ظللتُ سنواتٍ طويلةً أحاولُ الإجابة عن ثلاثة أسئلة:السؤال الأول: لماذا لا يحتفل الإسرائيليون احتفالاتٍ كبيرةً بوعد بلفور؟
أما السؤالُ الثاني: هل صحيح أن المستعمرين البريطانيين منحوا فلسطين (جائزة) لعالم الكيمياء اليهودي الصهيوني، حاييم وايزمان 1874- 1952؟
أما السؤال الثالث، لماذا نصَّ الوعدُ على (وطن قومي لليهود)، وليس دولة يهودية؟
إن نصَّ الوعد الموجود في معظم الكتب يبدأ: «عزيزي اللورد، روتشلد، يسعدني أن أبلغكم بأن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف لتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين........».
أما معظم الشروحات عن مناسبة هذا الوعد، فإنها تجعل هذا الوعد (مكافأة) للعالِم، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، وأول رئيس لدولة إسرائيل، حاييم وايزمان، لأنه اكتشف أهم مادة لصناعة المتفجرات، مادة الأسيتون من لحاء الأشجار!!
أما الحقائق التاريخية الصحيحة فتوجد فقط عند الباحثين الذين لا يكتفون بقراءة التاريخ من مصفوفات المقررات الدراسية، ومن كتب التاريخ السردية، فالحقائق تكمن دائماً خلف القشور، في جذور الأحداث، وفي كواليسها الخفية!
إن الحقائق في وعد بلفور تظهر في صورة رئيس وزراء بريطانيا، لويد جورج، ومعه وزير خارجيته، أرثر جيمس بلفور، ومعهما حشدٌ كبير من سياسيي بريطانيا، كانوا يكرهون النفوذ اليهودي في بريطانيا، يودون التخلص من سطوتهم.
كان اليهودي الثري البريطاني الجنسية، والتر روتشلد، الذي وُجِّهَ له الوعدُ عضوَ برلمانٍ بريطاني، ورئيسَ الجالية اليهودية، كان من أبرز زعماء اليهود في العالم، جاء وعدُ بلفور لهدف استقطاب اليهود في كل دول العالم، ولاسيما في أميركا، وروسيا لكي يقفوا مع بريطانيا وأميركا في وجه ألمانيا وحلفائها، وكان الثمن هو : وعد بلفور.
كذلك انطلق، لويد جورج، وبلفور من الانتماء الديني، الأنجيليكاني، من تيار المسيحانية الصهيونية، ممن يعتقدون أن مجيء المسيح لا يمكن أن يتحقق إلا بقيام دولة إسرائيل، واستيلائها على كل (أرض الميعاد) حينئذٍ، ستشتعل حرب، هرمجدون، فينتصر الخيرُ على الشر في نهاية الأمر، ليحكم المسيحُ ألفي عام بسلام!!
أما لماذا ورد تعبير (وطن قومي) وليس (دولة)، فقد أوضح بلفور ذلك في وثيقة سرية أرسلها لصديقه المقرب، حايم وايزمان، حينما اعترض على، وطن قومي، أجاب بلفور:
«وطن قومي، تعبيرٌ للتمويه لكي لا نخسر العرب في معركتنا، أما التعبير فمعناه الحقيقي: دولة»!!
أما عن الإسرائيليين الذين يُحجمون عن إقامة أكبر احتفال بهذه المناسبة، إذ إن هذا الوعد منحهم إقامة دولةٍ على أنقاضِ دولة فلسطين التاريخية؛ فإن ساسة إسرائيل الأوائل، وعلى رأسهم، رئيس الوزراء، بن غوريون قال: «إسرائيل لم تُؤسَّس بالوعود، والاتفاقيات، أرض الميعاد عادت إلينا بحرابِنا وسيوفنا»!!
أما عن الحقيقة التاريخية الساطعة، وبداية مؤامرة احتلال فلسطين، فأُقرَّتْ في مؤتمرٍ عقدَه هنري كامبل بنرمان، رئيس وزراء بريطانيا، قبل وعد بلفور بأكثر من عشر سنوات، استمر عقد المؤتمر على مدى سنتين تقريباً، من عام 1905-1907، اجتمع في هذا المؤتمر ممثلون من ست دول أوروبية، وهي، بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا، إسبانيا، إيطاليا، حضر المؤتمر مختصون في التاريخ، ومفكرون، وباحثون، كان هدفُه الرئيس هو منع تمدد العرب حول البحر الأبيض المتوسط، وخرجوا بالتوصيات التالية:
يجب إبقاء الشعوب العربية جاهلة، متأخرة، مفكَّكة، متناحرة، منع الوحدة بين أجزاء الوطن العربي، بتأسيس (كيان عازل) بين القارتين، آسيا، إفريقية!!!!
لم يكن (الكيانُ العازل) سوى إسرائيل!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد