تقول السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي في كتابها الجديد المعنون «مع كل الاحترام اللازم: الدفاع عن أميركا بقوة ولياقة» إن معارضة شديدة أثناء نقاش مسألة الاعتراف ب القدس ونقل السفارة إليها في إسرائيل، من قبل وزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون وعدد من أعضاء مجلس الأمن القومي لهذه الخطوة، ظناً من هؤلاء، أن ذلك سيُحدِث أعمال عنف وأن «السماء ستنزل على الأرض»، إلاّ أن هذا القرار، وقرارات أخرى تم تمريرها من دون أن يحدث أي شيء وكأن شيئاً لم يكن.
هذه الأقوال، تفسر مع عناصر أخرى، الهدايا بالجملة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة في عهد ترامب لصالح الدولة العبرية، إذ انها باتت تعلم وتتأكد، من أن مثل هذه الخطوات بالغة الخطورة، لن تجد ردود الفعل المتوقعة، بعد الاعتراف بالقدس للدولة العبرية، ثم الاعتراف بالجولان تحت السيادة الإسرائيلية، وخطوات لوقف الدعم الأميركي لـ « الأونروا »، وإغلاق مكتب تمثيل فلسطين في واشنطن، والآن إقرار شرعية الاستيطان في الضفة الفلسطينية المحتلة.
تعود إدارة ترامب الجمهورية إلى ولاية ريغان، وهي لم تختر ولاية بوش الأب الجمهورية، عندما أقدم الرئيس الأميركي على وقف تمويل مدفوعات القروض لإسرائيل بقيمة تسعة مليارات من الدولارات، إلاّ بعد وقف الاستيطان، في حين وقعت إدارة بوش الأب ضد بناء الجدار الحدودي في الضفة الغربية، لكن إدارة ترامب، رأت أن لا ضير في أن تحذو حذو الرئيس ريغان ولكن بصيغة أكثر تحديداً، إذ ان إدارة ريغان صاغت قرارها بشكل ملتبس بعض الشيء في ذلك الوقت بشأن المستوطنات «ليست غير شرعية»!
ظلت إدارة ترامب، تؤجل ما قيل عن « صفقة القرن »، بدواع عديدة لعلّ أهمها، عجز الدولة العبرية عن أن تشكل حكومتها اثر عقد جولتي انتخابات تشريعية، إلى أن اتخذت قرارها الأخير، قبيل إمكانيات تشكيل حكومة وحدة وطنية أو الإقدام على انتخابات ثالثة، وفي كلا الحالتين، فإن هذه الهدية مقدمة خصيصاً للصديق الوفي لترامب، بنيامين نتنياهو .
يأتي القرار الأميركي، وكأنه رد على قرار محكمة العدل الأوروبية، قبل أيام قليلة، بإلزام دول الاتحاد بوضع ملصق «منتج مستوطنات» وليس «صنع في إسرائيل»، على السلع المستوردة إلى أوروبا من إسرائيل، كتأكيد عملي على موقف الاتحاد الأوروبي من الاستيطان، والذي يعتبر الضفة الغربية بما فيها القدس أراضي محتلة، وهو ما استنفر واشنطن وتل أبيب عندما صدرت تصريحات غاضبة من المسؤولين تشجب قرار الاتحاد الأوروبي.
وقبل أيام قليلة من القرار الأميركي هذا، تلقت واشنطن صفعة قوية عندما صوتّت الأمم المتحدة لصالح تجديد تفويض وكالة «الأونروا» حتى حزيران 2023، رغم كل الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة وإسرائيل على أعضاء الجمعية العامة، خاصة بعد فشلها في تمرير مشروعها القاضي بإعادة تعريف اللاجئين وتقليص التفويض إلى عام واحد بدلاً من ثلاثة، صفعة قوية لا يمكن تجاهل تزامنها مع القرار الأميركي حول شرعية الاستيطان.
للثنائي، ترامب ـ نتنياهو مصالح متشابهة من هذه الهدايا، فكل منهما يسعى إلى تجديد ولايته الرئاسية والحكومية، الثاني قد يستفيد من هذه الهدايا في غضون ساعات أو أيام، إلاّ ان الأول الطامح إلى ولاية رئاسية ثانية رغم التحقيقات التي يجريها مجلس النواب الاميركي، يريد من وراء هذه الهدايا تعزيز فرصه الانتخابية من خلال محاولة استرضاء القاعدة العريضة للمسيحيين الإنجيليين الذين ساهموا في فوزه في انتخابات 2016، ناهيك عن أن ترامب يهدف إلى تعزيز ولاء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة له وللحزب الجمهوري، إذ إن هناك من يعتقد أن اللوبي الصهيوني أكثر ميلاً للحزب المنافس، الحزب الديمقراطي.
أما اعتراض بعض النخب الإسرائيلية، وهي محدودة على هذا القرار، فيعود إلى التخوف من أن هذا القرار سيشجع إدارة نتنياهو على ضم الضفة، وترى هذه النخب أن ذلك يشكل خطراً على يهودية الدولة!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد