كنتُ ولا أزال من الداعين للحوار الذي ينطلق من نسبية الحقيقة، دون إدعاء امتلاكها، والتزاماً بمنهج الحوار الإيجابي الذي يوضح ويُنضج الأفكار بعيداً عن المساجلات السلبية التي تسعى لإبراز الاختلاف انطلاقاً من فرضية أنني على حق، وأن من يختلف معي هو المخطئ المطالب بمراجعة موقفه ورأيه نحو الأخذ وربما الالتزام عند البعض برأيي وموقفي.
على هذا الطريق، طريق الحوار الإيجابي أستجيب لدعوة الصديق د. موسى أبو مرزوق التي يقول فيها "أرجو من الصديق جميل أن يُفسّر لي معنى أن تنسحب حماس من المعبر، هل المقصود أن ينسحب نفوذها؟! أم ينسحب موظفي المعبر ويشاركون زوجاتهم في جلي الصحون وتنظيف المنزل؟! "بعد أن اقتطع من حديثي ندائي إلى الإخوة في حركة حماس لمغادرة المعابر.
أخي أبو عمر:
كنتُ أود لو قرأت جيداً ما دعوتُ وبروح إيجابية تبحث عما يمكن أن يقرّب وجهات النظر وصولاً للتوافق المطلوب، وأخذته كلاً متكاملاً ومترابطاً غير مجزوء، وللتذكير أورد بعض ما قُلتُه في لقائي مع فضائية القدس :
- يا إخوتنا يا حماس أصبحت سيطرتكم على قطاع غزة في بعض أوجهها وبشكل خاص في المعابر عبئاً على شعبكم، أولاً؛ أنتم هكذا تحولون دون فتح المعابر كما ينبغي، أنتم ثانياً؛ تحولون دون الشروع في عملية إعادة الإعمار كما ينبغي.
- لا أعتقد أن الخفة أو عدم الاستشعار الكامل للمسؤولية تصل بحيث ترتبط قضية فتح المعابر ببضعة موظفين يبقوا على هذا المعبر أو ذاك.
- لا يجوز أن نغادر الحكومة ونبقى نتعامل مع المؤسسة الرسمية باعتبارنا مؤسسة رسمية موازية.
- بعد ذلك نقول بمنتهى الوضوح أن لا أحد .. لا الرئيس أبو مازن، ولا الحكومة ولا أحد يستطيع أن يتجاهل حقيقة أن لحركة حماس ما لا يقل عن 30 – 35% من المناصرين والمؤيدين في شعبنا وفي كل مؤسساتنا الرسمية والتمثيلية، وبالتالي حماس ستكون موجودة تحصيل حاصل دون أن تضع مثل هذه الاشتراطات.
الفقرات أعلاه، أعدتها كما نُشرت بعد المقابلة على عدد من الصفحات دون أي تعديل، والآن أفسّر لك معنى أن تنسحب حماس من المعابر:
1- بعد أن حلّت حركة حماس حكومتها وأصبحت حكومة التوافق الوطني - الذي يعرف الأخ موسى أن لي تحفظاً على مبدئها منذ حوارات القاهرة التي شاركنا فيها معاً، ورأيي كان ولا يزال يدعو إلى حكومة وحدة وطنية دون استثناء مسبق للمنظمين في فصائل العمل الوطني الفلسطيني أو غير المنظمين – أقول بعد أن أصبحت حكومة التوافق الوطني هي المسؤولة عن إدارة مناطق السلطة الفلسطينية بما في ذلك قطاع عزة، فلا يجوز بعد ذلك أن يقرر أحد مكان هذا الموظف أو ذاك، والتوافق لا يعني أن يصبح كل حزب طرفاً موازياً للسلطة يقرر أين يكون عمل هذا الموظف أو النصير، وحتى لو افترضنا أن الحكومة قبلت في البداية أن يبقى موظفو حماس أو أغلبهم في مواقعهم فهل ستمنع حركة حماس بعد ذلك إجراء المناقلات أو المحاسبة لأعضائها؟!
2- موقفي من موظفي سلطة حماس في قطاع غزة الذين تم تعيينهم بعد 14/6/2007 من شقين، الأول، أنه لا يجوز أن تتخلى السلطة عنهم ويجب أن تضمن دخلاً منتظماً لهم جميعاً إلى أن تسوى أوضاعهم وفق القانون.
والثاني، أنه لا يجوز قبولهم برتبهم ودرجاتهم التي منحتها لهم سلطة حماس حتى لا يتميزوا عن غيرهم من أبناء شعبهم، ومن هنا جاءت فكرة اللجنة الإدارية والقانونية في لجنة الحكومة إحدى لجان الحوار الشامل في القاهرة 2009، وهذه اللجنة هي التي تقرر في استيعاب من ينبغي استيعابهم وتطبّق عليهم قانون الخدمة المدنية والقوانين الناظمة لعمل الأجهزة الأمنية، أسوّة بزملائهم الموظفين من أبناء شعبهم.
3- قلتُ بوضوح أن حماس موجودة في كل مؤسساتنا الرسمية والتمثيلية، وهذا الوجود سيستمر بالضرورة، أي أنني لا أدعو لعودة موظفي حماس إلى بيوتهم بالشكل والطريقة "اللطيفة وخفيفة الدم" التي ذهب إليها أخي موسى.
وبعد:
فيا صديقي موسى، إنّ كل من له بصرٌ و / أو بصيرة يدرك أن وجود حركة حماس على المعابر يفاقم من مشكلات أهلنا في قطاع غزة، بغض النظر عن الموضوعية أو الإنصاف في سلوك هذا الطرف الإقليمي أو الدولي أو ذاك، وفي رأيي وبعد أن قبلت حركة حماس بتشكيل حكومة التوافق حكومةً للرئيس، وببرنامجه وفق إعلانات الرئيس أبو مازن المتكررة – وأكرر أنني لست مع هذه الحكومة من حيث المبدأ بغض النظر عن أشخاصها – فلا يجوز لحركة حماس أن تحوّل قطاع غزة إلى رهينة أو وسيلة للضغط على الرئيس أبو مازن وحكومته من أجل بضعة عشرات من الموظفين هم إخوة لنا، ولهم حقهم على حكومتهم، حكومة التوافق الوطني، وعلى مجتمعهم بحيث لا يقبل المجتمع أي ظلم أو تنكر يمكن أن يقع عليهم أو على غيرهم.
المسؤولية تقتضي من حركة حماس التراجع رحمةً بشعبها، والإعلان الصريح عن انسحابها من المعابر دون شروط، لتفتح أبواب المعالجة لأزمة المعابر بما يستجيب لمصالح الناس، فقيادة حركة حماس تعرف جيداً أن المعابر لن تفتح كما ينبغي، وأن مواد إعادة الإعمار لن تدخل إلى القطاع حتى مع الشروط القاسية التي تضعها أطراف دولية وإقليمية عدة، وأن الموظفين والطلاب والمرضى وكل ذوي حاجة لن يتمكنوا من السفر لقضاء حاجاتهم ... الخ طالما بقي وضع المعابر على ما هو عليه.
نريح شعبنا ثم نعمل معاً يداً بيد حتى لا يُظلم أحد من أبناء شعبنا بمن في ذلك موظفو ما بعد حزيران 2007، وقبلهم من يُعرفون بمتفرغي 2005، فكلهم أبناء شعبنا، ومسؤوليتنا تجاه الجميع حمايتهم وحفظ حقوقهم، وفي نفس الوقت حفظ حق المجتمع، وهذا موضوع بحث آخر، قدمتُ بشأنه رأياً تفصيلياً لمن يريد أن يرى أو يسمع ويفهم ويغلب الوجهة الوحدوية الديمقراطية للشعب ومؤسساته.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية