ماذا بوسعي أن أكتب أفضل ـ أو حتى ما يوازي ـ ما كتبه الزميل والصديق عبد الغني سلامة حول هذه الفعلة الرديئة شكلاً وتوقيتاً، مضموناً وخلفيةً؟ الافتقاد إلى الحساسية الحضارية والثقافية بل وحتى السياسية فاق كل تصور أو حساب.
ليس أدلّ على ذلك من ردود الأفعال المباشرة على هذه الخطوة الكبيرة بالاتجاه الخاطئ، وهذه الرعونة التي انطوى عليها قرار الحظر.
رئيس الوزراء، نقابة الصحافيين، شخصيات وطنية مرموقة على أعلى مستويات المسؤولية الوطنية، ومجموعة كبيرة من أصحاب مهنة القلم وصناعة الرأي العام.
فماذا يتبقى للقائمين على قرار الحظر؟
فقط بقي أن نحاول إضاءة بعض الزوايا من الأضرار التي لحقت بنا جراء هذا «الحكم».
يُلحق هذا الخطر أضراراً بالغة بسمعتنا الدولية، وهذه المسألة بالذات بالغة الأثر علينا كشعب وقضية، وذلك بالنظر إلى احتياجنا الحيوي للبعد الدولي في قضيتنا الوطنية. هذا بشكل مبدئي وعام، أما إذا اخذنا المسألة في جانبها الخاص، فإن قرار الحظر سيتم استثماره من قبل كل الأعداء وكل الخصوم على اختلاف تلاوينهم وتشكيلاتهم في وقت حرج، وفي مرحلة نحن أحوج فيها إلى تفويت كل فرصة عليهم.
ويلحق هذا الحظر ضرراً مضاعفا بنا لجهة ما دار من لغط ومداولات حول «إصلاح القضاء»، وحول إتاحة الفرص لتجديد «شبابه»، ولجهة الارتقاء بدوره واستقلالية قراراته.
وليت أن الأمور تقف عند هذا الحدّ!
هذا الحظر سيفسّر ـ حتى ولو أن القائمين عليه لم يُخططوا لذلك ـ على أنه قرار «استباقي» لمرحلة الانتخابات القادمة! هذا إذا افترضنا حسن النوايا على هذا الصعيد، أو لو ان هذا الحظر لم يستهدف هذا الأمر بالذات.
لكن توقيت القرار، وفي ظل «الزخم» الديمقراطي في أكثر من بلد عربي محيط، وفي ظل عزم القيادة الشرعية على عقد الانتخابات لقطع الطريق على أصحاب المشاريع البديلة او الموازية للمشروع الوطني، وارباب الأجندات الاقليمية لتشتيت وتفتيت وحدة وشرعية المنظمة للشعب الفلسطيني سيضعنا جميعا شعبا وقيادة وطنية امام اقسى انواع الإحراج السياسي، وسيعطي كل خصومنا اسلحة «جديدة» للإمعان في مخططاتهم.
ليس مهما ان كان الاعداء، كل انواع الاعداء، وان كان الخصوم، كل انواع الخصوم «ديمقراطيين» حقاً أم «مزيفين»، أو كانوا من الذين يطرحون الحق ويستهدفون الباطل، وليس مهماً أبداً ان كانوا يخافون علينا ويحرصون على مسيرتنا، أم كانوا يتربصون بنا وينتظرون خطايانا للانقضاض علينا.
أقول ليس مهماً لأن قرار الحظر يوفر كل هذه الفرص المجانية لهم، وغالية، بل وباهظة الثمن علينا.
البعض منا لم يفهم بعد ان حضارية الشعب الفلسطيني لم تعد تتحمل مثل هذه السلوكيات في حياتنا السياسية، ذلك اننا اصحاب مشروع وطني تحرري ديمقراطي، كان ولا يزال حالة منيرة ومستنيرة، ولم يعد يليق بنا، ولا بكرامتنا الوطنية ان نغض الطرف عنها تحت اي ذريعة او مبرر.
كلنا يعرف كيف يتم استغلال هذه المواقع والصفحات للنيل من مشروعنا الوطني، وكلنا يتابع الكم الهائل من الأكاذيب والفبركات والاشعات التي تعج بها بعضها على الأقل، وكلنا يعرف ان بعض هذه المواقع والصفحات يدار بأيدٍ خبيثة، وربما معادية، بل ان بعضنا يعرف ان هناك ما يكفي من الدلائل على ان بعضها يمول من إسرائيل، إما بصورة مباشرة او غير مباشرة، لكننا بالمقابل نعرف ان بعضها الآخر لا يتفق معنا، ولكنه ليس عدواً لنا، ويمكن ان يخاصمنا تماماً كما نخاصمه، وتماماً كما لا نعده عدواً على الرغم من اختلافنا معه ومخاصمته.
وربما ان بعضنا يعرف أن القائمة التي تم حظرها ليست كاملة، ولا تغطي كامل خارطة الحملة المنظمة التي تشن علينا وعلى مشروعنا وحقوقنا واهدافنا، وان هناك تخطيطاً يومياً ومتواصلا لتشويه صورتنا، والعبث بهويتنا، بل والعمل على تلطيخ سمعتنا بصورة منهجية ومنظمة وممولة، وعلى أعلى مستويات المهنية والاحتراف.
ومع ذلك كله فإن هذه الخارطة بكل ما هي عليه وما تحمله لنا من ضغائن وأحقاد، وما تستهدفه فينا من قيم ومثل وأخلاقيات هي سبب إضافي لتحصين وعينا الوطني والارتقاء بسلوكنا، ومحاسبة انفسنا، وليس باتخاذ قرارات المنع والحظر وغيرها من اساليب القمع المتخلفة.
نعم، ان الحظر هو انعكاس لحالة عجز وليس مظهراً من مظاهر المَنَعَة الوطنية.
والحظر هو ثقافة ماضوية في حالتنا وفي ظروفنا، وهي ثقافة تخدم كل من يستهدفنا وتأخذ منا وتأكل من لحمنا الحي، وتقدمه وجبات دسمة وشهية لمن يناصبوننا العداء ولا يوفرون جهداً لافتعال الخصومة، بل والفتنة أيضاً. يحار المرء أحياناً كيف أننا وصلنا إلى هذه الدرجة من القدرة على إهدار الفرص، وتبديد الآمال وبعثرة المنجزات. لماذا لا يكون لدينا مواقع موازية، محصّنة بالوعي والحقائق، بارعة في فن الرد والحوار، قادرة على تقديم الأدلة والحُجّة والبراهين؟
لماذا نكون أصلاً في موقع الدفاع لكي يكون ردنا بالحظر؟ هل لأنهم ديمقراطيون ونحن لا نستطيع؟!
أقول وأكرر ولا أملّ من الإعادة والتكرار بأننا الأكثر أهلية للديمقراطية، والأكثر قدرة على إدارة أعقد وأرقى أنواع الحوار، واننا اذا فشلنا في تقديم النموذج الديمقراطي فإننا سنفشل حتماً في إنجاز مشروعنا التحرري.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد