إن مداد الثورة لا يستعمِلُه إلا الأحرار، وإن صيحات هؤلاء تخرجُ من أفواههم كما اللآلئ، تتناثر من حولهم، بل وتصل أميالاً وأميال لا حصر لها، وتبقى بعد ذلك مخلدةً في صفحات التاريخ المُرصع بالأمجاد والانتصارات.

في هذه الإطلالة، أسجل اعتزازي وفخري بالرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد، الذي أدى بالأمس، القَسَم الدستوري، ليبدأ بموجبه مهامَ منصبه الجديد.

فبعد أن أدى "الأستاذ" - كما يحلو لأنصاره أن يطلقوا عليه - اليمين الدستوري وجّه خطاباً تاريخياً للشعب التونسي، كان في صُلبِه القضيةُ الفلسطينية.

تابعتُ الخطاب كلمةً كلمة، وما يعنيني فيه، أنه استحضر خلاله فلسطين وقضيتها، بما يعني أن الرجل مؤمن بهذه القضية، ومصممٌ على الانتصار لها، حين قال نصاً :" ستبقى تونس منتصرةً لكلِّ القضايا العادلة، وأوّلها قضيّة شعبنا في فلسطين، والحقّ الفلسطينيّ لن يسقط، كما يتوهّم الكثيرون بالتقادُم".

وحمل الخطابُ الرسميُ للرئيس سعيد، رسالةً ضمنية للإدارة الأميركية، التي منحت مدينة القدس عاصمةً لإسرائيل، بموجب " صفقة القرن "، والتي تعمل على تمريرها واقعاً قبل إعلانها رسمياً، حين قال الرئيس سعيد :"فلسطينُ ليست قطعةَ أرض مرسمّةً في سجلات الملكيّة العقاريّة، بل ستبقى في وجدان كلِّ أحرار تونس وحرائرها، منقوشةً في صدورهم، وما هو منقوشٌ في الصدور، لن تقدر عن فسخه القوّة أو الصفقات".

وحين يُعبّر الرئيس قيس سعيد، بهذه القوة عن موقف حرائر تونس وحرائرها من قضية فلسطين، فإنه بلا شك يوصل رسالة الأغلبية، التي انتخبته، وأوصلته لقيادة البلاد.

وحرص الرئيس سعيد في خطابه على أن يُوجّه رِمَاحَه للمحتل الإسرائيلي، وليس لليهود، حين قال استدراكاً لحديثه السابق عن القضية الفلسطينية :" ليس هذا الموقف موقفاً ضدّ اليهود على الإطلاق، فقد حميْناهم في تونس حينما كانوا ملاحقين، وسنحميهم، بل هو موقف ضدّ الاحتلال، وضدّ العنصريّة، وآن الأوان للإنسانيّة جمعاء أن تضع حدّاً لهذه المظلمة، التي تتواصل لأكثر من قرن".

واعتبر الرئيس التونسي حديثه عن ضرورة إنهاء مظلومية الشعب الفلسطيني، الممتدة لأكثر من ١٠٠ سنة، بأنها مسألة ذات بعد إنساني في الأساس، فهو كما شدد يتطلع إلى عالمٍ جديد، وإلى المساهمة في صناعة تاريخ جديد، يُغلَّبُ فيه البُعدُ الإنسانيُّ، على سائر الأبعاد الأخرى.

إذا عمل الرجل على هذا الأساس الذي يتحدث عنه، سيجد بدون شك صعوباتٍ جمة في طريقه، لكنه يعي تماماً أبعاد وارتدادات تصريحاته، فهو يتحدى الغرب - الذي يدعم الكيان الإسرائيلي بكل قوة - بالأساليب واللغة والنهج الذي يستخدمونه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد