمات، إلاّ أن ذلك لم يحدث كما بات واضحاً!
حالة الإنكار، ثم التحدي، عندما واجه نتنياهو الرأي العام اثر توجيه لوائح اتهام بالفساد، والرشوة وسوء الائتمان، يتفقان مع طبيعة نتنياهو الذي عمل بلا كلل وملل على أن يصدق أنه «ملك إسرائيل» لذلك ليس عليه أن يغادر مقعد رئيس الحكومة، ورغم كل احتمالات تصدع حزبه «الليكود»، بتأثير هذه اللوائح والأزمة العالقة حول تشكيل الحكومة، إلاّ أنه يراهن على نجاحه بالتأثير على الرأي العام الإسرائيلي من خلال زعزعة الثقة بالجهاز القضائي الذي ساهم في اختيار قياداته كما أسلفنا، كما يراهن على أن الأمر يتطلب المزيد من الوقت، فحبال المحاكم طويلة، خاصة وأن المراجع القضائية تشير الى أن بإمكان نتنياهو الترشح لرئاسة الحكومة مجدداً، حتى لو قام النائب العام بالإقرار بعدم صلاحية نتنياهو لهذا المنصب اثر توجيه لوائح الاتهام ضده، إلاّ أن الرئيس الإسرائيلي وحده، في هذه الحال بإمكانه عدم تكليفه تشكيل الحكومة.
المشهد الإسرائيلي الحالي، اثر توجيه لوائح اتهام ضد رئيس الحكومة، قد يرى فيها البعض أنها دليل على عمق الحياة الديمقراطية لدى دولة الاحتلال، ونرى الأمر عكس ذلك، إذ إن توجيه مصالح الدولة، وأعمدتها الفقرية الأساسية، لصالح شخص واحد، يعتبر نفسه هو الدولة، مثل نتنياهو، تجعل إسرائيل، وبحق، إحدى دول العالم الثالث، رغم كل ما يشاع أو يقال حول ديمقراطيتها التي باتت تحت سطوة «ملك إسرائيل» الذي يترنّح قبل أن يسقط!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد