أخيراً، تجمعت وأجمعت ثمانية فصائل أساسية، بعضها في منظمة التحرير، وبعضها الآخر، من خارجها، على تقديم مبادرة، لتحريك عملية المصالحة المتوقفة منذ زمن. كان على الفصائل الثمانية، أن تمنح تجمعها مزيداً من القوة، لو أنها طرحت مبادرتها على المجتمع المدني، والنخب السياسية وغير السياسية الفاعلة، ما يجعلها مبادرة شعبية، عمادها الفصائل. غير أن الفصائل فضلت، أن تقدم المبادرة وحدها، ودون إعلان مضامينها، إلاّ بمؤتمر صحافي ينعقد، اليوم، في ساحة الجندي المجهول وسط قطاع غزة . لست أدري لماذا الإعلان عنها بهذه الطريقة، التي ربما تسيء إلى دوافعها، وتحيلها إلى مجرد "همروجة" إعلامية، سينتهي مفعولها مع أول حدث يستقطب اهتمام وسائل الإعلام. الذين تحدثوا عن المبادرة من بعض الفصائل قالوا إنها لا تتضمن جديداً سوى أنها تقدم روزنامة وقت وآليات لتنفيذ اتفاقيات 2011 و2017، ومخرجات اجتماع بيروت. بعضهم الآخر أشار إلى أنها تؤكد على ضرورة دعوة اللجنة القيادية لتفعيل منظمة التحرير، ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية. إن كان ذلك صحيحاً فإن ما تتضمنه المبادرة لا ينطوي على جديد، لم نسمعه سابقاً على صفحات مواقف بعض الفصائل، والشخصيات.


المسألة إذاً، لا تتجاوز تدوير زوايا، وطرح أولويات مرفوضة مسبقاً من قبل هذا الطرف أو ذاك ليس أكثر ولا أقل. يعتقد أصحاب المبادرة، أن ما ينقصها هو التفاهم مع الطرف المصري، حتى تكون صالحة للتسويق، وتحقيق الهدف. في الواقع فإن الصيغ السابقة والاتفاقيات التي تم توقيعها، ويعتبرها المبادرون مرجعية مبادرتهم، لم تفلح في تغيير المواقف والحسابات المتناقضة، والتي لا يجمعها جامع سوى التأكيد على ضرورة إنجاز المصالحة، وخطاب تبرئة الذمة والحديث الكثير والمستفيض عن المخاطر التي تواجه القضية والشعب الفلسطيني. لا مكان للحوار والإقناع، كما يبدو، وكما تشير التجربة الطويلة الماضية في البحث عن حلول واتفاقيات، لمعالجة الاستعصاءات، التي تجعل المصالحة واستعادة الوحدة، مجرد حلم جميل.


بعض قيادات حركة فتح، أجابت بسرعة على المبادرة الفصائلية، واعتبرت أنها لا تأتي بجديد، وأن الأمر كله يتلخص في ضرورة تنفيذ اتفاق 2017.


ثمة ما يدعو للتساؤل، بشأن مصير الاتفاقيات السابقة، فإذا كانت أطرافها قد وقعت في حينه عليها، فلماذا إذاً لم تبادر الأطراف إلى تنفيذها وإنهاء الأمر؟


الإجابة عن هذا السؤال ستعود بنا، إلى التزام الأطراف، بالمسكوت عنه من النوايا، والحسابات والأهداف، وهي تلك القضايا، التي لا يصرح بها كل طرف، ولا تشملها القضايا الإجرائية التي يجري التركيز عليها عند الحوار حول الاتفاقيات.


الأصل هو أن ثمة خلافا عميقا، حول النهج السياسي العام، وحول أشكال النضال، وأعمق منه الخلاف حول موضوع الشراكة الوطنية، وأحقية هذا الطرف أو ذاك في أن يكون صاحب القرار في المؤسسة الوطنية الفلسطينية.


أي مبادرة لا تقترب من هذه القضايا، ليس مقدرا لها أن تمر، فيما يشير الواقع، الى أن الصراع حول هذه القضايا من خارج الاتفاقيات والمصالحة، هو الذي سيحسم الأمور في وقت قد لا يفيد الفلسطينيين كثيراً.


ثمة حقيقة مرّة، تتم معالجتها بطرق إعلامية مخادعة في كثير من الأحيان، وهي أن إسرائيل تمتلك حصة كبيرة في القرار الفلسطيني بشأن ما يخص الفلسطينيين بما في ذلك موضوع المصالحة، واستعادة الوحدة. بل ربما كان الدور الإسرائيلي هو الحاسم طالما أن الثمن الذي يمكن أن يدفعه الفلسطينيون في حال إتمام المصالحة، سيكون كبيراً وكبيراً جداً على الطرفين المنقسمين وإن كان ثمة طرف سيتحمل ثمناً أكبر.


إسرائيل لا تزال صاحبة مصلحة، وقدرة، على مواصلة وضع عقبات كبيرة، لإفشال أي مسعى يمكن أن يؤدي إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، وحين تستنزف أهدافها ومصلحتها من الانقسام فإنها ستفعل ذلك دون رحمة، وبكثير من الدم الفلسطيني في موضوع مبادرة الفصائل المتأخرة، لا أرى أي معنى للوقت فإن كان التوقيت مرتبطا بالمخاطر التي تهدد الحقوق الفلسطينية، فإن كل الوقت السابق، يشهد على وجود مخطط أميركي إسرائيلي يحقق تقدماً ملموساً على الأرض.


على أن المبادرة قد تنطوي على قيمة وأهمية، إن كانت ستكون شكلاً من أشكال التحذير للطرفين، من أن رفضها سيؤدي بتلك الفصائل إلى تحريك المجتمع في غزة والضفة والشتات لخلق حالة من الضغط الفعال على طرفي الانقسام.


ننتظر حتى تقتنع الفصائل الثمانية، والأغلب أنها مقتنعة مسبقاً، بأن مبادرتها لن تحرك المياه الراكدة، لنرى إن كانت ستظل ثمانية في الميدان، أم ان بعضها سيفضّ الشراكة ويجد له عديد المبررات للهروب من استحقاقات، عجزت كل الفصائل عن النهوض بها خلال ثلاثة عشر عاماً مضت. في هذا السياق، من المفيد التذكير بأن اقتصار الفعل الشعبي، على غزة أو على الضفة، لن يكون له أي معنى، أو تأثير، وهو فقط سيستفز الطرف الذي يسيطر على المكان الذي سيجري فيه النشاط، حتى يصبح مادة للاتهامات، بممارسة القمع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد