هنيئاً، مريئاً، لكل اليهود بعيد رأس السنة العبرية الجديدة 5780، وهو عيدُ سرورٍ وبهجة، وعيدُ تسامحٍ، ومحبَّة، وغفران، يأكل المحتفلون به التفاحَ المغموس بالعسل، ثم يزورون ينابيع المياه، حيث يلقون في المياه قطعاً من الخبز، للإشارة إلى تخلصهم من ذنوب العام كلِّه، ثم يعودون إلى الكُنس، يتلُونَ آياتٍ من التوراة.
عيد رأس السنة الجديدة هو تمهيدٌ لعيد الغفران، الذي يجيء بعد عشرة أيام، هو عيدُ القضاء على الخطايا بالصيام، والتقشف، والزهد، والبكاء على خراب الهيكل، في  (عاشوراء) شهر نيسان العبري، وهو يشبه صيامنا في عاشوراء!
عيد رأس السنة العبرية السعيدُ يبدأ بالنفخ في قرنِ كبشِ سيدِنا إبراهيم، الذي أنزله الله بديلاً للتضحية، بإسحق!
عيد رأس السنة السعيدُ، مثل كل الأعياد الدينية، لم يُخصَّص لليهود فقط، بل هو رمزٌ لميلاد العالم كله، وليس لميلاد شعب إسرائيل، وفق عقيدة الحارديم (الملتزمين بالدين اليهودي)!
كان مفروضاً أن تنطبق مواصفات هذا العيد السعيد على البشر جميعِهم، كما هو واردٌ في سفر التثنية 16، في وصف عيد المظال، أو سكوت، وهو وصفٌ مثاليٌ للاحتفال بالعيد، لأن إسعاد الآخرين ركنٌ رئيس للسعادة:
«يقول الربُّ: تعمل لنفسِك عيدَ المظال، تجمع من بيدرِكَ، ومن معصرتِكَ، وتفرح في عيدك، أنتَ وابنُك، وابنتُك، وعبدُك، واللاوي، والغريبُ، واليتيم، والأرملة، الذين في أبوابك»!
هكذا كان يجب أن يكون العيد، غير أن سياسيي إسرائيل، وعلى رأسهم حكومة الليكود، أفسدوا جوهر تلك الأعياد، حينما وظفوها ليس للحب، والسلام؛ بل للعداء، والكره، والانتقام !
أبرز مثال على  ذلك الخبرُ التالي المُذاعُ في نشرات أخبار سياسيي إسرائيل، قبل حلول كلِّ عيد يهودي جديد:
«بمناسبة حلول الأعياد، قرَّر وزيرُ الدفاع إغلاق كل المعابر الحدودية، للتجارة والسفر بدءا من يوم.. إلى يوم.. وخلال ذلك يُمنع على الفلسطينيين التنقل والسفر».
هذا الإعلان بالطبع لا يشمل المسافرين الإسرائيليين، ولا يُطبَّق على مَن هم ليسوا فلسطينيين واقعين تحت الاحتلال!
لم يكتفِ السياسيون الإسرائيليون بسجننا بمناسبة أعيادهم، ليفرحوا هانئين، فرحتين، الأولى، فرحتهم بمناسبة العيد السعيد، أما الفرحة الثانية فهي فرحتُهم بسجننا، ومعاناتنا وعذابنا!
هكذا وظَّف سياسيو إسرائيل معظم الأعياد للانتقام، والكُره؛ ففي عيد، الحانوكاه، أو عيد الأنوار، جعلوا هذا العيد رمزاً لانتصار اليهود على المحتلين، اليونانيين، ممن لوَّثوا الهيكل، وهدموه، على الرغم من أن المتدينين اليهود، الحارديم يُنكرون هذه الرواية، ويعتبرونه عيد الرأفة، وعيدَ محبة اللهِ لبني إسرائيل، حين منحهم اللهُ معجزةً كبيرة، وهي أن تكفي قطراتُ الزيتِ الباقيةُ لإضاءة الشمعدان ثمانية أيام أخرى!
أما عيدُ البوريم، أو عيد المساخر، أو باسمه الثالث، عيد أستر، فقد وظَّفه سياسيو إسرائيل، وعلى رأسهم، نتنياهو، فجعله علامة النصر على كارهي اليهود من سلالة الفرس ما قبل التاريخ، عَدَّهُ نصرا على أحفاد تلك السلالة، أي دولة إيران الإسلامية الحديثة، التي تنوي صناعة قنبلة نووية لمحو إسرائيل!!
الغريب في تلك الأعياد، أنَّ كلَّ الجمعيات الحقوقية، ومؤسسات المجتمع المدني، وحتى الدبلوماسيين، لم يخطر ببالهم أن يشتكوا من تعطيل الحياة في موسم الأعياد اليهودي الوفير، والمديد، الذي يقتطع من العام شهرا تقريبا، وإذا أضفنا إلى هذه الأعياد مواسمنَا وأعيادنا، يُصبح مجموع الفاقد من السنة أكثر من شهرين!!
الغريب أننا نحن الفلسطينيين استسلمنا لهذه الحالة، ولم نُحاول أن نستخدمها في مواجهة شعار إسرائيل الزائف: «الدولة الديمقراطية الوحيدة»!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد