في النهاية، أوكل الأمر إلى نتنياهو ليشكل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، وبصرف النظر إذا ما كان سينجح في ذلك أم لا، فإن اللعبة ما زالت تراوح مكانها. وباستثناء ضغط الذهاب لانتخابات ثالثة مرهقة ربما نفسياً للمواطن الإسرائيلي، فإن شيئاً لم يتغير. وعلى افتراض أن خصم نتنياهو هو من أوكلت له مهمة تشكيل الحكومة، فإن شيئاً لم يكن سيتغير أيضاً. فبصرف النظر عمّن يشكل الحكومة، فإن الصعوبات ذاتها كانت ستواجه كل الأطراف.
هذا يعيد السؤال الحقيقي إذا ما كانت المشكلة في الانتخابات كعملية أم الانتخابات كنتيجة، وعليه فإن السؤال الأكبر هو حول توجهات الجمهور فيما يتعلق بالمواقف الكبرى. من الواضح عدم وجود غضب من نتنياهو جماهيرياً، فالرجل على الأقل حصل على ما حصل عليه المرة الماضية والتي سبقتها، رغم أن التحالفات المختلفة كانت تقصد الإطاحة به، وربما أو بل من المؤكد أن الناخب فهم جوهر الصراع المتمحور حول الإطاحة بأكثر رؤساء الحكومة خدمة منذ وجود النظام، وعليه فإن خياراته لم تتأثر. هذا بحد ذاته يجب أن يكون مؤشراً حول توجهات الناخبين الذين يريدون لإسرائيل حكومة يمينية بصرف النظر عن نتائج ذلك. وربما أنهم يرون في ذلك أمراً محبباً وليس سيئاً. وعليه فالحكومة المرغوبة يجب أن تكون ذات توجهات يمينية حتى لو قادها يسار الوسط أو الصاعدون من قمرة القيادة العسكرية.
إنه ذات المنطق الذي يقول: إن الحكومة الإسرائيلية من حيث الجوهر لن تتغير على صعيد المواقف. وهو الأمر الذي قلناه بتفصيل في مقالتنا الأسبوع الماضي: إن عهد نتنياهو لم ينته، فجملة المواقف التي راكمها نتنياهو ستظل تجد أثرها وفعلها في مواقف أي حكومة إسرائيلية مقبلة بصرف النظر عمّن يشكلها. يشمل هذا تحديداً المواقف الأساسية المتعلقة بقانون القومية وبفكرة الضم كجزء من توجهات الدولة لفرض حل على الفلسطينيين والقناعة بعدم الحاجة للتوصل إلى حل مع الفلسطينيين، بل بوجوب فرضه عليهم كأمر واقع، والكتل الاستيطانية وغير ذلك من الأفكار التي ستشكل إرثاً يجب النظر فيه بعمق لأنه بات من المسلمات ما لم تحدث معجزة قاهرة تجعل من التمسك بها عبئاً يجب التخلص منه. المشكلة إذاً ليست في الانتخابات بل في توجهات الناخبين. مرة أخرى النتائج أظهرت عدم وجود تحول في توجهات الناخبين، حتى حين احتدم الصراع على شخصية من يتولى قيادة الحكومة فإن التوجهات أظهرت نزوعاً أكبر نحو اليمين ونحو التطرف. فالكتلة المنافسة لنتنياهو يصعب القول إنها يسارية وإن كانت قد ورثت إرث الكتلة الأكبر في اليسار من الجهة المعنوية، فالجنرالات الذين يقودون التحالف للإطاحة بنتنياهو تحت "أزرق أبيض" يملكون من المواقف اليمينية التي تقف على يمين بعض مواقف اليمين ذاته، بل إن بعضهم مثل يعالون كان جزءاً من اليمين ولم يزل فكرياً كذلك. لتظل الحقيقة أنه لا جديد في هذه الانتخابات.
ليست القصة في مَن سيشكل الحكومة، بل في طبيعة السياسية والمجتمع. هذا لا يعفي من النقد القائمة المشتركة التي عند أول محك وجدت نفسها قائمتين. من المؤكد أن إصرار التجمع على تبني موقف مخالف حيال التوصية بغانتس لا يجب أن يتم تصويره أنه كارثي من جهة أنه أفشل فكرة الإطاحة بنتنياهو، أو بعبارة أخرى كان يمكن أن يشفي غليل البعض بالانتقام منه. وهذا صحيح نظرياً. لكنه لا يعني الكثير عند الفحص. فغانتس ما كان ليستطيع أن يشكل حكومة بعيداً عن غلاة اليمين أو عن التحالف مع الليكود. نفس النتيجة التي على نتنياهو أن يواجهها. ومع هذا، فإن إصرار التجمع على الخروج بموقف مخالف للإجماع داخل المشتركة أكثر خطورة من كل ما يتم الحديث عنه. فهو وضمن أشياء كثيرة وبعيدة المدى عكس الحقيقة المرة بأن العرب لا يمكن أن يكونوا على قلب رجل واحد. بصرف النظر عن صوابية وحكمة القول: إن غانتس "هو من ذبح شعبنا وهو من هاجم غزة وحاصرها". وكل هذا صحيح، كما أن ترك نتنياهو يشكل الحكومة ليس إلا استمراراً لنهج قاتل سابق، لكن أيضاً ما قام به التجمع أفقد الكتلة البرلمانية العربية فرصة التأثير بشكل حقيقي وأعاد كرة التأثير إلى الأحزاب الدينية اليهودية التي تمقت فكرة العرب حتى. وبالتالي فيما حافظ اليمين على تماسكه تراجعت قوة التأثير العربية.
وهذا درس لا بد من تعلمه حيث تقتضي الحكمة عدم فعل الصواب ويقتضي الصواب عدم الحكمة. المقدرة على التمييز من أجل تحقيق أهداف أبعد من آنية اللحظة ومنجزاتها. أعتقد أن هناك الكثير من الدروس التي يجب تعلمها من الانتخابات الإسرائيلية ونحن نخطط للمستقبل ولكيفية التعامل مع الصراع الذي لا نملك إلا أن نحافظ على نضالنا من أجل إنجاز مقاصدنا وتطلعاتنا. وجوهر ذلك التركيز على قوانا الذاتية وعدم تعظيم ما يحدث خلف الجدار بقدر محاولتنا توظيفه لتحقيق مصالحنا لأن أن نكون حطب التنافس الديمقراطي هناك. كما يجب علينا النظر بعمق لفهم ما يجري، لا تقديس أفكارنا حول ما يجب أن يكون هناك.
قد يتعذر التفكير بما ستؤول إليه الأمور مع الفرصة التي منحت لنتنياهو لتشكيل الحكومة، لكن من المؤكد أن الموضوع الفلسطيني ليس موضوع الخلاف بين الحزبيين الكبيرين إلا بقدر من يريد أن يؤلمنا أكثر أو يجعلنا نتراجع أكثر. وبهذا القدر من التنافس فإن المؤكد أن النتيجة الحتمية لن تكون بإعادة النظر في تلك السياسات بحق شعبنا، بل في الذهاب أكثر لترتيب التوجهات المشتركة في التعامل معنا. كان من المهم أن نكون جزءاً من المحاولة لتوجيه ضربة لنتنياهو، لكن لا يجب أن نكون جزءاً من التفاؤل بأن هذا قد يقود إلى تغيير ما.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية