عندما قرر نتنياهو أن يقدم غور الأردن وشمال البحر الميت , وباقي أراضي الضفة الغربية لشعب إسرائيل , في حال حصوله على الحكومة الخامسة , لم يأتي لنا بجديد , لأن هذا القرار لم يختلف عن قراراته السابقة منذ توليه الحكومة الرابعة , وخاصة بعد فوز مساعده وداعمه ترامب , ولكن الغريب في الأمر أن قرارات نتنياهو في الضفة الغربية , تختلف تماماً عن قراراته في قطاع غزة , فهو أصبح واضحاً تماماً , فهو يريد تهويد الضفة , وتحويل غزة لدولة مستقلة , ومع أن غزة بالفعل دولة مستقلة بفضل الإنقسام , ولكن نتنياهو لم يكتفي بذلك , بل يريد ضم الجناح الأكبر من الوطن "الضفة" عسكرياً لإسرائيل , وهدم مؤسسات السلطة تماماً , أو تقليص صلاحياتها بما لا تتجاوز مترين في رام الله , ومترين في بيت لحم , ومترين في أريحا... إلخ , وبذلك يكون قطع شعرة معاوية بين غزة والضفة كسيادة جغرافية , والذي كانتا على أمل أن تتوحدا في يوم من الأيام , ولأن المقاومة الشرسة فعلياً لا تدافع إلا عن غزة , فهذا أعطى مبرراً لنتنياهو أن يتصرف بالضفة كما يشاء .

إن عدم التوازن في عمل المقاومة , وتوزيع مهامها وأدوارها جغرافياً وبشكل صحيح , جعلت نتنياهو يتصرف بشخصيتين منفصلتين , فقوة المقاومة في غزة أجبرت نتنياهو أن يختار سياسة الإحتواء لكل الضربات التي يتلقاها , حتى أنه أصبح مثار سخرية لمنافسيه "ليبرمان , بينيت" بالإضافة الى الإعلام والرأي العام , وفي المقابل أصبح نتنياهو شرساً في الضفة الغربية ليعوض حالة العجز والتي تلاحقه في غزة , فالمقاومة في الضفة الغربية قد تقتل جنوداً ومستوطنين أكثر من ما تقتلهم صواريخ غزة , ولكنها خلايا نائمة , ومعظمها عمل فردي وغير منظم , فطبيعة هذه الخلايا بحد ذاتها وخطورتها , فرضت على نتنياهو إستخدام خطة فرض السيادة العسكرية الكاملة على الضفة , لأنه وبدون ذلك سيصبح كل جندي أو مستوطن في الضفة معرض للدهس أو للطعن... ولكن نتنياهو في غزة لا يستطيع فرض السيادة العسكرية إلا في حالة إشتياح كامل , قد تستغرق عام أو أكثر , بالإضافة الى الخسائر في الأرواح , والميزانية الهائلة , وعبئ حماية إسرائيل من الداخل... لذلك قرر نتنياهو أن يكون إحتوائياً في غزة , ويشرع في التسوية الإقتصادية مقابل الأمن , ويكون شرساً في الضفة , وفي الحالتين تكون غزة قد خسرت الحنكة السياسية وقبلت بأقل القليل , والضفة ذابت بين المستوطنات وعادت الى ما قبل أوسلوا , وهذا يعني أننا خاسرين مع نتنياهو في غزة ونتنياهو في الضفة , وطالما أن الإنقسام قائم لم ولن تقوم لنا قائمة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد