كل شيء يمكن أن يتغير حتى بالنسبة لإسرائيل هذه المقولة باتت أكثر شيوعاً في الدولة العبرية، تعليقاً على مجريات الأحداث التي عصفت بالمنطقة إثر اجتياح تركيا للأراضي السورية، بضوء أخضر أميركي، بعد أن تخلّت الولايات المتحدة بقيادة ترامب عن حليفها الأساسي في سورية، قوات سورية الديمقراطية، إذ اعتبرت مستويات عديدة في إسرائيل، أن تخلي إدارة ترامب عن الحلفاء، في الخليج كما مع أكراد سورية، لا يضع إسرائيل خارج سياق مثل هذا التخلي في وقت من الأوقات، ما يجبر إسرائيل على الخروج عن طمأنينتها، ذلك أن تخلي ترامب عن الحلفاء الأكراد، بعد أن قدم هؤلاء الضحايا مصالح الولايات المتحدة، هو أمر يجب أن تستوعبه إسرائيل جيداً.


إن تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة، من خلال تقليص الوجود الأميركي فيها، وبالتالي تراجع نفوذها هو لحظة حاسمة تقرر بها واشنطن مصير الشرق الأوسط، حسب مقال نشره زلمان شوفال السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة، في مجلة «فورين بوليسي»، عندما رأى أن واشنطن لم تعد معنية بالدفاع عن المنطقة بأسرها بعدما ان تجاهلت الدفاع عن إمدادات النفط إثر الهجمة على «أرامكو» في السعودية، وربما يقصد شوفال من هذا الربط، أن واشنطن كانت معنية بالمنطقة، وكذلك بإسرائيل، عندما كانت بحاجة إلى النفط الخليجي، ولكن بعدما باتت أميركا منتجة، وربما مصدّرة للنفط في وقت قريب، فإنها لم تعد تهتم بهذه المنطقة باختلاف رؤيتها لمصالحها، ذلك أن اسرائيل كانت أهم القلاع العسكرية والأمنية والاستراتيجية في سياسة اميركا بهذه المنطقة، الأمر الذي يجب أن يدفع اسرائيل الى اعادة تقييم علاقتها بالولايات المتحدة، وان تعتمد على نفسها كلياً للحفاظ على استقرارها وديمومتها دون أن تقطع مع الدولة الأعظم على النطاق الدولي، الولايات المتحدة؟!


المخاوف الإسرائيلية هذه وجدت طريقها الى المستوى الامني، عندما قرر الجيش الاسرائيلي تغيير خطته «متعددة السنوات» التي يعكف رئيس هيئة الأركان الجنرال افيف كوخافي على اعدادها، اثر الخطوة المفاجئة التي اتخذها ترامب، بسحب قواته من سورية، وتخليه عن حلفائه السابقين الأكراد، بعد أن بقيت إسرائيل وحدها في الساحة مع روسيا وايران، ما يتطلب تغييرات للتعامل مع الواقع الجديد [«معاريف» 18ـ10ـ2019].


وفي تقديرنا، أن رد الفعل الاسرائيلي على ما يسمى بالتراجع الأميركي، وتأثيراته المحتملة على دولة الاحتلال هو شكل من اشكال الابتزاز، ذلك ان كافة القيادات والمستويات الاسرائيلية على قناعة راسخة ان علاقة الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن لا تتغير مع تداعيات الخريطة السياسية للمنطقة، وان هذه العلاقة من الثوابت التي لا يمكن لها ان تنفصم، الا ان مثل هذا الابتزاز من شأنه ردود فعل اميركية بهدف المزيد من الدعم الاميركي، السياسي والامني لدولة الاحتلال لإزالة مخاوفها المفتعلة، وزيارة وزير الخارجية الاميركي ميك بومبيو قبل أيام قليلة إلى دولة الاحتلال تأتي في هذا السياق، طمأنة الحليف والشريك الاسرائيلي، إلى أن استقرار وبقاء اسرائيل مسؤولية اميركية لا تتأثر بالمجريات السياسية ومتغيراتها، وان على الجميع ادراك هذه الحقيقة، خاصة هؤلاء الذين اعتقدوا أن السياسات الأميركية في المنطقة، قد تؤثر على الموقف الأميركي من دولة الاحتلال الإسرائيلي!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد