نذر الحرب في الخليج العربي كادت تتحول إلى حرب حقيقية في قلب نظام الطاقة الدولي، إثر قيام إيران بإسقاط طائرة أميركية مسيّرة في العشرين من حزيران الماضي، وتابعنا بقلق كيف سترد أميركا، إلى أن جاء النبأ من واشنطن أن الرئيس الأميركي أوقف ضربة تقررت ضد ايران قبل عشر دقائق من تنفيذها، تخوفاً من "الخسائر البشرية المحتملة" حسب ادعاء البيت الأبيض. بعد ذلك بثلاثة اشهر، تم الهجوم على احد اهم مرافق الطاقة البترولية في العالم، شركة أرامكو، وللعلم فالاسم مشتق من "شركة اراب ـ اميركان للنفط"، وبصرف النظر عن من قام بهذا الهجوم، فالمهم أن ذلك ادى الى ضرورة الرد، ومن جديد توجهت الأنظار إلى ترامب في البيت الأبيض، الذي كان قد أقال مستشاره للأمن القومي جون بولتون المعروف بدعوته المستمرة لشن حرب على ايران، وكان يمكن فهم رسالة ترامب الضمنية الى كل المعنيين، من انه لن يقوم بأية حرب ضد ايران، وذلك دفاعاً عن مصالح أميركا التي لم تعد قائمة على استيراد النفط من تلك المنطقة التي كانت تعتمد عليها اميركا خلال القرن الماضي لإمدادها بإكسير الحياة الصناعية الاميركية، فالامور قد تغيرت، خارطة الطاقة الدولية لم تعد كما كانت في القرن الماضي، فأميركا باتت اكبر منتج للنفط في العالم، متفوقة على السعودية وروسيا، ومع نهاية هذا العام، ستنتزع اميركا عرش اكبر مصدر للنفط في العالم من السعودية حسب شركة "ابحاث الطاقة ريستاد انرجي"، وبذلك يمكن القول إنه كان من الممكن ان تقدم اميركا على الرد، لو كان لها مصلحة في حرب جديدة في هذه المنطقة حفاظاً على امدادات النفط، وبات من المؤكد ان مصالح اميركا ترتبط باستمرار الاستقرار في هذه المنطقة ولكن ليس حرصاً على امدادات النفط اليها، فهي لم تعد بحاجة الى هذه الامدادات بالقدر الذي كان منذ خمسينات القرن الماضي، ولكن لأن استقرار المنطقة يوفر عاملين اساسيين، يرتبطان مباشرة بالمصالح الأميركية.


فالاستقرار يؤدي إلى السيطرة على امدادات النفط والعودة الى معادلة العرض والطلب، وفي ظل المصالح الأميركية، الحصول على نفط رخيص بالضغط على المنتجين والمصدرين بزيادة الضخ والإمداد، خاصة طالما أميركا لم تصل بعد الى القدرة على التصدير الواسع لهذا المنتج الحيوي، وثاني هذه العوامل يرتبط بما كان يسمى بالبترودولار، فإن ميزانيات دول الخليج الناجمة عن النفط توفر لهذه الدول الأموال الهائلة اللازمة لاستيراد السلاح من الولايات المتحدة، كانت هذه الأخيرة في السابق تستعيد الأموال التي دفعتها مقابل استيراد النفط، من خلال تصدير السلاح الى دول المنطقة، الآن، يوفر الاستقرار، اتجاها واحدا، شراء الأسلحة بأموال النفط، من دون حاجة اميركا الى تدوير البترودولار، وهو الوضع الأمثل للولايات المتحدة.


عدم رغبة او توجه إدارة ترامب لاندلاع حرب في المنطقة لا يعود الى التطورات الداخلية الأميركية حول مساءلة الرئيس بهدف تنحيته، فالأمر قبل ذلك وأبعد من ذلك، انها "خريطة النفط العالمية"!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد