كافة إجراءات البيت الأبيض تجاه تركيا، والتي تتلخص بالعقوبات، لم تردع أنقرة عن المضي قدماً في اجتياحها لشمال شرقي سورية، لاحتلال شريط حدودي واسع يمتد لأكثر من خمسمائة كيلومتر طولاً وبعمق يصل إلى اكثر من 32 كيلومتراً، بهدف القضاء على قوات سورية الديمقراطية التي تهدد حسب الرئيس التركي الأمن القومي لبلاده. العقوبات الأميركية ليس من شأنها، وقف هذا الاجتياح كما تعلم تماماً إدارة ترامب، ولكنها محاولة للرد على اتهامات من المقربين الجمهوريين لترامب من أنه يفرط في الأمن القومي الأميركي، ويعيد «داعش» إلى الساحة السورية، في وقت يتحالف الأكراد مع الحكومة السورية وي فتح المجال أوسع من أي وقت للنفوذ الروسي المتزايد للهيمنة على خارطة المنطقة.


ورغم جدية هذه الأحداث بالغة الخطورة التي تعصف بهذه المنطقة، ربما نجد من المناسب، للتخفيف من وطأة هذا الأمر، نقل تغريدة الرئيس ترامب حول تهديده بتدمير الاقتصاد، وسننقلها حرفياً: «كما قلت بشكل قوي وأكررها الآن، لو فعلت تركيا أمراً رأيت أنه لم يتوافق مع حكمتي العالية وأعتبره خارج الحدود فإنني سأدمر وأمحو الاقتصاد التركي، وقد فعلت هذا من قبل». التعليق هنا، وفي الغالب، حول تلك الحدود التي يتحدث عنها ترامب، غير الواضحة ولا المحددة، لكننا نعلق هنا على مستوى عال من الغرور والحذلقة والنرجسية، عندما يتحدث عن «حكمته» في وقت يتخلى فيه عن حلفائه بينما أصدقاؤه وتابعوه، حتى من الحزب الجمهوري، أخذوا يتخلون عنه وهم يدينون سياسته الخارجية، سواء لجهة تخليه عن الأكراد، وما جلبه ذلك من مخاطر للأمن القومي الأميركي، أو اندفاعه، وهو يسحب قواته من سورية، نحو الدفع بثلاثة آلاف جندي إلى السعودية، وربما يعتقد ترامب أن حكمته تتجلّى في بعد واحد، وهو ان الأسبوع الأخير، جعل كل المحافل السياسية في العالم، تتحدث عن سورية والاكراد، وان وسائل الإعلام، باتت منشغلة بهذه الاحداث وتداعياتها، في وقت تم تجاهل الى حد بعيد القضية التي سبق وأن شغلت الساسة والإعلام، والمتعلقة بمساعي الحزب الديمقراطي في مجلس النواب، ملاحقته بالتحقيقات المؤدية إلى عزله وإبعاده عن البيت الأبيض بما بات يعرف بملف اوكرانيا، في حين ان ذلك كله ليس من الحكمة التي يشير إليها ترامب، إذ إن ملفات جديدة، تضاف إلى هذا الملف، حيث العديد من الحزب الجمهوري يعترض على سياسته، الأمر الذي من شأنه أن يعرض الرئيس الأميركي للملاحقة القانونية والدستورية والسياسية، على ملفات عديدة، كلها تتعلق بسياسته التي تعرض الأمن القومي الأميركي للخطر.


ثلاث دول، من المنطقة باتت في حالة مراجعة لسياستها مع الولايات المتحدة، السعودية والإمارات، حيث يزورها الرئيس الروسي بوتين، وهناك، أيضاً، إسرائيل، التي لم تفكر يوماً في أن يخونها اي رئيس أميركي. الآن، هناك العديد من المسؤولين الإسرائيليين الذين يعبرون عن مخاوفهم في أن تدير واشنطن لها ظهرها، مع أن احتمالات ذلك معدومة، إلاّ في سياق التفكير السياسي الإسرائيلي الذي يؤدي إلى مثل هذه التخوفات!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد