كان من السهل توقع مأزق إسرائيل المتجدد الذي أفرزته نتائج انتخابات الثلاثاء الماضي والتي أدخلت الدولة في أزمة كانت هي السبب الذي دفع نحو إعادة الانتخابات في نفس العام، فقد كانت نتائج الاستطلاعات التي سبقت الانتخابات قد أعطت نتائج قريبة لما أفرزه الصندوق، وأعطت لنتنياهو الفرصة لأخذ احتياطاته والتصرف وفقاً للنتائج سواء على صعيد ما قاله يوم الانتخابات والأهم من ذلك هو طلبه من مرشحي الليكود ودفعهم للتوقيع باعتباره مرشح الحزب الوحيد لرئاسة الحكومة.


وفقاً للاستطلاعات كان يدرك أن تلك النتائج ستجعل من الصعوبة بمكان تشكيل حكومة مع حزب الليكود أو بحزب الليكود إلا اذا تمت إزاحة نتنياهو، فالليكود وتحالفه قوي بما يكفي ليستمر بقيادة النظام السياسي في إسرائيل، ولكن نتنياهو بات عقبة أمام ذلك سواء بملفات الفساد التي استخدمها خصومه ضده في الانتخابات ليتعهدوا بعدم مشاركته في حكومة أو بالمعني الشخصي كما صراعه مع ليبرمان الذي وجه له نتنياهو عدداً وافراً من الصفعات في حياته السياسية، ويبدو أن رئيس «إسرائيل بيتنا» يتلذذ بتصفية الحساب معه.


استعصاء كبير أفرزته نتائج الانتخابات يجعل من تشكيل حكومة لإسرائيل أمراً شديد الصعوبة، فلا نتنياهو بتحالفه يستطيع تشكيلها ولا بيني غانتس يتمكن دون الليكود من السير قدماً، وكذلك فان تحالفاً من الليكود و»أزرق أبيض» لتشكيل حكومة بات صعباً جداً بعد اتفاق الخميس الماضي بين قوى اليمين بقيادة نتنياهو.


كما كان متوقعاً فان كتلة اليمين هي الأكبر بين اليهود في إسرائيل مع استبعاد الكتلة العربية التي سيحرص غانتس على تجاهلها مثل نتنياهو والذي يقاتل بما يشبه معركته الأخيرة وإلا فسيموت، وهكذا الأمر فعلاً ليسارع يوم الخميس الى جمع القوى الدينية والقومية لتوقيع اتفاق على أن مرشحهم الوحيد هو بنيامين نتنياهو كما فعل مع أعضاء حزبه، وبالتالي أصبحت كتلة نتنياهو مكونة من 55 مقعداً ككتلة مغلقة من الصعب اختراقها، صحيح أنها لا تكفي لتشكيل حكومة ولكنها تخدم نتنياهو باتجاهين؛ الأول أنه أصبح يملك الكتلة الأولى أي أكثر من غانتس، والثانية أنها تمنع غانتس من تشكيل الحكومة باعتبار أنه لن يعتمد في حكومته على العرب.


أما لماذا لن يعتمد على العرب؟ ببساطة شديدة لأن الكتلة العربية لن تدعم أي حكومة دون شروط، وتلك الشروط يصعب قبولها في ظل مناخات أنتجها اليمين في العقد الأخير من حكم نتنياهو، وثانياً لأن حكومة من 65 مقعدا تضم «أزرق أبيض» والعمل وميرتس وليبرمان وشبكة أمان عربية، هذا يعني حكومة معلقة بقرار العرب، وهذا لن يكون مقبولاً في الدولة التي تقاتل لتكون دولة يهودية، والأهم أن أيمن عودة والطيبي سيسقطانها مع أول صاروخ على غزة وأول شهيد على حاجز، ولن يقبل ليبرمان بتلك المعادلة وهو قد قطع الطريق على هذا الخيار مبكرا حين أعلن أنه لا يقبل بحكومة يكون للعرب علاقة بها، لأن صراعه مع الوجود العربي أكثر شراسة من صراعه مع المتدينين، فهو صاحب فكرة رفع نسبة الحسم في محاولة للقضاء عليهم، فهل سيقبل بحكومة تستند عليهم؟


الخيار الثالث الذي جرى تداوله هو حكومة وحدة بين الحزبين الكبيرين وهذا الخيار تضاءل كثيراً بعد اتفاق الخميس الماضي بين كتلة اليمين برئاسة الليكود والذي أعطى نتنياهو تفوقاً في التكليف، وهنا بدت إشكاليات أمام خيار الائتلاف، وهي هل يقبل غانتس بأن يكون نتنياهو رئيس الحكومة؟ وحتى بالتناوب لن يقبل نتنياهو أن يكون غانتس الأول، لأنها فترة لوائح الاتهام، وان كانت هناك عقبة أخرى وهي أن الصراع الأحزاب الدينية وحزب «ييش عتيد» الذي يرأسه لابيد المتحالف مع غانتس بينهما من الخلاف ما يعقد هذا الائتلاف.
هذا هو الاستعصاء في الخيارات، ولا أحد حتى الآن بين السياسيين والمحللين يمكن أن يقدم تصوراً لكيفية تركيب حكومة، فالأرقام أمامنا وهناك من المعيقات ما يشبه أطراف المغناطيس المتنافرة في ظل الوضع القائم، لذا فان خيار الانتخابات مرة ثالثة بدأ يطل برأسه من جديد، اذا لم ينكسر الجمود القائم.


الخيار الذي يجري تداوله بصوت خافت وهو التضحية بنتنياهو، اذ بات هو نفسه عائقاً أمام النظام السياسي في اسرائيل، وان لم يكن الأمر بتلك البساطة، فاليمين يريد أن يستفرد بالحكم بلا شريك لأن لديه مجموعة مشاريع ابتداء من يهودية الدولة وصولاً الى السيطرة على الضفة، لكن في إبعاد نتنياهو ما يمكن أن ينقذ اسرائيل من الورطة التي تكررت من جديد.


هنا تجري الإشارة الى الإسراع في تحضير الملفات وإدانة نتنياهو، لأن القانون الإسرائيلي لا يشترط على رئيس الوزراء الاستقالة أثناء توجيه الاتهام بل في حالة الإدانة، لذا فان جلسة الاستماع في الثاني من تشرين الأول لن تغير في الأمر شيئاً، لأنها جلسة استماع سيرفض نتنياهو التهم الموجهة اليه، ويدرك الرئيس الإسرائيلي رؤفين ريفلين والذي يكره نتنياهو بشدة منذ أن كان الرئيس أحد أقطاب الليكود، وعمل نتنياهو بكل ثقله لعدم انتخابه رئيساً حتى لو تطلب الأمر تغيير القانون، وقد حاول، لكن ريفلين يدرك أن تكليف غانتس أمر سيصطدم بجدار كتلة اليمين برئاسة نتنياهو أو يجعلها رهينة للعرب، وهنا فإن فرص غانتس أكثر ضعفا من فرص نتنياهو، لذا يمكن القول أن نتنياهو بات الرجل الأقوى والرجل الأضعف معا بعد كل هذه التطورات.


الخيار الأخير وهو خيار ضعيف، أن يضحي الليكود بنتنياهو متحرراً من ارثه الثقيل ويذهب لحكومة مع «أزرق أبيض» فقط، وهكذا سيخرج النظام السياسي من ورطته وان كان نتنياهو قد احتاط لهذا الخيار أيضاً قبل الانتخابات جيدا منذ الاستطلاعات، لذا فان الأمور شديدة الاستعصاء، كيف ستخرج منها اسرائيل؟ حتى الآن كل الخيارات مغلقة..!!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد