الذكرى الخامسة عشرة، لاغتيال الزعيم ياسر عرفات «أبو عمار»، هذا العام لا تختلف كثيراً، عن سابقاتها، فالحال هو الحال، والحسرة على غيابه، لا تمحوها السنون. منذ رحيله، وخلال الخمسة عشر عاماً، يشعر الفلسطينيون بأن واقعة الاغتيال والغياب قد وقعت بالأمس بالرغم من أن الاحتلال بقي على طبيعته، عدوانياً، توسعياً، عنصرياً، لا يتورع عن اغتيال كل شيء، كل الحقوق، كل الأرض، كل الأحلام والأجيال. لكن الفلسطينيين لم يبقوا على حالهم.
غريب ومحل استنكار ورفض، التعامل مع عرفات، وكأنه ينتمي إلى هذه الفئة أو تلك، والأغرب أن يصبح إحياء ذكرى رحيله، موضوعاً للاختلاف، والتجاذبات.
يمكن أن نحصي أسماء القادة الكبار، الذين تركوا بصمات واضحة على صفحات التاريخ، والوطنية الفلسطينية، غير أن عرفات مسألة مختلفة. عرفات صاحب شرف إطلاق الفكرة الأولى لتأسيس حركة فتح، باعتبارها حركة تحرر وطني فلسطينية، وهو صاحب شرف إطلاق الرصاصة الأولى، التي أشعلت الثورة الفلسطينية المعاصرة. عرفات هو أحد أبرز بُناة الهوية الوطنية الفلسطينية المستقلة، وهو من وضع الحصان الفلسطيني أمام العربة القومية والإسلامية.
لم يكن عرفات زعيماً لحركة فتح على أهمية ذلك، لكنه كان، أيضاً، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس الشعب الفلسطيني، انه قائد فوق فئوي، ولذلك كان من الواجب، ألا يقتصر الاهتمام بمسيرته وذكرى رحيله، على حركة فتح.
المكانة التي يحظى بها عرفات، ويعترف له الجميع بأحقيته فيها، تستدعي من كل فصيل، وكل جماعة، أن تبادر إلى إحياء ذكرى رحيله. أما أن يختلف الفلسطينيون على هذا الأمر، فإن ذلك مؤشر من عديد المؤشرات، على مدى رداءة الحال الذي وصل إليه الفلسطينيون بعد رحيله.
ذات مرة، في إحدى المناسبات الاحتفالية، قدم الشهيد عرفات المرحوم جورج حبش على أنه قائد فلسطين، فبادره حبش بالإعلان أن للثورة الفلسطينية قائدا واحدا هو ياسر عرفات. مثل غيره، اختلف حبش وعديد القادة الفلسطينيين مع عرفات ومراراً وقع ذلك، ولكن ثمة إجماعا عليه كقائد لمنظمة التحرير وللثورة الفلسطينية، في مثل هذه المناسبات يتجاوز الأمر، المحاكمات والتقييمات الشاملة، الظاهرة من مستوى ياسر عرفات، فهو بما أنه إنسان، والإنسان خطّاء، فإن يخطئ، أيضاً، لكن أخطاءه نسبية تختلف بين كل من يحاول أن يفعل ذلك.
غير أن الموضوعية تقتضي، وبعيداً عن المقارنات، أن ميزان إيجابياته، ومواصفاته، ودوره، يرجح كثيراً على ميزان سلبياته وأخطائه، حتى لو جاء التقييم من قبل أكثر معارضيه سلبية.
في كل عام، حين تمر ذكرى رحيل الشهيد ياسر عرفات، يتذكر الناس، المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الاحتلال في ارتكاب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
صحيح أن التحقيقات الدولية والوطنية، بخصوص أسباب وفاته والطرف أو الأطراف التي تقف وراء ذلك، قد توقفت، ولم تعد موضوعاً للتداول، بسبب تواطؤ قوى دولية مع الكيان الاحتلالي، لكن ذلك لا يغير من قناعة الشعب الفلسطيني. ثمة إجماع فلسطيني، بأن زعيمهم، قد تعرض للاغتيال على يد المجرم المحتل، وأن ثمة تواطؤا دوليا، بعضه بسبب الضغط الذي مارسته وتمارسه الولايات المتحدة وإسرائيل، وبعضهم الآخر، من موقع الشراكة في الجريمة، والبعض لا يجرؤ على أن يقول كلمة حق في وجه استعمار ظالم.
بعد عشرات المحاولات التي قام بها «الموساد» لاغتيال عرفات، كان لا بد من أن يتوقع الفلسطينيون أنهم سيصلون إليه، ذلك أن تغييبه تغييب لنهج، وتغييب لقيم، وإنهاء لمرحلة، لتدشين مرحلة أخرى. مع رحيل عرفات، انتهت مرحة الزعيم الذي لا يغلق الخيارات، وانتهت مرحلة التوافق الوطني، لتبدأ مرحلة التمزق والانقسام. عرفات تعرض للاغتيال نهاية العام 2004، وفي العام التالي يقرر شارون إعادة الانتشار في غزة والتخلي عن المستوطنات، وفي العام الذي يليه تجري انتخابات تشريعية، تشرع الأبواب أمام بداية مرحلة الانقسام الخطير الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني ويلحق أضراراً استراتيجية بوحدة وقدرة الشعب الفلسطيني على المواجهة.
إن من يتتبع تطورات الأحداث، منذ قرار تغييب ياسر عرفات حتى اليوم، سيصل إلى نتيجة واضحة، لا مجال للاختلاف حولها، وهي أن اغتيال الزعيم الفلسطيني، كان مقدمة لتنفيذ مخطط إسرائيلي توسعي، يدرك الجميع، إلى أين وصل، وما الذي تحقق منه. وبغض النظر عن رواد وقادة هذه المرحلة، فإن المنطق يقول إنه كان على الفلسطينيين، التصرف على نحو مختلف تماماً لما وقع ويخدم مخططات الاحتلال، التي كان أولى خطواتها إنهاء حياة زعيم الشعب الفلسطيني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد